الأرشمندريت إلياس (مرقص)
«أما أدانكِ أحد؟ فقالت لا أحد يا سيّد. فقال لها يسوع: ولا أنا أُدينكِ، اذهبي ولا تخطئي بعد».
إنّ موقف يسوع هذا من المرأة التي «أمسكت وهي تزني في ذات الفعل» (يوحنّا ٨: ٤) من شأنه أن يعلّمنا الكثير في مضمار علاقتنا بعضنا ببعض، إذ يمكن القول إنّ هذه إنّما هي حالة قصوى، وتاليًا فكم بالحريّ ينبغي العمل بروح الربّ في حالات أخفّ وطأة.
إنّنا عندما ندين بعضنا بعضًا نكون أوّلًا غير واقعيّين، أي غير مدركين حقًّا أنّنا كُلّنا ضعفاء وخطأة. لأنّ هذا أمر واقع لا يحتمل الجدال: «ليس من يعمل صلاحًا حتّى ولا واحد» يقول داود النبيّ في مزاميره.
ونكون ثانيًا غير مؤمنين برحمة الربّ الذي إنّما جاء ليخلّص ويرحم، ثمّ نغرق في خطايانا وضعفاتنا ولا نتخطّاها بنعمته. فيكون أن ليس من تحرّر من الخطيئة وليس من خلاص. وهكذا يسود الشرّ وتتسمّم الحياة. ويكون أنّ الربّ قد تجسّد من أجلنا وفدانا سدى. فليتنا ندرك الأهمّيّة القصوى الكيانيّة للقول «لا تدينوا لئلّا تدانوا».
إلّا أنّنا لا نستطيع أن نتّخذ هذا الموقف المسيحيّ الكيانيّ إن كنّا لا نعرف أن ندين أنفسنا أوّلًا. ألسنا نصلّي مرارًا وتكرارًا في فترة الصوم الكبير: «هبّ لي أن أعرف ذنوبي وعيوبي ولا أُدين إخوتي» إنّ معرفة الذات حقًّا بوعي وبالعمق أساسيّة جدًّا لسلامة الحياة المسيحيّة الشخصيّة، وتاليًا لسلامة العلاقة بين الناس. في حين أنّ مخالفة مجتمعنا في الواقع تعليم ربّنا يسوع المسيح في هذا الصدد أمر شائع يكاد يكون عامًّا في نوع من الإجماع وشبه التكريس.
هذا وتحدث أحيانًا حالات خاصّة من الخلاف الشديد بين اثنين بحيث يتعذّر معه بشريًّا التفاهم والانسجام بينهما بل تسود المشادّة، ففي مثل هذه الحالات يجدر بنا حمل صليبنا مع الصلاة والصبر والاتّضاع والدموع… ولكنّ المهمّ أن يلتزم الاثنان بالجهاد النسكيّ ويعرفا ضعفهما ويعترفا بأخطائهما ويتسامحا ويستمرّا في هذا الجهاد.
إنّ الفهم الروحيّ (١) في هذا المضمار هو ألّا «نصنّف» أحدًا نهائيًّا، فنتوقّف عند أقوال قالها أو تصرّفات تصرّفها فنبني على ذلك موقفًا منه دائمًا ونهائيًّا… بدلًا من أن ندرك أنّه إنّما هو سائر في مسيرة حياة وتاليًا قابل للتغيير برحمة الله ونعمته.
«لا تدينوا كيلا تدانوا» قول مطلق… أمّا إذا سلكنا على غير ذلك، وفي الوقت ذاته ظننّا أنّنا على حقّ، فمسيحيّتنا يرثى لها…
المرجع : مجلة النور، العدد الخامس، ٢٠٠٣.