الحركة والعمل الكنسي

ألبير لحام Tuesday May 1, 1956 166

الأخ البير لحام

نشوء الحركة

في هذا اليوم تعيد الكنيسة لكلمة الله التي صارت منذ ألف وتسعماية وخمسين سنة إلى فتاة عذراء تبشرها بأنها ستحمل المسيح إلى العالم، وبالمسيح الرجاء والخلاص.وفي هذا اليوم عينه تعيد حركة الشبيبة الأرثوذكسية لكلمة الله التي صارت إلى شباب هذه الكنيسة منذ أربع عشرة سنة لدعوتهم – كما دعت قبلهم الأجيال كافة – إلى حمل المسيح، وبالمسيح الرجاء والخلاص إلى العالم عامة وإلى الطائفة خاصة.

كان هؤلاء الشباب يؤمنون بالمسيح وبالكنيسة. يؤمنون بأن حياتهم وحياة كل إنسان لا تأخذ معناها الحقيقي الكامل إلا في يسوع المسيح وفي الكنيسة التي تكمل المسيح في العالم. ولذلك كانت حركتهم وليدة هذا الانضواء التام تحت راية المسيح في الكنيسة.

ولكنهم في الوقت نفسه، ولأنهم كانوا يقبلون المسيح سيداً لحياتهم ولحياة إخوانهم في الكنيسة، كانوا يشعرون بألم عظيم يجز في نفوسهم إذ يرون بُعدهم وبعد إخوانهم عن الرب بسبب الخطيئة الفاعلة فيهم وإذ يقيسون بعض مؤسسات الكنيسة عن إتمام رسالة المسيح.

إنهم يعرفون بالإيمان أن يسوع أعطى دمه على الصليب حتى “يهيئ لنفسه كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا دنس”. ولكنهم يرون الواقع المر الذي لا مفر من الإقرار به، وهو أن الكنيسة في معظم أعضائها ومؤسساتها – بدلاً من أن تقدم للناس شهادة تقودهم إلى الخلاص، قد أصبحت مثاراً للشكوك والعثرات.

لم يحاولوا التهرب من هذا الواقع، لأن كلمة الله التي بها يتمسكون هي كلمة ملزمة، متجسدة في عالم الشرور والعثرات، ولذلك رأوا أنفسهم مطروحين بفعل إيمانهم وبمنطق هذا الإيمان، في صميم معركة جبارة، يصارعون قوى الشر والفساد في نفوسهم وفي بيئتهم وفي المؤسسات الطائفية حتى تسود في الجميع إرادة الرب يسوع وحتى تكتمل في الجميع صورته ويتحقق عمله المقدس: وهم يخوضون هذه المعركة على حسب ما أعطوا من نعمة وقوة ومعرفة، منذ أربع عشرة سنة.

 

تحديد نطاق العمل الكنسي

وإذا كان هذا هو دافع أسباب الحركة إلى العمل الكنسي، فلا غرو أن تكون أهداف هذا العمل في نظرهم أوسع بكثير من الأهداف التي عمل لأجلها الكثيرون قبلهم، فالعمل الكنسي كما فهمته الحركة على ضوء الإيمان الأرثوذكسي لا ينحصر في القضاء على ما يرتكب في الكنيسة من مخالفات قانونية وأعمال تقع تحت طائلة النواميس الأخلاقية، ولا ينحصر بالتالي: في سن القوانين الإدارية وتنفيذها بل يتعدى هذا النطاق إلى دفع الأفراد والجماعة والمؤسسات في الكنيسة لحمل رسالة المسيح بنقاوة وقوة وصفاء، والقضاء على كل ما يحول دون ذلك، أي أن العمل الكنسي الإصلاحي يتناول في مفهومنا محاربة الجهل الديني والخطيئة والهرطقة والتحجر في العبادة الشكلية والجمود الفكري والروح الحزبية والروح الاستغلالية المصلحية والمفهوم الطائفي السياسي للكنيسة وسيطرة الوجاهة غير المؤيدة بالإيمان والعبث بالقوانين الكنسية والأخلاقية إلى جانب نشر الكلمة الإلهية وإنارة العقول والقلوب بها وإدماج الفرد والجماعة بصورة واعية في تيار النعمة بالأسرار المقدسة وبعث التقليد الكنسي الأصيل والمساهمة في التراث الإنساني وفي تطويره وتنصيره وتجسيد محبة المسيح في شتى النواحي بالمؤسسات المختلفة وذلك كله إلى جانب ما يعتني به البعض من إيجاد أنظمة إدارية جديدة وتطبيقها بروح الأمانة والمحبة والإخلاص.

على هذا المستوى العميق الشامل فهمت الحركة العمل الكنسي وحاولت أن تدعو الناس إليه وأن تساهم به ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

 

تحديد المسؤوليات:

فقد قامت الحركة بادئ ذي بدء بمصارحة أبناء الكنيسة بواقع الانحطاط وقالت لهم إنها ترى في الأوضاع الحالية أوضاعًا شاذة لأنها لا تقوم بما يطلبه منها المسيح. وأعلنت أن المسؤولية لا تقع على بعض أبناء الكنيسة دون البعض الآخر، وان كانت تقع على الجميع بدرجات متفاوتة، وأوضحت أن مجال العمل مفتوح أمام كل مؤمن وأنذرت بغضب الله على آثام الناس جميعًا.

 

الحركة في حقل العمل الروحي

ولم تكتف الحركة بهذا الإنذار وتلك الشهادة. لكنها سعت جهدها لتحطيم الانحطاط في أكبر عدد ممكن من الناس وفي ما تسنى لها من مؤسسات الكنيسة.

أ- في صفوف الشباب

لقد اتصلت الحركة لهذا الغرض بعدة ألوف من الشباب في سوريا ولبنان انخرطوا في صفوفها وألفوا جيشاً جباراً للعمل الأرثوذكسي، واعدتهم في حلقات أسبوعية للدرس، وفي الصلاة وحياة الشركة، إلى قبول فعل الروح القدس والاشتراك المليء في حياة الكنيسة وأسرارها، والعمل بانسجام مع بعضهم البعض في خدمة المسيح. ودفعتهم في حقل العمل الكنسي عناصر واعية لإيمانها، واعية لمسؤولياتها واعية لرسالتها.

ب- في النشء الجديد

وأعادت الحركة تأسيس المدارس الأحدية في هذه الكنيسة ووضعت لها برنامجاًَ يتفق وعقلية الطفل. كما أعدت دروساً خاصة للمعلمين وأصدرت نشرات تربوية لمساعدتهم على القيام بواجباتهم. وقد قررنا في مطلع السنة المدرسية الحالية أن نعرض على المدارس الأرثوذكسية في بيروت وطرابلس واللاذقية، تأمين ساعة التعليم الديني في هذه المدارس. وقد وافقت إدارتها على ذلك حتى أصبح عدد الأولاد الذين نعنى بإعطائهم التربية الدينية في المدارس الأحدية والمدارس الأرثوذكسية ثلاثة آلاف تلميذ. وبالإضافة إلى ذلك ساهمت الحركة في تأمين التعليم الديني للأرثوذكسيين من تلاميذ المدارس الحكومية. وهي تعمل الآن على توسيع نطاق عملها في سائر البيئات الطلابية من ثانوية وجامعية لتكسب الشباب المثقف إلى قضية النهضة الأرثوذكسية. وقد أصدر طلاب الحركة في بيروت وطرابلس واللاذقية نشرات خاصة يقومون بتحريرها مساهمين بقسطهم من العمل الكنسي.

ج- في أوساط الشعب

وأحيت الحركة الوعظ في الكنيسة وقام أعضاؤها من اكليركيين وعلمانيين بتنظيم اجتماعات الصلاة والوعظ في البيوت والكنائس ببركة رعاة الأبرشيات وبمعاونة الجوقات الدينية التي أنشأتها والتي يتعلم فيها عشرات الشباب أصول الترتيل البيزنطي. وفي بيروت الآن أربع جوقات تحت التدريب سوف تلعب دورها في العمل التبشيري. واهتمت الحركة بإصدار النشرات الدينية في المناسبات والأعياد إلى جانب مجلتها “النور” التي تحمل إلى القراء الثقافة الأرثوذكسية الأصيلة، والدروس العلمية الرصينة في مناهج الإصلاح ومختلف نواحي العمل الإصلاحي. وأعارت الحركة القرى الأرثوذكسية اهتمامها فقامت بزيارات لعدد كبير منها وتألفت في بعضها فروع حركية نشيطة مثل فرعي بتغرين ووادي شحرور يجوب أعضاؤها وجوقاتها القرى المجاورة لإذكاء الروح الدينية فيها، ولم يكن بوسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الحركات التبشيرية التي تقوم بها الشيع في بيروت نفسها وفي القرى السورية واللبنانية. ففي بيروت قررت فرقة المصيطبة أن تزور بيوت المحلة بصورة منتظمة لوقف حملات التبشير ولدعوة المؤمنين إلى الاشتراك في حياة الكنيسة. كما أن العائلات في بعض أحياء بيروت تنادت لإيجاد حلقات عائلية خاصة للدراسة والصلاة المشتركة، بينما تألفت في طرابلس واللاذقية فرق للمتزوجين والمتزوجات من الرجال والنساء.

د- في المؤسسات الطائفية

وقدمت الحركة لبعض الجمعيات الخيرية والمدارس الأرثوذكسية نخبة من الشباب الواعي لرسالة هذه المؤسسات ويكفي أن اذكر هنا العمل العظيم الذي يقوم به في بيروت مديرا كليتي البشارة ومار الياس بطينا قدس الأرشمندريت اغناطيوس هزيم والأستاذ حليم نهرا في خدمة الناشئة الجديدة.

هـ- في الرهبنات

وكان من الطبيعي أن يؤدي نشاط الحركة هذا إلى إحياء الدعوات الرهبانية والإكليريكية عند أعضائها. وقد بدأت الكنيسة المقدسة تجني ثمار جهاد أبنائها في هذا المضمار إذ أن النواة لرهبنة نسائية قد وجدت منذ مدة والأخوات المنتميات إلى هذه الرهبنة من الآن في طور الاستعداد لقبول الثوب الرهباني وهن يطلبن صلوات المؤمنين جميعاً حتى لا يظهرن غير مستحقات لدعوتهن السامية.

و- في الحقل الأرثوذكسي العالمي

أخيراً اتصلت الحركة بسائر حركات الشبيبة الأرثوذكسية في العالم وساهمت في إنشاء رابطة حركات الشبيبة الأرثوذكسية (سيندسموس) التي ستعقد أول مؤتمر أرثوذكسي عالمي للشباب في جزيرة باتموس في الصيف المقبل.

 

الحركة وإصلاح الأوضاع

ولم تقف مساهمة الحركة في العمل الكنسي عند إحياء النهضة الروحية والثقافية في جميع طبقات الشعب الحسن العبادة، بل عملت أيضًا في حقل إصلاح المؤسسات والأوضاع في الكنيسة، ولم تقتصر مساهمتها في هذا الحقل على المطالبة بإنشاء ما تحتاج إليه الكنيسة من مؤسسات في سبيل إتمام رسالتها بل تعدتها إلى رسم نهج واضح لسير هذه المؤسسات نحو النجاح وإلى تخطيط الأوضاع الجديدة المرتجاة بالاستناد إلى التقليد الأرثوذكسي الأصيل.

فالحركة شديدة الحرص على أن يرافق نقدها للأوضاع التي تراها غير مناسبة، تبيانٌ لكيفية إقامة صرح مناسب مقامها. وهي مستعدة دائماً أن تساهم في البناء الجديد. أجل أن الحركة تعرف أنها لا تستطيع الآن أن تعمل على إقامة الوضع الجديد دفعةً واحدة ولكن ذلك لا يمنعها من وضع الخطوط اللازمة لتوضيح معالم النهضة الصحيحة ولعرضها على المخلصين لدرسها ومناقشتها ولتتعاون وإياهم على تحقيقها عند الاقتضاء.

لقد طالب الكثيرون- مثلاً – بإنشاء الرهبنات. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل وضعت دراسات في ماهية الرهبنة حسب التقليد الأرثوذكسي وحاجات الكنيسة وأعطت الكنيسة راهبات وربما أعطتها رهباناً عما قريب وساعدت ما استطاعت بعض الرهبنات القائمة.

وقد طالب الكثيرون بالمدارس الإكليريكية. أما الحركة فلم تكتف بذلك بل طالبت بإيجاد معهد عالٍ للاهوت ونجحت في إدخال هذا الطلب إلى صلب القانون الأساسي للبطريركية وبإيجاد مدرسة رعائية للكهنة المتزوجين ووضعت ونشرت دراسات في تنظيم العلوم الإكليريكية ومناهجها وفق حاجات الكنيسة الإنطاكية وساهم بعض أعضاء الحركة مدة من الزمن في التعليم بمدرسة البلمند الإكليريكية إلا أن المسؤولين رأوا دعوتهم إلى مناصب أخرى.

وقد طالب الكثيرون باكليروس واعٍ لمسؤولياته. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل بينت في دراسات نشرتها أسس نظام الرعية وأهمية التقيد به في الكنيسة وضرورة إيجاد ملاك اكليريكي ومحاربة السيمونية. كما أنها أعطت الكنيسة بعض الكهنة من الحركيين وأفسحت مجالاً لبعض الكهنة لتحقيق رسالتهم المقدسة في صفوف الحركة.

وطالب الكثيرون بالحدّ من الطلاق في المحاكم الروحية. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل نشرت نصوص الآباء والكتاب المقدس التي تحرم فتح باب الطلاق وأصدرت في ذكرى عيدها العاشر رسالة من الأمانة العامة إلى الشعب الأرثوذكسي تدعوه فيها إلى محاربة الطلاق ومشجعيه.

وطالب الكثيرون بتعزيز المدارس الأرثوذكسية. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل واجهت في أبحاث رصينة قضية حرية الثقافة في المدرسة الأرثوذكسية وساهم أعضاؤها في إدارة عدة مدارس أرثوذكسية والتعليم فيها – ومنهم المجازون في التربية والعلوم والآداب – وفي الإشراف عليها في مجالس العمد.

وطالب الكثيرون بتعميم التعليم الديني. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل وضعت برامج للتعليم الديني بعد درس عميق للطرق الحديثة وبالاستناد إلى خبرتها في هذه البلاد كما أن أحد أعضائها قد طبع كتبًا للتعليم الديني وسوف تطبع هي عما قريب بإذن الله كتباً لأساتذة التعليم الديني.

وطالب الكثيرون بتحديد موقف كنيستنا من الدولة بصراحة وبملاحقة حقوق الطائفة. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة منقادة بدافع العاطفة والأنانية الطائفية بل أوضحت علاقة الكنيسة بالدولة على ضوء الإيمان المسيحي ونشرت دراسات قيمة لبعض كبار اللاهوتيين في هذا الموضوع ورفعت صوتها تشجب الطائفية وكانت في طليعة المجاهدين في هذا المضمار.

وطالب البعض بنشر الكتب والمجلات الأرثوذكسية. أما الحركة فلم تكتف بالمطالبة بل أعدت مشروع “دار النشر” الأرثوذكسية ولديها الآن عدة كتب دينية عن العقائد والدعوة الكهنوتية وسر الشكر جاهزة للطبع ستنشر عندما تؤسس دار النشر المذكورة.

وبوجه الإجمال، ان مساهمة الحركة في عمل إصلاح الأوضاع الكنسية الشاذة لا تقل عن مساهمة سواها في هذا العمل. وهي الآن مستعدة لأن تقدم للمجالس الملية وللمجلس الملي العام لدى تأليفها سلسلة من المشاريع الإصلاحية المدروسة.

 

الحركة وإصلاح الأنظمة الإدارية.

بقي أنه أُخذ علينا أحياناً أننا لم نهتم بمحاربة سوء الإدارة في الأوقاف وبمهاجمة المسؤولين عن الفوضى وعدم التقيد بالأنظمة الإدارية.

فاسمحوا لي أن أقول كلمة في هذا الموضوع:

أولاً: أكرر ما قاله أحد الأخوة من أنه لا يسعنا أن نقوم دفعة واحدة بجميع الأعمال. ولا بد اذن من تقديم عمل على عمل والحياة هي التي تفرض علينا تقديم عمل على آخر بالنسبة لأهميته وضرورته. والواقع هو أننا وجدنا أناساً كثيرين يهتمون بالناحية الإدارية بينما لم نجد إلا القليلين يهتمون بالناحية الأهم ألا وهي مصير أعضاء هذه الكنيسة. فآثرنا إنقاذ النفوس أو بعضها لنجندها في حقل الخدمة تاركين لغيرنا أن يسعى للمحافظة على الثروة المادية.

ثانياً: ربما قيل أنه كان بوسعنا أن نمد يد المعونة للعاملين في حقل التنظيم ومحاربة الفساد في الإدارات. ولكن بالإضافة إلى الضرورات العملية التي أشرت إليها كان عندنا دائمًا بعض التحفظات المبدئية على الطرق التي يستعملها بعض هؤلاء. فالغاية في نظرنا لا تبرر الوسيلة والرغبة في نجاح سريع لا تبرر الخروج عن المحبة والاتزان. فضلاً عن ذلك فان جميع العاملين في الحقل الإصلاحي الإداري قد أهملوا الاهتمام بالضرورة الأولى أي الحياة الروحية واعتبرها بعضهم ملهاة عن النضال الكنسي الأساسي. وان مأخذنا الأخوي على هؤلاء من هذه الناحية هو – على ما أعتقد – أخطر بكثير من مأخذهم علينا. لأنه لولا العمل الروحي الأساسي الذي تقوم به الحركة لأصبح هم الطائفة بعد تنظيم أموالها البحث في تعيين ناطور لدير أو في بيع قطعة من وقف أو إصلاح حائط مدرسة.

ثالثاً: ومع ذلك لم تتأخر الحركة عن المساهمة في عمل الإصلاح الإداري كلما استطاعت القيام في هذا الحقل بعمل ايجابي. فقد فوضت أحد أعضائها بتمثيلها في الوفد الذي قام في سنة 1950 للمطالبة بإنشاء مجلس ملي أرثوذكسي في بيروت منتخب شعبياً وكان لهذا العضو الشرف في أن يكون أحد ثلاثة أشخاص من طالبت العرائض بتكليفهم لوضع نظام جديد للمجالس الملية.

وأوضحت الحركة موقفها بصراحة من قضية بيع كلية الثلاثة الأقمار في الاجتماع الذي عقد لهذه الغاية في دار المطرانية في الصيف الماضي.

الحركة والمؤتمر الأرثوذكسي

وبرهنت الحركة في المؤتمر الأرثوذكسي أنها لم تكن أقل تحمساً من سواها في المطالبة بمجالس ملية منتخبة شعبياً وباشتراك العنصر النسائي وبمجلس ملي عام وبتنظيم الأوقاف والصندوق الملي. وأما الملاحظات التي تقدمنا بها فكانت تتعلق بنصوص تتعدى نطاق التنظيم إلى النطاق العقائدي وأما المشاريع المعدلة التي قدمتها فكانت نتيجة دراسة تنم عن مدى اهتمام الحركة بمواضيع المؤتمر.

وبمناسبة المؤتمر أود أن أوضح ما يلي: إن الحركة لا تعتبر المؤتمر نجاحاً لفئة دون فئة بل تعتبره نجاحاً للكنيسة نفسها بمقدار ما تتفق نصوص القوانين التي أقرت مع التقليد الأرثوذكسي الأصيل. والحركة تسجل بكثير من الارتياح والأمل هذه الخطوة التي اتاحت لبعض أفراد الكنيسة من الاجتماع لمناقشة أمور إدارية هامة ولمبادلة الرأي في كل ما يهم الإصلاح الطائفي. والحركة ترى انه يجب أن تستغل نتائج المؤتمر وعي أرثوذكسي في صفوف الشعب بحيث يشعر كل أرثوذكسي أنه مسؤول شخصياً، ليس فقط عن حسن إدارة شؤون الكنيسة بل وعن مصير الرسالة المسلمة إليها أيضًا.

البرنامج الإصلاحي المباشر

ولما كان يجب توجيه هذا الوعي الشعبي وتركيزه حول فكرة أساسية تلتف حولها جهود جميع المؤمنين وينبثق منها عمل آني لخدمة الكنيسة المقدسة وإصلاح مؤسساتها، لذلك فان الحركة تقترح أن يوافق جميع الأرثوذكسيين على هذه الفكرة هي أن العمل الكنسي لن يكون مثمراً ما لم يبن على أساسين:

  • ما يجعل الإنسان أداة مستعدة لقبول الروح القدس. يعمل منسجماً مع بقية المؤمنين شخصياً وفي المؤسسات لبنيان جسد المسيح.
  • ما يضع مؤسسات الكنيسة كافة في خدمة رسالة المسيح.

وبالتالي تقترح الحركة أن يتعاهد الأرثوذكسيون، تحقيقاً لهذه الفكرة، على تنفيذ البرنامج الآتي في الوقت الحاضر:

أولاً: تنفيذ قرارات المؤتمر الأرثوذكسي

  • بتأليف المجالس الملية المنتخبة انتخاباً شعبياً حراً. وأن يكون الانتخاب في بيروت على أساس الدائرة وأن تجري محاولة جدية لتوحيد القوائم في مختلف المناطق باختيار المؤمنين ذوي الخبرة والمعرفة.
  • بتأليف المجلس الملي العام.
  • بإنشاء الصندوق الملي العام.
  • بضبط واردات الأوقاف وتنميتها وتطبيق القوانين الخاصة بها.
  • بالسعي لإيجاد معهد اللاهوت والمعهد الرعائي للكهنة.
  • بتطبيق قرارات المؤتمر بشأن الأوسمة.

ثانياً: ايجاد نظام جديد للمحاكم الروحية، يقوم على تعيين قضاة علمانيين ممتهنين إلى جانب اكليريكيين أكفاء وتعيين قاضٍ كمدع عام لدى كل محكمة يقدم مطالعته القانونية قبل الحكم ويراقب سير أصول المحاكمات وله حق استئناف الأحكام الصادرة تواطؤا عل القانون.

ثالثاً: إنشاء دار الكتاب الأرثوذكسي لنشر سائر الكتب التي تحتاج إليها الكنيسة في عملها التربوي والديني وفقاً لبرنامج مدروس.

رابعاً: تعزيز المدارس الأرثوذكسية وتشجيعها وتنظيم شؤون التعليم الديني والمدارس الأحدية.

خامساً: تخصيص كل كاهن برعية وبمرتب ثابت كاف والسهر على حسن اختيار الكهنة ومراعاة القوانين المقدسة في سيامتهم.

سادساً: تنسيق ودعم جهود الجمعيات الأرثوذكسية العاملة.

سابعاً: تنظيم الوعظ والإرشاد بتعيين وعاظ وتأليف اللجنة المشرفة على الوعظ لدى المجمع المقدس وعقد اجتماعات دورية لهذا الغرض للكهنة وفقاً لما جاء في قرارات المؤتمر الأرثوذكسي.

ثامناً: تشجيع قيام الرهبنات في الكنيسة.

تاسعاً: استنكار الطائفية ومحاربة تغلغل روحها في الدوائر الحكومية.

جبهة الميثاق الإصلاحي:

وإلى جانب ذلك تدعو جميع المؤمنين الموافقين على هذا البرنامج أن يتحدوا في جبهة واسعة وأن يؤلفوا اللجان الفرعية التي تضم ذوي الاختصاص لتقوم بدرس المشاريع الواردة وتقديمها للمراجع الصالحة وملاحقة تنفيذها من قبل المسؤولين، يؤيدها في عملها جميع أعضاء الجبهة.

وتدعو جميع المنضمين إلى هذه الجبهة:

– إلى التعهد بمحاربة الجهل الديني في عائلاتهم وبيئاتهم بتأسيس حلقات عائلية للبحث في الكتاب المقدس والعقائد والطقوس والأسرار

– وإلى التعهد بالتغلب على الفتور الروحي في دواخلهم، بالذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد وبترك الأعذار المألوفة الواهية وبالاشتراك في أسرار الكنيسة بإيمان وورع.

– وإلى التعهد بتقوية مدارسنا الأرثوذكسية وبإرسال أولادهم إليها وإلى المدارس الأحدية.

– وإلى التعهد بعدم استقبال أصحاب الشيع والهرطقات في بيوتهم.

– وإلى التعهد بتنشيط الحركات الروحية في منطقتهم ومؤازرة الحركة في العمل التربوي والتبشيري الذي تقوم به.

أيها السادة، أن مثل هذه الجبهة إذا ما قامت في الكنيسة وإذا ما تمسك أعضاؤها بما تعهدوا به من موجبات على أنفسهم وعملوا بإخلاص لتنفيذ البرنامج الذي تبنوه فيها، لهي كفيلة وحدها أن تجمع صفوف المؤمنين في وحدة متينة تتغلب على ضعفنا الحاضر بنعمة الرب وبأن تعطي بغزارة ثمار النهضة المشتهاة.

فإنه إذا كنا نفكر بنهضة صحيحة في هذه الكنيسة علينا ألا نكتفي بالمناداة بها وبإلقاء عبء تحقيقها على الآخرين.

أن لنا أن نعلم أنه لن تقوم في هذه الكنيسة أية نهضة وأن اتفقت كلمتنا على برنامج نلاحق تنفيذه، أن لم يتعهد كل أرثوذكسي شخصياً بالعودة فوراً إلى المسيح والكنيسة سواء أنفذ هذا البرنامج بمدة قريبة أو لم ينفذ لأن بهذا يسر الله الذي يهب الخلاص لشعبه.

 

مجلة النور تاريخ 1/5/1956 ص 314-322

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share