من يتمعَّنُ في إنجيل اليوم تستوقفه غرابتان:
الأولى غرابة اختيار يسوع لهؤلاء التلاميذ دون غيرهم.
والثانية غرابة هذه التلبية السريعة لدعوة من غريب كانت وعوده أغرب.
“هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس”
أبهذه البساطة يتركان الشباك؟ يتخليان عن لقمة العيش مصدر الرزق!! والآخران يتركان أباهما والبيت والعائلة؟ بالطبع لم يكن الأمر سِحرياً كما يبدو للوهلة الأولى. ولإدراك حقيقة الأمر علينا أن نتمعَّن، لا في إنجيل اليوم فحسب بل بكل ما دوَّنه الإنجيليون من أحداث الخلاص.
فمعرفةُ يسوعَ بالتلاميذ تسبقُ هذا اللقاء. ألم يتبع أندراوسُ يسوعَ بعد شهادة يوحنا به، ومن ثم أخبر أخاه سمعان انه قد وجد المسيا. وفي اللقاء الأول ليسوع مع سمعان دعاه بطرس.
ألم يكونوا معه في قانا الجليل وشاهدوا أولى معجزاته؟
إذاً خبرة التلاميذ مع يسوع ليست جديدة. الجديد في الحدث هو المهمة التي يوكلها يسوع للتلاميذ: تصير صياداً للناس وهذه لا تتحقق إلا بالمقدار الذي يجعلنا فيه يسوع صيادين.
رسالتنا إذا أن نقتنص الناس المتعبين والخائفين والمشردين والمضنوكين والمتألمين…. إلى ميناء المسيح حيث الفرح والسلام.
مطلوبٌ منا اليوم وكلَّ يوم أن نصطاد بشباك المحبة والاحتضان والأمل الأسماك التائهة في هذا العالم الهائج ولكن علينا أن نتذكَّر دوماً أنه هو الصياد الحكيم والراعي الصالح والأب الحنون. وبمقدار ما نتبعه نتعلم منه، نرتشف الحكمة والصلاح والحنان.
هلم ورائي فأجعلكما… عبارةٌ قصيرة لكنَّها محدَّدة ومفعمة:
أولاً هلم ورائي: اتركا الاهتمام الأرضي الذي لكل الناس… لا ترتبكوا بهموم الحياة المعاشية… اطلبوا أولا ملكوت الله وبره… عندها أنا أجعلكم صيادين للناس.
ستزاولون صيد السمك والنجارة والطب والتعليم وسائر الأعمال المكتبية ولكنكم في هذا كله ومن خلال كل هذا ستصطادون الناس إلى حياةٍ أفضل.
فلنترك فكرنا الأرضي ولا نتأثرنَّ بأفكار أحبةٍ لنا ربما لم يعرفوا يسوع كما أُعطينا أن نعرفه ولنصرخ بتواضع والدة الإله هاأنذا امةٌ للرب ليكن لي حسب قولك. عندها سنعاين العظائم التي يفعلها القدوس من خلالنا.
متعلمين كنا أم أميين، فقراء أو أغنياء، مثقفين أو بسطاء، غير مهم. المهم أن نكون ملحاً ومنارةً تضيء لمن حولنا. فلا خيار لنا بأن نُعلن ونكرز بمحبة الله، إنما الخيار هو باختيار الطريقة التي بها سنصطاد الأمم إلى معرفة يسوع. أجل فلنردِّد مع بطرس الرسول: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك… اجعلنا صيادين للناس… علمنا أين ومتى وكيف نلقي الشباك؟
واجتذب كل الأمم إلى سلامك ومعرفتك واشمل عالمك برأفاتك التي لا حدود لها… آمين.