في الحقيقة لفظة بشارة هي لفظة يونانية محصورة باعلان الانجيل ليست هي كل الدعوة، هي ليست الانجيل المكتوب، لذلك سأتجاوز اللفظة للكلام عن الدعوة الى المسيح شخصياً من حيث هو ربّ ومخلص.
ان المسيحية تمتاز بأنها حبّ لشخص وجد ومات وقام، حبّ وجداني شخصي عشقي له، وليست هي كتاباً إلا على سبيل الصدفة لأن التلاميذ منذ سنة 33 (ومات الرب في تلك السنة – حوالي سنة 33)، لا نعرف في أي سنة مات تماماً. حوالى سنة 95-96 عند صدور انجيل يوحنا، المسيحية لم يكن فيها شيء مدّون، قبل سنة 80 انجيل متى لم يكن مصاغاً، لاحظ التلاميذ ان محتوى ما قاله المسيح قد يضيع بسبب عدم الذاكرة، نقول للناس بعد حوالى 50 او 60 سنة تذكروا، يجب ان يكون هناك شيء مكتوب، ولكن كان هناك تعليم شفهي مثلما هو في كثير من الأحزاب العقائديّة ، الكوادر فيها يعلمون التعليم المكتوب والأعضاء العاديون يتناقلون التعليم الشفهي.
اريد ان أحرّف التبشير عن معناه اللغوي والأصل اليوناني الذي يعني كشف الانجيل وأقولها كشف وجه يسوع للناس والاتيان بهم الى هذا الوجه، هذا هو الوجه الذي اقترحه، ما يعني اننا ندعوهم الى التوبة. الدعوة اليه يعني الانسجام معه كما يقول العرب ” أن تتخلّق بأخلاقه” او كما يقول بولس الرسول “أن تتشبه به” بمعنى ان هناك صوراً للمسيح في هؤلاء الملايين من المؤمنين به، صوراً حية من رآهم فقد رآه. اذا كان الكلام لا يبغي دعوة الى التوبة والحثّ على التوبة للاقتداء صار تعليماً نظرياً هذا ليس تبشيراً. القلب هو الذي يعمل، تعلقٌ بشخص يسوع هذا أول شيء أساسي بمفهوم البشارة.
في اللغة العربية البشارة المطلقة هي بشارة للخير، ان قال لي أحد ان أحدهم مات هذا ليس بشارة، البشارة للخير وفي القرآن مبشرون بالعذاب الأليم، مرات استثنائية تكون الاعلام عن شيء سيء، ولكن هذا الخبر السار والخبر السار لي أن اوجزه بكلام السيد “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به” كل المسيحية هي هذه الآية “أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد”.
عندما وصل تيموثي وير البريطاني، الاسقف الانكليكاني الى صلاة الغروب في الكنيسة الارثوذكسية خرج ارثوذكسياً وصار كاليستوس وير مطراناً، وهو من أذكى المطارنة الموجودين في العالم وأشدهم تمسكاً بالايمان.
الشيء الثاني انه ليس المبِشر حصراً فرداً من الكنيسة. اذا جاء غريب على جبال لبنان، هي مثل كل الجبال وليست أجملاً، البارحة هناك امرأة من لبنان قالت لي ما معناه أحب أرض لبنان وركعت وقبلت ارض لبنان، فرحت طبعاً، اذا جاء غريب على هذه البلاد وقال أنا رأيت عائلة مسيحية ورأيت قرية مسيحية هؤلاء يختلفون عن غيرهم لانهم يحبون بعضهم بعضاً وليس عندهم عصبية عائلية، لا أحد يقول عائلتي افضل من عائلتك، عائلتك ليست أفضل، في لبنان كل واحد عائلته هي الأفضل.
انا آتي من عائلة شعبية أعلى قليلاً من الشعبية، وبكل ارثوذكسي طرابلس ليس احد لديه شهادة جامعية غيري انا، كنت أقول بنفسي لماذا هؤلاء أفضل مني، لا بالشكل ولا بالكلام ولا بالثياب ولا بالأخلاق أفضل مني. أتى واحد الى جبال لبنان وقال هؤلاء يحبون بعضهم بعضاً وليس عندهم نميمة، وكل واحد يتزوج منهم يفكر انها امرأته الى الأبد ولا ينظر الى أخرى. لا يقتلون ابداً ولا يسبون ابداً، يجب ان يكون فيهم سر ليكونوا كذلك.
ما هو هذا السّر؟
عندما يقول الكتاب في العهد الجديد “توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات” في متّى ما يعني اقترب ملكوت السماوات. الدنيا قائمة وقاعدة يقتلون بعضهم، اقترب ملكوت السماوات تعني ان الملك الذي هو يسوع الناصري صار بيننا، هو الملكوت. ما الذي ستزيده السماء والأرض والقيامة. ما يعني واحد يطلع الى السماء يأخذ صاروخاً، ليس من سماء هناك يسوع فقط، هو السماء. سما يسمو باللغة العربية، اذا كان هو خبز الحياة “توبوا” إنضموا إليه حاولوا ان تكونوا له. ما يعني يجب ان يترك كل شيء أباه وامه وامرأته،
تلاحظون كلمة “ان يهلك نفسه من اجلي ومن أجل الانجيل يخلصها” واو العطف هي للدمج، ليس كلمة معطوفة على كلمة، معناها نفس الكلمة. الانجيل لا يزيد شيئاً عليّ.
السؤال الذي طرح من هو المبشِّر؟
المبشرون هم من ارتسم عليهم يسوع وخصوصاً اذا عاشوا في جماعة مسيحية.
نقرأ في لوقا مسحني أعلنني ممسوحاً بنعمته، “مسحني الآب لأبشر المساكين” ماذا يعني هذا؟ من اعتقد نفسه او يرى نفسه ان ماله يغنيه عن الناس الآخرين هذا لا يبشَّر. المساكين يبشَّرون، هذه الفتاة الجميلة التي تعتبر نفسها جميلة، الآباء القديسون في الخدم التي تمهد للميلاد تكلموا عن جمال النساء، التي تعتقد ان هذا الجمال هو أكثر من كومة تراب ليست بحاجة لتبشير. الانسان المثقف والذكي، والمثقف الذي يحس انه (مزوزق) بالثقافة، والذي هو بحاجة لعمل كثير، والمثقف الذكي يستطيع ان يغير الدنيا، اذا اعتبر نفسه اكثر من كومة تراب ليس بحاجة لتبشير- مات.