الافتتاحيّة: إدخال الفصح في حياتنا

الأرشمندريت إلياس (مرقص) Wednesday August 12, 2020 121

بقلم الأرشمندريت إلياس (مرقص)

المسيح قام، فينبغي أن يدخل ذلك في حياتنا وإلّا فباطل إيماننا.

 فالقيامة حقيقة، وحقيقة يوميّة

القيامة عند الرسل والتلاميذ هي المسيح القائم من القبر والعائش معهم. هي ظهور المسيح لمريم المجدليّة وللتلميذين الذاهبين إلى عمواص، وللرسل الاثني عشر والأبواب مغلقة، ولتوما، وللرسل لمّا أكل معهم سمكًا وعسلًا…

وما حضوره للتلاميذ بعد القيامة، بهذه الأشكال المختلفة، إلّا دلالة على استمرار حياة المسيح مع المسيحيّين (بالروح القدس) في كلّ أشكال حياتهم: «ها أنا معكم إلى انقضاء الدهر» (متّى ٢٨: ٢٠).

ونحن عندما «نسجد لقيامة المسيح المقدّسة»، إنّما نسجد ليسوع الحاضر معنا ونقول له مع المجدليّة: «رابوني»، ومع الرسل: «إنّه المعلّم»، ومع توما: «ربّي وإلهي».

وحضوره هذا حضور خفر، شبع خفيّ… فإنّه ظهر للمجدليّة «كأنّه البستانيّ»، ورافق تلميذي عمواص كرجل غريب، وظهر لبطرس ورفاقه في الصيد وهو على الشاطئ من بعيد، وهم لم يتجرّأوا على أن ينادوه، وأكل معهم سمكًا مشويًا وعسلًا من دون أيّة مقدّمة… فدخل حياتهم مباشرة وبكلّ بساطة، وفي أبسط مظاهرها.

هذا وإنّ الفصح يُقصي الخوف والاضطراب والقلق:

– «قال لهما يسوع لا تخافا» (متّى ٨: ١٠).

– «قال لهما الملاك: لا تخافا أنتما» (متّى ٢٨: ٥).

– «السلام لكم» (يو ٢٠: ٢٦) و(لو ٢٤: ٣٦).

 ويقصي التردّد والحيرة:

– «لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا» (يو ٢٠: ٢٧).

– «لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟» (لو ٢٤: ٥).

– «لا تندهشن» (مر ١٦: ٦).

– «ووبّخهم على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم» (مر ١٦: ١٤).

  ويتوجّه إلينا شخصيًّا:

– «يا مريم» (يو ٢٠: ١٦).

– «ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين؟» (لو ٢٤: ١٧).

– «اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم» (متّى ٢٨: ١٩).

 ويوعبنا فرحًا:

– «ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم» (لو ٢٤: ٥٢).

– «فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم» (متّى ٢٨: ٨).

– «طوبى للذين آمنوا» (يو ٢٠: ٢٩).

 ويعتني بنا عمليًّا:

– «هلمّوا تغدّوا» (يو ٢١: ١٢).

   ويقوّينا على خطايانا:

– «تخرجون شياطين باسمي» (مر ١٦: ١٧).

 ويرسّخ بنوّتنا للآب ويصعدنا معه إليه:

– «اذهبي وقولي لهم إنّي أصعد إلى أبي وأبيكم» (يو ٢٠: ٧).

 ولكن يبقى الفصح «عبورًا»، أي تجاوزًا وإخلاءً دائمًا للذات، خروجًا من الذات… لكيما نعيش «الحياة الأوفر». فالقيامة كامنة داخل الفداء، إنّها تنبع من الصليب، «حبّة الحنطة إن لم تمت…»، «لصليبك أيّها المسيح نسجد ولقيامتك المقدّسة نمجِّد».

ومع ذلك فإنّ عنصر الراحة والفرح– عنصر القبر والقيامة– أقوى بالنتيجة من عنصر الصليب والآلام. فالفصح الذي آل إليه الصليب والآلام هو «الخليقة الجديدة»… به قد انتقلنا «من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء»، وفيه «تفرح السماوات والأرض» و«يعيّد العالم كلّه، الذي يرى والذي لا يرى»… إنّه فرح شامل، ساطع، ظافر، فرح من دون حدود، لا في الزمان ولا في الأبديّة. المسيح قام و«البرايا بأسرها قد استوعبت نورًا…». كلّ شيء مغمور بانسكاب حبّ لا يستثني أحدًا: «صمتم أم لم تصوموا، ادخلوا إلى فرح ربّكم»… وكلّ شيء صفاء وسلام: «ولنقل يا إخوة، ولنصفح لمبغضينا عن كلّ شيء في القيامة»…

وكأنّنا نعيش سرّ الخليقة عند الخلق: «ورأى الله ذلك أنّه حسن»… كلّ شيء جديد، وحسن. كلّ شيء طاهر، مغسول بدم الخروف…

 

المرجع : مجلّة النور، العدد الثالث، ١٩٩٩.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share