الحق الإلهي والحرية البشرية

mjoa Wednesday June 27, 2012 79

يخصّص الشيخ راشد الغنوشي في كتابه “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” (مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1993)، فصلاً كاملاً عن “التصوّر الإسلاميّ للحرّية وحقوق الإنسان”. وبعد أن يؤكّد أنّ الإسلام “ثورة تحرّرية شاملة”، يضع حدوداً للحرية البشريّة، فيقول: “ما ينبغي أن يُفهم من الحرية بمعناها المتداول أنّها مجرّد إذن او إباحة، فليس وارداً في منطق الحقّ أن تتلخّص رسالة الإسلام التحررية (…) في أن الله يأذن لكم في أن تفعلوا ما تشاؤون، لا، بل إن شعار تلك الرسالة على النقيض من ذلك تماماً؛ إن الله خالقكم ينهاكم أن تتّبعوا أهواءكم وجهالاتكم ويأمركم أن تتّبعوا – عن وعي وإرادة وقصد خالص – النهج الذي ارتضاه لحياتكم ففيه وحده سعادتكم ورقيّكم في الدنيا والآخرة”.

ويقيّد الغنوشي الحرية البشريّة بالعقيدة وبالشريعة الإسلاميتين، “فالإنسان مستخلَف عن الله، وضمن عهد الاستخلاف – الشريعة الإسلامية – تتنزّل جملة حقوقه وواجباته”. كما يعتبر أن “نظرية الحرية في الإسلام تقوم على إطلاق حرية الفرد في كل شيء ما لم تتصادم بالحق أو بالمصلحة العامة، فإن تعدّت أصبحت اعتداء يتعيّن وقفه وتقييده”. ونعتقد أن الغنوشي يقصد بلفظ “الحق” الحق الإلهي.

المشكلة في هذا الكلام تبدأ من تحديد مَن هي الجهة الصالحة للتقرير في شأن تصرّف معيّن وما إذا كان يتصادم “بالحق”. فالغنوشي يعتقد أن “المشروعية العليا في الدولة إنّما هي لله – تعالى – ممثّلاً في شريعته، وأن الأمّة هي المستخلفة وليس فرداً منها أو مؤسسة أو جماعة”. وهو نفسه يعتبر أن “سلطة النصّ ومشروعيته العليا منعتا وجود سلطة دينية في الإسلام (كنيسة) كما منعتا وجود الحاكم ظل الله في الأرض”.

كلام الشيخ الغنوشي، زعيم حزب “النهضة” الذي تسلم الحكم في تونس، يجعلنا لا نستغرب ما يجري في تلك البلاد من قمع للحريات العامة وتقييد لحرية الإبداع والتعبير. فمن اعتداء على محطة تلفزيونية بسبب عرضها لفيلم “يسيء إلى الذات الإلهية”، إلى التعرّض لبعض أساتذة كلية الآداب والفنون في منّوبة، إلى الاعتداء على معرض فنّي في “قصر العبدليّة” اعتبر بعضهم أنه “يمسّ بالمقدّسات”… كلّ ذلك يدفعنا إلى التساؤل عن مدى رحابة الإسلاميين في موضوع الحريات العامة.

على العكس ممّا يقوله الغنوشي يبدو أن “السلطة الدينية”، الكنيسة (كما كانت في القرون الوسطى)، حاضرة بقوّة وتفرض رأيها على المجتمع والناس، وتقرّر ما يجوز فعله وما لا يجوز فعله. فإذا كان الحق الإلهي حقاً مطلقاً لا نقاش فيه، تبقى القراءة البشريّة لهذا الحق قراءة نسبيّة تحكمها الأهواء السياسية والمصلحة الضيّقة للمسؤولين عن الدولة. فلا يحق لأي جهة احتكار “الحق الإلهي”، لأنها تكون قد أشركت بالله جاعلة نفسها مساوية له في الحكم على الناس ونيّاتهم.

لا لوصاية من أي سلطة دينية تفرض نفسها على المجتمع. نقول هذا القول لخشيتنا من أن تمتد العدوى من تونس إلى كلّ بلد يصل فيه الإسلاميون إلى الحكم، ولخشيتنا من ألا يكون الربيع العربي سوى خريف تتساقط فيه أوراق الحريات فتدوسها الأقدام.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share