الوحدة المسيحيّة عمل موصول لا صلاة أسبوع…

الأب جورج مسوح Saturday January 19, 2008 185

بدأ البارحة أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين، تحت شعار الآية الشهيرة “صلّوا بلا انقطاع” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5، 17) الذي تبنّاه “مجلس كنائس الشرق الأوسط”. والمناسبة، هذه السنة، مميّزة لانّ المسيحيّين يحتفلون بذكرى مرور المئويّة الأولى لهذا التقليد.

سنة أخرى عبرت والمسيحيّون ما زالوا يصلّون من أجل وحدتهم. والصلاة من أجل أيّ قضيّة أو أمر ضروريّة، ولكنّ هذا لا يلغي العمل الدؤوب والجدّيّ من أجل ما يريد المصلّي بلوغه. ينبغي إذًا إقران الصلاة بالإرادة الفاعلة وعدم الاستكانة والعمل من أجل عودة الوحدة. “إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم”، وهذا لن يتحقّق إلاّ بتواضع كبير، وبتوبة حقيقيّة إليه.

يقول السيّد المسيح في الموعظة على الجبل: “فمَن خالف وصيّة من أصغر الوصايا وعلّم الناس أن يفعلوا مثله، عُدّ الصغير في ملكوت السّموات. وأمّا الذي يعمل بها ويعلّمها فذاك يعدّ كبيرًا في ملكوت السّموات” (متّى 5، 19). يقدّم المسيح في الآية العمل على التعليم، ذلك أنّ مَن يعمل بموجب الكلمة يحقّ له أن يعلّم، أمّا مَن لا يعمل بمقتضى الكلمة فلا يحقّ له أن يعلّم. في هذا السياق لا ضرورة للكلام أو للصلاة إن لم يقترنا بالعمل.

أمّا القدّيس باسيليوس الكبير (+379) في شرحه للآية الإنجيليّة: “الله روح، وبالروح والحقّ يجب على العابدين أن يعبدوه”، إنّ “الروح القدس صار المكان الذي يُعبد فيه الله”. هذا يعني أنّه حيث تقوم العبادة هناك يكون الروح القدس. لا أحد يستطيع أن يمنع الروح القدس من أن يحلّ حيث يشاء. لذلك الناس في وحدة ولو لم يشاهدوها بالعين المجرّدة. وهذا يطال أيضًا أناسًا غير مسيحيّين يعبدون الله بالروح والحقّ، فكم بالحري المسيحيّون الذين يتوقون إلى الاجتماع في جسد المسيح الواحد؟ وإن كنّا نرى كنائس متعدّدة منتشرة في أماكن كثيرة، فلا شكّ أنّ استدعاء الروح القدس في كلّ كنيسة ليجعل المجتمعين جسدًا واحدًا رأسه المسيح، يجعل من كلّ هذه الكنائس مكانًا واحدًا لعبادة الله. الوحدة غير المنظورة في الروح أقوى من الوحدة المنظورة.

لكنّ هذا لا يعني مطلقًا أنّ على المسيحيّين عدم العمل على وحدة منظورة تكون عيدًا وفرحًا لهم جميعًا. إلاّ أنّ ما يحول دون هذه الوحدة صعوباتٌ ومشكلات وتاريخ مثقل وخطايا كثيرة. يبقى اليقين بأنّ الوحدة الحقيقيّة تكتمل في تلك الكنيسة الأخرويّة، حين يصنع الله “كلّ شيء جديدًا”، فيسكن معهم ويكونون له شعوبًا ويكون لهم إلهًا. لقد أعطي للناس أن يكون رجاؤهم أخرويًّا، وهذا لا ينفي إمكانيّة جعل هذا الأخرويّ حاضرًا اليوم وهنا. التحدّي الذي على المسيحيّين وقادتهم الكنسيّين مواجهته هو هل باستطاعتهم استحضار الآتيات إلى الزمن الحالي؟ هل سيكتفون بالصلاة والانتظار السلبيّ لتحقّق المشيئة الإلهيّة أم أنّهم سيتحوّلون إلى أدوات فاعلة بين يدي الله تزيل كلّ العوائق من أمام الوحدة المرجوّة؟

نخشى أن يتحول أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحيّة إلى مجرّد أسبوع للصلاة من أجل “راحة نفس” الوحدة المسيحيّة. نخشى أن ندخل في نوع من متحفيّة صلاتيّة على مدى أسبوع سنويًّا تضاف إلى متحفيّاتنا الموجودة في كنائسنا. نخشى أن يتحوّل هذا الأسبوع إلى مجرّد تبرير إضافي لاستمرار الانشقاقات ولراحة ضمير مَن يزعمون أنّهم يسعون إلى الوحدة.

صلاة المسيحيّين تبدأ من تحوّل في القلوب حقيقيّ، كي يجعل الله فيها توقًا حقيقيًّا إلى وحدة منظورة، يصلّي المعنيّون ويعملون من أجل تحقيقها على مدار السنة كلّها، لا لأسبوع فقط. من هنا واجب ترجمة الدعاء المسيحيّ اليوميّ “فلتكن مشيئتُك” إلى الواقع المعاش، وهل مشيئته غير تحقيق الوحدة بين عموم شعبه المشتّت؟

 

جريدة “النهار” 19 كانون الثاني 2008

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share