رَجُلُ الله: بعضٌ من استذكارٍ في سيرةِ “إيليّا النبيّ” واتّعاظ

الأب جبران اللاطي Thursday July 25, 2019 835

“هذا الوقت قد علمتُ أنّكَ رجلُ الله،

وأنّ كلامَ الربِّ في فَمِكَ حَقٌّ”

(1 مل 17: 24)

أنّى لها، لهذه المرأة الأرملة، في صرفة صيدا، الغريبة عن الإيمان، أن تدلي باعترافٍ كهذا، حريٌّ بأبناء الناموس أن يسبقوها إليه! كلّ الفرق، أنّها رأت أنّ ما فعله إيليّا التسبيتيّ، وما قاله، أنّه فعل الربّ وكلام الربّ، بدءًا بتبريك الدقيق والزيت وصولًا إلى إقامة ابنها.

وجاهد “رجل الله” في حياته على أن يبقى ثابتًا في هذا. لم يخشَ الردّ على آخاب الملك عندما واجهه بقوله: “لم أكدّرْ إسرائيلَ، بل أنتَ وبيتُ أبيكَ بترككم وصايا الربّ، وبِسَيْرِكَ وراء البعليم” (1 مل 18: 18)، بعد أن أخبره عوبديا بأنّ إيزابل قتلت أنبياء الربّ (1 مل 18: 13).

ولم يكتفِ إيليّا بالردّ على آخاب، بل تحدّاه بمواجهته أنبياء البعل الأربعمئة والخمسين، باستنزال النار على الثور المحرَقة. وبعد نزول النار، استرسل بطلبه الحماسي من الناس أن يمسكوا أنبياء البعل كلّهم وينزلوهم إلى نهر قيشون حيث ذبحهم هناك (1 مل 18: 40).

وعندما اختبأ في المغارة في جبل الله حوريب، إثر تهديد إيزابل له، كان سؤال الربّ إليه: “ما لك ههنا يا إيليّا؟”. فقال: “قد غرت غيرة للرب اله الجنود، لأنّ بني إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءَك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها” (1 مل 19: 9 – 10).

وكأنّه يحاول أن يدافع عن أعماله لا سيّما الانتقاميّة: قتل أنبياء البعل، ردًّا على قتل أنبياء الله.

ويأتي طلب الربّ إليه: “أخرج وقف على الجبل أمام الربّ” (1 مل 19: 11) ليجعله يرى من هو هذا الربّ، وما هو هذا الربّ الذي قال (إيليّا) فيه: “غيرة غرت للرب إله الجنود”. وكانت ريح عظيمة وشديدة قد شقّت الجبال وكسّرت الصخور، وكانت زلزلة، وكانت نار، ولم يكن الربّ في أيٍّ منها (1 مل 19: 11 – 12).

ثمّ “صوتٌ منخفضٌ خفيفٌ” (1 مل 19: 12)، ورغم ذلك، سمعه إيليّا، ولفّ وجهه بردائه، لأنّه فهم أنّه الربّ، وأنّه مثل موسى لا يقدر أن يراه ويعيش، وخرج ووقف في باب المغارة ودار بينهما الحوار السابق نفسه (1 مل 19: 13 – 14). ثمّ أرسله الربّ ليمسح اليشع بن شافاط نبيًّا عوضًا عنه.

“رجل الله” أكمل عمله، وأطاع ربّه بلا تردّد بمسح اليشع نبيًّا عوضًا عنه، متمّمًا بذلك استمراريّة النبوّة.

فرادة “رجل الله” هذا، أنّ كلامه حول غيرته للرب إله الجنود لم يتغيّر أبدًا، رغم تغيّر الظروف، حتّى تحت وطأة التهديد والاختباء.

“رجل الله” اليوم، هو كلّ إنسان كلامُهُ كلام الربّ،

هو كلّ إنسان يُدرِك أنّ الربّ ليس في الانتقام والعنف، بل هو “صوت منخفض خفيف”، إلّا أنّه يُسْمَعُ جيّدًا بكلّ الكيان،

هو كلّ إنسان يكرّس نفسه لنقل “كلمة” الربّ الغنيّة إلى كلّ نفس فقيرة إلى ربّها،

هو كلّ إنسان يكرّس نفسه للربّ، في سرِّ الكهنوت المقدّس، سرِّ الأبوّة بالروح، ويطيع أسقفَهُ بتواضعٍ طاعتَهُ للربّ، من أجل تأمين استمراريّة هذه الخدمة التقدّيسيّة للنفوس والأجساد. حتّى إذا تصرّف، أو تكلّم مع الناس بكلام الربّ، فإنّهم يقولون له، كما قالت هذه المرأة لإيليّا:

“هذا الوقت قد علمتُ أنّكَ رجلُ الله، وأنّ كلامَ الربِّ في فمِكَ حقٌّ”.
 

الأب جبران اللاطي

عيد النبيّ إيليّا، 20 تمّوز 2019.

535 Shares
535 Shares
Tweet
Share535