توقيت الأعياد الدينيّة: ترسيخ الاختلاف

الأب جورج مسوح Sunday January 13, 2008 120

مسألة الاختلاف في توقيت الأعياد الدينيّة بين مختلف المذاهب والطوائف تشكّل في كلّ عام وموسم مادّة دسمة للأقلام الجدّيّة والساخرة على السواء. يتساءل الناس عن حقّ لماذا الاختلاف طالما أنّ التوقيت مرتبط بأمور فلكيّة مضبوطة علميًّا. ويتساوى في هذا المقام المسلمون والمسيحيّون، فمسألة تعييد عيد الفصح، العيد الكبير، كانت مثار خلاف بين المسيحيّين منذ القرن الثاني للميلاد. أمّا الأهلة التي تحدّد بدايات الشهور القمريّة، وتاليًا الأعياد الإسلاميّة، وعيد الفصح أيضًا، فكيف يمكن عدم التيقّن من ولادتها؟

لا نعتقد أنّ القول الفصل في تثبيت الأعياد يلتزم بالقاعدة الشرعيّة التي تتضمّن الآليّات الواجبة لذلك. فالفصح ينبغي أن يقع، بحسب القانون الكنسيّ، في الأحد الأوّل الذي يلي البدر الأوّل بعد الاعتدال الربيعيّ. هذه مسألة بسيطة علميًّا، فمنذ آلاف السنين استطاع علماء الفلك تحديد بدايات الشهور وخواتمها. مع ذلك سوف يعيّد المسيحيّون الفصح في هذا العام يفرّق بين عيد الأرثوذكس وعيد الكاثوليك خمسة أسابيع بالتمام والكمال! هل يمكن عاقلاً أن يرفض ما يقوله العلماء عن بداية الاعتدال الربيعيّ؟ أليس في رفض الامتثال إلى هؤلاء مخالفة واضحة للشرع الكنسيّ؟ هل ثمّة بدران، بدر أرثوذكسيّ وبدر كاثوليكيّ؟

الأمر سيّان عند المسلمين، فأعيادهم مرتبطة بالتقويم القمريّ. غير أنّ الاختلاف ما فتئ مستمرًّا إلى اليوم بين مذاهب المسلمين. فكيف يمكن أحدهم أن يثبت علميًّا ولادة الهلال، ويثبت أحد آخر العكس منتظرًا يومًا وأحيانًا يومين لولادة الهلال ذاته؟ كيف يمكن أن يرى أحدهم الهلال الجديد ولا يراه جاره الساكن بقربه؟ وبخاصّة أنّ المسلمين قد أجمعوا على القول بأنّ استبصار هلال رمضان، مثلاً، واجب كفائيّ لا فرض عين، إذ يكفي أن يلتمسه بعض المسلمين في أحد الأقطار كي يعمّ سائر المسلمين القاطنين القطر ذاته. فهل ثمّة هلالان في كلّ قطر، هلال سنّيّ وهلال شيعيّ؟

لا نعتقد أنّ الاختلاف في تعيين الأعياد هو ذو صفة علميّة. فلو كان كذلك لتوحّدت الأعياد، ولما كنّا شاهدنا أفراد عائلة واحدة يعيّد قسم منها في يوم وقسم آخر في غده أو بعد غده. نعتقد أنّ الأمر ذو دلالات أكثر عمقًا من الوجه العلميّ للمسألة. فثمّة إصرار على تأكيد الاختلاف في كلّ الميادين، وإصرار على القول بأن ليس ثمّة ما يجمع بين عموم المسلمين أو بين عموم المسيحيّين. فيأتي تحديد ميقات العيد ليخاطب وجدان المؤمنين مرسّخًا لديهم الاقتناع بأنّ لا شيء يجمعهم بالمختلفين عنهم بالمذهب أو بالطائفة، وليس من شركة إيمانيّة واحدة تجمعهم.

هذا الإصرار يعني أنّ ثقافة قبول الآخر المختلف ما زالت معدومة إلى حدّ كبير لدى كبار القوم وأولي الأمر في المذاهب الإسلاميّة والطوائف المسيحيّة على السواء. فالتأكيد على الفوارق الصغيرة بين مذاهبهم وطوائفهم، وتحديد العيد منها بلا شكّ، ورفعها إلى مقام القضايا الكبرى هو في سبيل التأكيد على الفوارق الكبرى العقيديّة والفكريّة التي تفرّق بينهم. من هنا، نلاحظ تماهيًا بين ما هو جوهريّ وما هو عرضيّ، إذ يضحي أيّ اختلاف شكليّ بمثابة اختلاف جوهريّ ودالاًّ دلالة قاطعة على فرادة الهويّة الدينيّة أو الطائفيّة أو المذهبيّة.

لو كان السعي جدّيًّا في “ترميم الوحدة بين المسيحيّين” وفي “التقريب بين المذاهب الإسلاميّة” لكان بدأ المعنيّون، تأكيدًا لروح التعاون والتقارب والمحبّة، بالعمل على توحيد الأعياد، ولما انتظروا حلّ المسائل الشائكة كلّها كي يعيّدوا ويفرحوا معًا.

نقرأ ونسمع، هنا وثمّة، عن عدم التناقض بين الدين والعقل، أو بين الإيمان والعلم. غير أنّنا في مسائل بسيطة، كتوقيت العيد، نحن في حاجة إلى براهين وحجج مقنعة بأنّ هذه المقولة عن عدم التناقض لها نصيب وافر من الصحّة.

 

جريدة “النهار” 13 كانون الثاني 2008

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share