إنّ طقوسنا مفعمة بطلب الرحمة: حوالى (٣٥٠) مرّة «يا ربّ ارحم» يصلّونها الرهبان في صلوات الكنيسة يوميًّا: «يا ربّ ارحم… يا ربّ ارحمنا وخلّصنا»…(١)
فلماذا هذا الإلحاح وهذا الإصرار يا تُرى؟
أوّلاً: لأنّ فضائلنا كُلّها (بصرف النظر عن زلاّتنا)، كُلّها إطلاقًا خطايا… إذ إنّها (لمن يعي ذلك) مُبطّنة بالأهواء: كحُبّ الظهور والمجد الباطل وإثبات الذات والمنافسة وما إلى ذلك…: «كلّ إنسان كاذب» (مز ١١٥: ١١)… «ليس من يعمل صلاحًا حتّى ولا واحد» (مز ١٣: ٣).
– ثمّ ليس لأنّنا، فرديًّا، خطأة، بل لأنّ الناس أجمعين، البشريّة بعامّة (كعائلة وكجسد واحد) غارقة في الفساد…: «لكن أبناء البشر باطلون، أبناء البشر دجّالون غشّاشون في الموازين. تكوّنوا من الباطل كلّهم أجمعون» (مز ٦١: ٩)… فالعالم منسوج ومعجون بالخطايا. إنّه واقع رهيب، ولم يقل الربّ عبثًا إنّ «إبليس هو رئيس هذا العالم»… «فارحمنا يا اللَّه كعظيم رحمتك»(٢).
– واللَّه يبكي (الأب ليف جيلله). يسوع يبكي… وشغله الشاغل أن يرحمنا. اللَّه الحنون… يسوع المصلوب، الذي لا يزال مصلوبًا لأجلنا لكي يرحمنا…
– ولذلك يوصي الآباء بصلاة يسوع الدائمة: «يا ربّ يسوع… ارحمني أنا الخاطئ».
– ولذا أيضًا يوصون بالمناولة المتكرّرة (القدّيس باسيليوس الكبير بخاصّة). ويقول أيضًا القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث بضرورة ذرف الدموع عند المناولة.
– فيا ليتنا ندرك، في العمق، هذا الواقع: «هبّ لي أن أعرف ذنوبي وعيوبي»… وصلاة الأب صفروني: «يا ربّ ارحم عالمك»… يا ليتنا نصلّي صلواتنا بهذا الإحساس كيانيًّا، فنصير إلى السلام، ويُرحم العالم، بنعمة الربّ يسوع له المجد..