دعوة هانيّة إلى الاعتدال

الأب جورج مسّوح Saturday July 31, 2004 178

الأب جورج مسّوح

 

دعا السيّد هاني فحص الشباب الأرثوذكسيّ إلى الاعتدال تمثّلاً بقياداته الكنسيّة، ولا سيّما المطران جورج (خضر). جاءت هذه الدعوة في سياق ندوة عقدها مركز جبل لبنان في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة تناول فيها المتحدّثان، المطران جورج (خضر) والسيّد هاني فحص، موضوع “مستقبل العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة في ظلّ الأوضاع الراهنة”.

جيّد أن تأتينا الدعوة إلى الاعتدال من سيّد كريم مشهور بمواقفه الوطنيّة المميّزة، وبمواقفه الإسلاميّة الداعمة للحوار الإسلاميّ المسيحيّ والعيش المسيحيّ الإسلاميّ المشترك، ليس فقط على الصعيد اللبنانيّ، بل على مستوى أوطاننا العربيّة، إذ أسّس، مع آخرين، الفريق العربيّ الإسلاميّ المسيحيّ للحوار، وهو فريق يضمّ مفكّرين مسلمين ومسيحيّين من لبنان وسورية ومصر والأردن وفلسطين والسودان.

والسيّد هاني، في أشدّ الظروف ظلمة، ظلّ في تواصل دائم مع الساعين إلى سلام حقيقيّ بين اللبنانيّين. وسار، كسائر أصحابه من الخيّرين، بعكس التيّارات السائدة في طوائفهم ومجتمعاتهم، من أجل تعاقد وطنيّ سليم يجمع اللبنانيّين جميعًا على أسس راسخة تطوي الصفحات السود إلى الأبد، وتؤسّس لوطن يتساوى فيه اللبنانيّون كلّهم على أساس المواطنة الشريفة.

لقد دعا السيّد هاني الشباب الأرثوذكسيّ ألاّ يكتفي بـ«الاستمتاع بكلام الاعتدال الصادر من المطران جورج (خضر)، ثمّ يذهب ويعمل بعكس هذا الكلام». ما يعنينا هو أن نؤكّد على صوابيّة ملاحظة السيّد للازدواجيّة التي تحكمنا وشبابنا، من حيث الافتراق بين السَكَر بالكلام الأخّاذ بالأفئدة والقلوب، من ناحية، والتصرّف بعكس هذا الكلام في حياتنا اليوميّة. وثمّة ذرائع آثمة كثيرة نسوقها لتبرير الذات، فنقول إنّ ثمّة طلاقًا بين الواقع والمثال. وهكذا، نقضي على رسالتنا في قول الحقّ والدفاع عنه في سبيل مصالح آنيّة أو منافع طارئة.

هنا، لا يجوز أن نغفل نظرة الآخر إلينا. فهويّتنا تحدّدها نظرة الآخر إلينا، وتشكّلها أيضًا. فإذا كانت الأرثوذكسيّة العربيّة تعني عند شركائنا في المواطنة الخطّ الاعتداليّ، فهذا يتطلّب منّا أن نعي مسؤوليّتنا تجاه الإخلاص لهذه الصورة، وألاّ نشوّهها هنا وثمّة. وهذا يستوجب أن نعمل على صعد عدّة من أجل إعادة الصورة إلى بهائها. فلا نتباهى، فقط، بتاريخ منفتح للأرثوذكسيّة العربيّة، وننغلق في حاضر مرير مناهض لهذا التاريخ المضيء.

أن نكون مخلصين لتراثنا يعني أن تسكننا الروح المسكونيّة، وذلك عبر الحوار مع المسيحيّين الآخرين لاستعادة الوحدة بيننا وبينهم. فالحركة المسكونيّة انطلقت في العالم وفي بلادنا برجاء أرثوذكسيّ كبير. وكان سادتنا وأساقفتنا من أبرز العاملين في المجالس المسكونيّة، وكان لنَفَس أنطاكية الفضل في دفع الأمور إلى الأمام. على هذا ينبغي لنا أن نكون وتكون أجيالنا الصاعدة.

أن نكون مخلصين لتراثنا يعني ألاّ نعمل شيئًا في أوطاننا يجعل المسلم الشريك في الوطن وكأنّه غير موجود. فلا يجوز أن تكون قضايانا الكبرى في تناقض مع قضايا المسلمين في منطقتنا. فالعراق عراقنا، وفلسطين فلسطيننا، والقدس قدسنا، والفرات فراتنا، ودجلة دجلتنا، والنيل نيلنا، والعربيّ مواطننا، والقهر يجمعنا. أن نلتزم هذه القضايا هو أضعف الإيمان.

أن نكون مخلصين لأرثوذكسيّتنا يعني ألاّ نكون طائفيّين، ننتمي إلى كتلة عمادها اللحم والدم لا الروح. نحن لسنا أهل قبائل أو عشائر أو عائلات هي تراب في نهاية الأمر. نحن أبناء كنيسة رأسها يسوع المسيح، لا صاحب دولة أو صاحب معالٍ أو صاحب سعادة. ولا نكون بلغنا إلى أهدافنا لمجرّد انتخاب أرثوذكسيّ عضوًا بلديًّا أو مختارًا أو تعيين موظّف في إحدى دوائر الدولة…

قال صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم): «قلنا بالتنوّع والانفتاح، وهذا من صلب عقيدتنا». لقد أوجز السيّد البطريرك الكنيسة الأرثوذكسيّة بلفظَي «التنوّع والانفتاح» اللذين بانعدامهما تبطل الكنيسة الأرثوذكسيّة أن يليق بها تسمية الأرثوذكسيّة. هذه الأمانة مسؤول عنها شبابنا الذي خاطبه السيّد هاني فحص “خطاب القلب”.

شكرًا سيّد هاني، «مولانا» الحبيب، لأنّك اجتهدت في رؤيتك للرسالة الأرثوذكسيّة فأصبت، عسى أن يتلقّف شبابنا هذا الاجتهاد، فيَحيون ويُحيون الكنيسة العربيّة ذات التراث الأرثوذكسيّ العريق.

 

مجلة النور، العدد الخامس 2004، ص 222-223

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share