بعد ان قلت كلمات عن الأب والأم والطفل لاحظت في الرؤية اللاهوتية ان كتابنا لا يجمع هؤلاء الثلاثة في متحد يسمى العائلة. ليس عندنا تاليًا كلام إلهي عنها ولو ورد كلام مستفيض نسبيا عن كل فريق من هؤلاء الثلاثة يتعلّق بخاصة في العلاقة الرعائية أو السلوكية ضمن هذا الثالوث.
العائلة، قائمة متحدا واحدا، ليست في الرؤية الإلهية ذاتا ولكنها اجتماع والعلاقات فيها بين شخص وشخص ككل علاقة بين الناس فينفتح الواحد على الآخر بالمحبة والقربى تقررها وصية المحبة القائلة ببساطة “أحبوا بعضكم بعضا كما انا أحببتكم” أي تفانوا حتى الموت. النسب لا يزيد مواهبك شيئا ولكنك تعظم ان مارست فيه عطاء النفس فتنمو نفسك اذا انسكبت في النفوس الأخرى.
انت تعطي الآخر ما استلمته من ربّك أكان لك نسيبا ام لم يكن. ليس عند امرئ شعور مخزون. هناك للعاطفة استعداد مكنون بسبب هذا الجسد كشفناه في مقالاتنا الثلاث الأخيرة. لكن العاطفة تعطيها أنت إن كنت أبا أو أما ولا تعود اليك بالضرورة من أولادك ولا تدور بين الإخوة والأخوات بالضرورة. أحيانا تدور بينهم شراسة أو عداء. أما الشعور الأخوي فتؤتاه انت من مدى المعاشرة وامتداده وقد يغذي الله العشرة بنعمته.
لذلك كانت العلاقات في العيلة ثنائية وتصبح ثالوثية فقط اذا اختار الرب هدفا لها. لذلك لا يقنعني من قال إن العائلة خلية للكنيسة. إنها تحيا على الصعيد الطبيعي واذا دخلت الكنيسة اليها تقدسها واذا بقيت العائلة تعيش على صعيد الطبيعة ولم تستلهم ربها لا تكون عنده شيئا.
ختاما لهذا الجزء من حديثي أقول ان العائلة ليست في الكنيسة ولكن الكنيسة في العائلة.
■ ■ ■
من هنا يتضح لك أن العائلة قادرة على الفساد إن ابتعدت عن ربها واذ ذاك، تصبح خطرا فتضطر انت ان تؤدبها بأدب الرب. انت مدعو ان تبشر أباك وأمك والإخوة والأخوات فتنشأ عائلة روحية بين المؤمنين منكم هذه العائلات الجديدة غير القائمة على رباط الدم حبيبة الى الله. محبو الرب نسميهم رعية واما الذين نأوا عن الرب فيصيرون من عائلته اذا التقطته قلوبهم.
■ ■ ■
تبقى العائلة على كونها طبيعية، مجتمعية هيكليا، مكانا من أماكن المحبة. لك ان تجعل نسيبك قريبك بالمعنى الانجيلي أي حبيبا واذا لم تحب ذويك حسب قلب الرب تفسد العلاقة وتصبح ضحية العائلية أي فريسة العصبيّة التي هي من مشاعر هذا العالم الشرير لكونها عداء للمتحدات العائلية الأخرى. العصبيّة تشديد للعواطف المنكمشة حتى الاختناق. الطبيعة مجرّدة من الانعطاف الإلهي عليها تقتل فينا الكيان الطيب. ولكن اذا احببت الأقربين تتروض بهم على محبة الناس جميعا. ليس الدم يجعل أنسباءك أقربين. الله وحده يقيم بالنعمة لحمة بين من تقاربوا. النسب ييسر القربى ولكنها حاصلة فقط بالرضاء الإلهي.
يقول الرسول إن المحبة لا تتباهى. انها نازلة عليك. لذلك كان الافتخار بعضوية لك في عائلة تحسبها انت مجيدة كان لها في العظمة مكانة من أتفه المشاعر البشرية. انت، عند ذاك، صريع المجد وهو طبيعيا باطل لأنه يأتيك من العالم الباطل. القلب الخاشع، المتواضع هو وحده المجد. وانت وحدك تأتي من النور أو تأتي من الظلمة. لذلك كان التفاخر بالآخرين أو بالأنا من صميم التفه.
كل افتخار بالعائلة تحقير للعوائل التي لم تحفظ لها مجدا من هذه الدنيا الزائلة. ان تنأى بنفسك عن كل مجد شرط لإقرارك بالمجد الإلهي. ان لم تولد من هذا تكون مقرًا بأن دنياك تعطيك جمالات وانك تاليا آت من تراب هذه الدنيا.
العائلية تنشئ القبلية التي هي اليوم تحالف عائلات هي بقبولها الحلف هذا تقبل نفسها من لحم ودم واللحم والدم لا يرثان ملكوت الله اذ لا تدخله اسرة بل يدخله أفراد. انت تأخذ هويتك من النعمة وليس لك خارجها من هوية. كل تكوينك الباطني معطى لك من فوق ويبقى لك التراب. ويعرف التراب انك مغادره في اليوم الأخير وانك عائد الى الوجه الذي احبك وكونك بحبه.
احفظ نفسك من صنميّة العائلة ومن صنميّة القبيلة لكي تصير من عائلة الآب. انت بتحررك من كل صلة بشرية آسرة تدخل عائلة الآب وتبقى فيها ما دامت طاعتك. وفي مفهومنا هي الكنيسة التي بلا حدود، المكونة ممن يعترف الله ببنوتهم له اذا تابوا اليه وتاب اليهم. الأبوة الإلهية لا تقوم على خط تجميع ولكن على انتقاء الرب لمختاريه. الله ليس رئيس قبيلة أو حلف قبائل أو حضور قومي. هذا كله من طبيعة الدم. الله سالت دماء ابنه ليبطل الدم وشرعية الدم. الرب يؤلف ذريته من روحه ويضع فيها كلمته ونفحاته. ويكتب مجده بروحه واذا انت أسهمت بكتابة هذا المجد تصبح ايقونة المسيح الذي عندما تخلى عن مجده بالموت سر الله الى الأبد.
واذا انت أمتّ مجدك الموروث يجعل الله لك مجدا آخر لك ان تكفر به ان عدت الى عالميتك ولك ان تثبّته بانتهاجك القداسة أي باعتزالك هيكليات هذا العالم وبناء هيكل الله في جسدك ونفسك لأن الله يبغي ان يضع مجده فيك.
كل هذا لن يحصل لك الا بعد ان تفهم انك على الدوام صنع الله بعطائه المجاني وتكون، اذ ذاك، معمدا بالروح والنار. الكائن الناري فقط يدخل عائلة الآب.
المطران جورج خضر