صلوات ليلية تُبقي كنيسة “القبر المقدس” ساهرة حتى الصّباح

mjoa Friday July 6, 2012 118

بمغادرة آخر السياح كنيسة القبر المقدس مع حلول الظلام في البلدة القديمة في القدس، يتكشف، في احد اقدس المواقع المسيحية، تقليد غير معروف، مع انه يرجع الى قرون عدة. فرجال دين من الكنائس الثلاث الكبيرة: اليونانية الارثوذكسة، الارمنية، والكاثوليكية الرومانية، يجتمعون كل  ليلة لاقامة صلوات خاصة، مخصصة للرجال الذين يتولون رعاية الموقع، حيث يؤمن المسيحيون بأن المسيح صُلِبَ ودُفِن وقام.

مع منتصف الليل، يبدأ رجال دين ورهبان بالترتيل والصلاة ساعات متتالية. وتدوي اناشيدهم في الحجرات الكهفية للغرف الاكثر ظلمة في القبر المقدس. “باب الكنيسة أُغلِق، ولم يعد هناك حجاج، ولا سياح. الكنيسة هادئة جدا”، يقول الأب ايزودوروس فاكيتساس، المسؤول الاعلى في كنيسة القبر المقدس من البطريركية الأرثوذكسية اليونانية. ويتدارك: “من الرائع الاستمتاع بالليتورجيا من دون ان يكون هناك ناس، فقط الرهبان”.

من 21 عاما، يشارك ازودوروس في خدمات الصلوات تلك. الاستعدادات لها تتطلب روتينا صارماً. فقبل الصلوات الأولى لكل يوم جديد، يحتاج هذا الصرح المسيحي الى التنظيف، وينبغي القيام بأعمال صيانة فيه: يكنس رجال دين الأرضيات، يستبدلون مصابيح الزيت، وينظفون شمعدانات الشموع، بعدما يكون آلاف الحجاج زاروا المكان خلال اليوم السابق. وفي بعض الاحيان، يساعدهم في عملية التنظيف عدد صغير من الحجاج المخلصين الذين يُسمح لهم بالبقاء والصلاة داخل الكنيسة طوال الليل.

“القداس الصباحي تقليد مرتبط بالحياة الرهبانية”، يفيد أستاذ علم الآثار المسيحية في المعهد البيبلي الفرنسيسكاني في القدس الاب يوجينيو الياتا قائلا: “معظم الرهبان ورجال الدين يريدون الصلاة، ليس طوال اليوم فحسب، انما أيضا طوال الليل أو خلال فترة من اليوم أو من الليل. وهذا الامر جزء من رغبتهم في الصلاة من دون توقف، لأن الصلاة الى الله يجب أن تُرفَع في كل وقت، نهاراً وليلاً”.

بالنسبة الى وصي الرهبانية الفرنسيسكانية في  القبر المقدس الاب فيرغوس كلارك، ان صلوات الليل تتطلب قدرا معينا من التضحية الشخصية، لكنها تجلب ايضا امتلاء روحيا اكبر. “انها رسالة رائعة… ان نكون قادرين على فعل شيء من هذا القبيل، وأن نعرف انه في وقت يكون الناس نياماً، يكون بعضهم يصلون”. داخل القبر المقدس، يضبط تقليد صارم الليتورجيات الليلية: يبدأ الرهبان اليونانيون الأرثوذكس القداس في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، قبل أن يسلموا مكانهم الى الأرمن، يعقبهم الفرنسيسكان. والليتورجيا الأرثوذكسية اليونانية هي الاطول في القبر، اذ تستغرق نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة. ثم يتولى الأرمن زمام الامور لنحو ساعة ونصف الساعة، يعقبهم الفرنسيسكان لنصف ساعة اخرى.

من جهة اخرى، ان هذه الخدمات الليلية تخضع لبعض التباينات. على سبيل المثال، قاد الكاثوليك في عيد القديس ماتياس صباح 14 ايار، زياحا إلى قبر يسوع في اثناء احتفال الأرثوذكس اليونان بالقداس. في تلك الليلة، امتزجت الالحان ببعضها، وانبعثت أصوات سموية من جناح الكهنة الأرمن، على وقع الارغن الفرنسيسكاني المتعالي من الجهة المقابلة.

التنافس على العناية بالمكان ليس جديدا في الكنيسة القديمة. فالكنائس الثلاث الرئيسية التي تتشارك فيها، تحرس كل منها بغيرة قطاعها الخاص، ويسود جو من عدم الثقة، في وقت تحرص كل مجموعة على التأكد من ان أياً كان لن يعبر إلى قطاعها.  فمع ان قبر السيد المسيح والممرات الرئيسية للكنيسة تعتبر مساحات مشتركة، فان كلا من الطوائف المسيحية الرئيسة الثلاث تملك جزءا من الكنيسة: كنيسة القديسة هيلانة قرب المكان الذي يعتقد ان صليب السيد المسيح وُجِد، تخصّ الارمن، بينما تملك الكنيسة الارثوذكسية اليونانية القسم الاكبر من كنيسة القبر المقدس، بما في ذلك مذبح الجلجلة، حيث رُفِعَ صليب السيد المسيح. اما الفرنسيسكان، فيملكون كنيسة الصلب، حيث صلب المسيح، جنبا الى جنب مع الجزء الشمالي للكنيسة، حيث ظهر يسوع لامه، وفقا للتقليد المسيحي.
   
كنيسة القبر المقدس بناها الامبراطور الروماني قسطنطين العام 325، في الموقع الذي كان يعتقد انه عثر فيه على قبر السيد المسيح. غير انها دمرت العام 1009 على يد الخليفة المسلم الحكيم. وقد اعطى ترميم على يد الصليبيين في القرن الثاني عشر القبر المقدس شكله الحالي.
 
تنتظم الحياة داخل القبر من خلال مجموعة معقدة من القواعد، التي غالبا ما تخضع لتفسيرات مختلفة، يقول المشرف الأرمني في القبر المقدس الأب صموئيل آغويان. وفي بعض الأحيان، تحوّل التوتر أعمال عنف مع قيام رهبان (من تلك الطوائف) بدفع بعضهم البعض وتبادل اللكمات!.  واذا كان الرهبان الارمن يبقون ساهرين ليلا في الكنيسة، فلكي يتأكدوا، على ما يفيد، من “ان الاشياء تتم في شكل صحيح، وفي وقتها المحدد، وأن أحدا لن يتعدى على حق الآخرين من خلال القيام بأشياء ليس من المفترض ان يقوم بها. لذلك علينا أن نكون حذرين، ونراقب ما نقوم به، وما يقوم به ايضا الآخرون”.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share