وُلد القدّيس غريغوريوس في القسطنطينية سنة 1296، ابن عائلة نبيلة قريبة من البلاط. نشأ فيها على التّقوى والنسك وممارسة الصلاة النقيّة الدّائمة. انكبَّ على العِلم منذ صغره ورغِب في الرّهبنة. بعد وفاة والده، التحقَت أمّ غريغريوس وأختاه بدير في القسطنطينيّة، وسافر سنة 1316 مع أخوَيه الى جبل آثوس. قضى حوالى 15 سنة راهبًا في الجبل المقدّس وقرب تسالونيكي، يمارس الصلاة الدائمة والنسك الشديد. رئِس دير أسفيغمانو وأرشَد الرّهبان فيه وعددُهم مئتا راهب. كان معهم بسيط السلوك، حرّ الفكر، متواضعًا، مسامحًا التّائب، مرشِدًا بالقول والعمل، قائدًا الإخوة على طريق الفضيلة. استقال من رئاسة الدير بسبب توقه إلى الحياة الهدوئيّة وعاد الى منسكه في الجبل المقدّس. كتَبَ آنذاك عدّة كتابات روحيّة: سيرة القدّيس بطرس الآثوسيّ، ومقالًا طويلًا عن دخول السيّدة إلى الهيكل وبعض العظات.
سمع عن نشاط برلعام الكالابري وكتب سنة 1336 البراهين حول الرّوح القدس. كان برلعام يونانيًّا من جنوبي إيطاليا، قصد القسطنطينيّة لدراسة الفلاسفة اليونانيّين ومحبّة بالتقوى الحقيقية على حدّ قوله.
عاش القدّيس غريغوريوس نُسكَه على مبدأ الهدوئيّة: الهدوء الخارجيّ أي تحرّر الحواسّ والجسد من تأثيرات العالم والهدوء الداخليّ أي تحرّر القلب والذهن من الأهواء والأفكار وتدريب الذّهن على عدم قبول أي فكر أو تجربة باطلة، فيكتسب سلام القلب وآنذاك يكشف الله له ذاته. يحصل هذا بالصلاة الدّائمة والتدرّب على الهدوء. حارَب برلعام الهدوئيّين، فكتَب القدّيس غريغوريوس كتابات اسمها “الثالوثيّات” يتناول فيها موضوع خلافه العقائديّ مع برلعام ويدافع عن الهدوئيّين. كان برلعام يقول أنّ العقل البشريّ لا يمكن أن يفهم أي شيء عن الله، لذلك لا جدوى للبحث اللاهوتيّ، وقدّم هذا التفكير حجّة ضدّ اللّاتين في قولهم أنّ الرّوح القدس ينبثق من الابن. جواب بالاماس أنّ الله يُفهم لأنّه أعلن عن نفسه بيسوع المسيح ولأنّ الرّوح القدس يعمل ليصل الانسان إلى معرفة الله.
حكَم المجمَع المقدّس القسطنطينيّ على برلعام، لكن قام ضدّ بالاماس أعداء غيره، منهم بطريرك القسططينيّة فنُفي وسُجن حتّى سنة 1341، كتَب في منفاه عدّة كتب. وافَق مجمع 1347 ومجمع 1351 على لاهوت القدّيس غريغوريوس وانتشر فكره في الكنيسة. كان قد انتُخب أسقفًا على تسالونيكي، فقضى وقته في الوعظ والرّعاية حتّى وفاته في 14 تشرين الثاني 1359. في سنة 1368، قرّر البطريرك فيلوثاوس تكريس الأحد الثّاني من الصوم عيدًا له وكتب الخِدَم الطقسيّة للعيد.
طروبارية القدّيس غريغوريوس
يا كوكبَ الرّأي المستقيم، وسندَ الكنيسة ومعلّمَها، يا جمالَ المتوحّدين ونصيرًا لا يُحارَب للمتكلّمين باللاّهوت، غريغوريوس العجائبيّ، فخرَ تسالونيكي وكاروزَ النّعمة، ابتهل على الدوام في خلاصِ نفوسنا.