سنة جديدة

ألبير لحام Sunday January 7, 1951 192

بقلم الأستاذ ألبير لحام

“الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً” (2 كو 5: 17) هل يسعك يا أخي أن تردد هذه الكلمات في مطلع ما يسمونه “السنة الجديدة”. أنظر إلى نفسك وانظر إلى العالم. أي جديد فيها. هل خرجت عن عاداتك القديمة المتأصّلة. هل تغيّر شيء في طريقة تفكيرك وفي نـهج حياتك وفي دوافع أعمالك. هل كان اليوم الأول من كانون الثاني بداية عهد جديد أو سنة جديدة بالنسبة إليك كإنسان حيّ. ثم هل كانت تلك الحقبة من الزمن فاتحة عهد جديد أو سنة جديدة في العالم الذي تعيش فيه؟ ماذا تغيّر في مجرى الأمور والحوادث السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ ماذا تغيّر في أسس تفكير مجتمعك وفي أسس حياته؟ هل خفّت وطأة الظالم عن المظلوم وزال استبداد السيد بالمسود وماتت الأنانية وقضي على البغضاء والحسد والجشع وحلّ السلام على الأرض.

فلماذا تدعو هذه الحقبة من الزمن المبتدئة في الأول من شهر كانون الثاني “سنة جديدة” ولا جديد فيها على الإطلاق؟

ألأن الأرض أتمت في ذلك اليوم وللمرة الواحدة والخمسين بعد التسعمائة والألف منذ بداية التقويم المسيحي، دورتـها الطبيعية حول الشمس؟ ولكن الأرض في دورانـها لم تشعر بـهذا الحاجز الاصطناعي الذي نسجه خيال الإنسان الـمُسَمَّى “رأس السنة” بل تابعت دورانـها كالمعتاد متجاهلة مقاييس البشر السخيفة!.

فرأس “السنة الجديدة” يوم يمرّ كسائر الأيام تلحق به أيام هي أيضاً كالتي سبقتها من الأيام، ألم يقل الكتاب في سفر الجامعة: الشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. ما كان فهو ما يكون وما صنع فهو الذي يُصنع. فليس تحت الشمس جديد (جامعة 1: 5 و9).

ليس جديد تحت الشمس؟

كلا! يقول بولس الرسول: “هوذا الكل قد صار جديداً”.

ولكي لا نعتقد أن الكتاب يناقض نفسه فقد أوضح الرسول قائلاً:

“إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً”… إذا كان أحد في المسيح! هل فهمت يا أخي أن هناك عالـمَيْن: عالم المسيح حيث التجدّد المستمرّ وعالم بدون المسيح حيث جديدهم نسج من الخيال ووهم واصطناع!

عالم بالمسيح، عالم البنيان في النور والمحبة. وعالم بدون المسيح، عالم التقتيل والتخريب في ظلمات العالم الباطل والأنانية البغيضة. إلى أي عالم تنتمي! أية خليقة أنت، أنظر قليلاً إلى قرارة نفسك. لا تخف هناك وكر الأفاعي. الكذب والرياء والشهوة والغيظ والسرقة – السرقة المتستّرة المقنّعة – والأنانية والطمع والاستبداد واستثمار الآخرين الذي هو قتل خفيّ للضعفاء الأبرياء والبخل – الذي هو عبادة أوثان – والترف والغرور والكلام الرديء والثرثرة والتجديف … أجل كل ذلك وغيره أيضاً مما لم أذكر، أنظر إليه مستقراً في أعماق قلبك، متأصّلاً في صميم كيانك مسيراً كمحرك سرّي حتى أبسط أعمالك وأكثرها اعتياداً.

أنظر إلى ذلك كله يا أخي ولتنفذ عيناك الى الأعماق وقرِّر بعد ذلك هل أنت إنسان جديد. ثم اجعل نظرك إلى فوق “أنظر إلى الذي صلبوه” إلى الذي يفتح يديه ليضمّ إلى صدره الجريح الخطأة قبل الصدّيقين إلى الذي يدعو إلى ولادة جديدة هي في متناول كل إنسان. وقُل مع بولس “أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدّام اسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله” (في 3: 13-14) واخلع من جهة التصرّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. تجدد بروح ذهنك والبس الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ (أف 4: 21).

تسلّح بنعمة الإيمان. بقوة الله القادرة أن تشفي المرضى وتكمل الناقصين واغترف من ينبوع الأسرار الذي لا ينضب. تطلّع بعد ذلك إلى ما يجري في نفسك، تطلّع إلى ما هو لك، إلى عالمك ومجتمعك. واختبر بعد ذلك يا أخي كيف أن الأشياء العتيقة قد مضت وكيف صار الكل جديداً.

إن نور البعث والتجدد سيشعّ على حياتك كلّها لأنه “إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة”.

أجل سنة جديدة نتمنّاها لك أيـها المسيحي لتكن سنوك جديدة!.

مجلة النور كانون الثاني 1951، ص 1-3.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share