* الجزء الثالث من المحاضرة التي أُلقيَت في معهد اللاهوتيّ البروتستانتيّ في جامعة جنيف
اكتمل ردّ الفعل الأرثوذكسيّ في نصّ التصريح الصادر عن المؤتمر الأرثوذكسيّ العالميّ الذي انعقد في شامبيزي في شهر أيلول 1991 حول العلاقات بين الأرثوذكس ومجلس الكنائس العالميّ. ويرد في البند 17 ما يلي:
17- من المشاكل التي يصادفها الأرثوذكس في المجلس:
“الالتزام بالحوار بين الكنائس بـهدف تحقيق وحدة المسيحيّين يمكنه ويجب عليه أن يتّسع ليشمل الحوار مع الأديان الأخرى. للأرثوذكس خبرة طويلة وحيّة مع مؤمني الديانات الأخرى. فاحترام الآخرين ومعتقداتـهم الصادقة يدعو إلى بذل جهود متنامية بـهدف بناء علاقات سلميّة يسودها التفاهم، وبـهدف التعاون في مجالات الاهتمامات المشتركة حيث أمكن وإن كان مناسبًا. ولكن هذا لا يمكن أن يعني أن تخون الكنائس المسيحيّة، من خلال دوائر المجلس، التزامها المسيحيّ الأساس أو تعرّضه للخطر. فالأرثوذكس يعتقدون أنّ أيّ تعديل تلفيقيّ لعمل المجلس هو عمل غير ملائم ويتعارض مع التأكيدات المحوريّة وأهداف العمل المسكونيّ. ونوافق بشكل خاصّ على الممارسة الحديثة العهد المتمثّلة بدعوة ممثّلي الأديان الأخرى إلى حضور الاجتماعات العمومية والمشاركة بغيرها من نشاطات المجلس، ما دامت لا تتمّ دعوتـهم إلى الاشتراك في لجان الصياغة التي تعمل على تحضير الوثائق التي تصدر عن المجلس. فالحوار مع الأديان الأخرى يجب ألاّ يهدّد هويّة المجلس من حيث هو مجلس للكنائس المسيحيّة يُعنى بالحوار بين المسيحيّين ومؤمني الديانات الأخرى”.
ويعود الأرثوذكس إلى قضيّة مجلس الكنائس والتعدّية الدينيّة في تقرير حلقة شامبيزي الاستشاريّة (1995) حول “رؤية الأرثوذكس للمجلس وفهمهم دوره”. ومن جملة المصاعب اللاهوتيّة التي يواجهها الأرثوذكس ويعانونـها في المجلس نقرأ:
23- الصعوبات اللاهوتيّة:
ه: بيّنت الكنائس الأرثوذكسيّة عن انفتاح حقيقيّ على الأديان الأخرى. وهي مقتنعة أنّ التلاقي مع هذه الديانات ضروريّ من أجل تشجيع الاحترام المتبادل والتعاون في خدمة الإنسان وبناء السلام. ومع تأكيدنا على معنى الشهادة للمسيح، فإنّنا ندخل حوارًا مع الأديان الأخرى من دون الوقوع في التلفيقيّة، وإنّما نفعل ذلك بـهدف الفهم المتبادل وإدراكًا منّا أنّنا نقوم بذلك من أجل السلام الذي دعانا إليه الله (1 كورنثوس 7: 15).
يوضّح الأب جورج (تسيتسيس) – ممثّل البطريركيّة المسكونيّة – الموقف الأرثوذكسيّ بخصوص حدود الحوار مع الأديان الأخرى في وثيقة بعنوان “ردود فعل حول الوثيقة المتعلّقة بمستقبل المجلس”، ويقول فيها: “كلّ محاولة واعية أو غير واعية تـهدف إلى تنسيب relativiser وحدانيّة الإنجيل والتقليل من حسّ تجسّد ابن الله وتعيد النظر في مسألة خلاص العالم بيسوع المسيح مرفوضة قطعًا”.
13- بـهذه الروحيّة شارك الأرثوذكس وما زالوا في الحوار بين الأديان الذي يخوضه مجلس الكنائس العالميّ. وهم ممثّلون في مكاتب المجلس التي تعنى بالحوار بين الأديان، وقد استفادوا من هذه المكاتب لتنظيم مؤتمر جمع الكنيسة الروسيّة برؤساء الطوائف الإسلامية في خمس من جمهوريّات آسيا الوسطى في تشرين الأوّل 1995 في طشقند حمل عنوان “العيش معًا تحت سماء واحدة”. غير أن الأرثوذكس يخوضون الحوار بشكل خاصّ في مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يحوي ممثّلين عن كلّ الطوائف المسيحيّة الموجودة في الشرق الأوسط؛ علمًا أنّ الحوار مع المسلمين هو من أهمّ الأمور التي تشغل المجلس المذكور، أي حوار الحياة والعدالة والسلام والخدمة.
منذ العام 1976، كان للمؤتمر الأرثوذكسيّ العامّ، المهتمّ بالتحضير للمجتمع الكبير المقدّس الذي سيضمّ الكنائس الأرثوذكسيّة كلّها، رأي بخصوص مشاركة الأرثوذكس في حوار مع أديان العالم المختلفة مفاده:
“إنّ المؤتمر إذ يعبّر عن رغبة الكنيسة الأرثوذكسيّة للتعاون والوفاق بين مختلف أديان العالم من أجل القضاء على التطرّف الدينيّ لدى جميع الجهات والتوصّل إلى مصالحة الشعوب والحفاظ على السلام والحريّة في العالم بدون أيّ تمييز عرقيّ أو دينيّ، أعلن أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة ستعمل مع الأديان غير المسيحيّة من أجل تحقيق هذا الهدف”.
في هذا الاتّجاه يجب فهم الوثيقة الصادرة عن المؤتمر الأرثوذكسيّ الثالث للإعداد للمجمع الكبير المقدّس في العام 1986 حول “مساهمة الكنائس الأرثوذكسيّة في إحقاق السلام والحرّيّة والأخوّة (الإخاء) والمحبّة بين الشعوب والقضاء على أنواع التمييز العنصريّ (أنظر النصّ الذي نشرته الأمانة العامّة المهتمّة بالتحضير للمجمع الكبير المقدّس، ص 226-247).
الكنائس الأرثوذكسيّة مهتمّة حاليًّا بحوارات دينيّة متعدّدة هي:
- الحوار الدينيّ والروحيّ مع الإسلام، ولاسيّما في لبنان حيث تسمح تركيبة البلد الديموغرافيّة والنظام السياسيّ اللبيراليّ والديمقراطيّ بقيام حوار أكثر صراحة وتوازنًا بين الديانتين. وستكون لنا عودة إلى ذلك.
- حوار الحياة المشتركة في المجتمع: يخوضه الأرثوذكس الذين يعيشون في بلدان متعدّدة وسط مجتمع يحوي الكثير من مؤمني الديانات الأخرى.
- حوار المحبّة (وهي عبارة كان يستخدمها المثلّث الرحمة البطريرك أثيناغوراس) مع الإسلام واليهوديّة، من أجل زيادة الفهم المتبادل.
- حوار بين الأديان لتحقيق السلام والعدالة.
14- هكذا، وبمبادرة من البطريركيّة المسكونيّة، أُطلق حوار بين الأرثوذكسيّة والإسلام منذ العام 1986 نظّمه كلّ من المركز الأرثوذكسيّ التابع للبطريركيّة المسكونيّة في شامبيزي والمعهد الملكيّ لدراسة الحضارة الإسلاميّة (مؤسّسة آل البيت) في الأردن الذي يعمل تحت رعاية الأمير حسن.
نُظّمت تسعة مؤتمرات في الفترة الممتدّة بين 1986 و1998 من أهمّ عناوينها:
شامبيزي 1986: السلطة والدين
عمّـان 1987: نماذج العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين عبر التاريخ – رؤية مستقبليّة – المثل العليا الإنسانيّة المشتركة
شامبيزي 1988: السلام والعدالة في تقليد الديانتين الموحّدتين
استانبول 1989: التعدّدية الدينيّة
عمّان 1993: الشباب وقيم الاعتدال في المسيحيّة والإسلام
أثينا 1994: التربية على الفهم المتبادل والتعاون
عمّان 1996: النظام التربويّ في الإسلام والمسيحيّة
استانبول 1997: اتّجاهات التعاون بين المسيحيّين والمسلمين على عتبة الألف الثالث
عمّان 1998: المسلمون والمسيحيّون في المجتمع المعاصر: صورة الآخر ومعنى المواطنة.
وُصف هذا الحوار بالأكاديميّ إذ لم يكن هدفه الهداية أو التبشير. وقد صرّح الأمير حسن أنّه “يجب التعاطي مع الأشخاص كما هم وكما يريدون أن يكونوا في توافق وانسجام مع المبدأ الإسلاميّ القائل: “لكم دينكم ولي ديني”. وأضاف: “لكن هذا ليس نوعًا من التمرّس بفنّ المجادلة. فهدف الحوار هو أوّلاً تعلّم كلّ شيء وفهمه، ويمكنه أن يقود إلى زيادة قيمة مشروع محدّد أو مشكلة تتعلّق بالمصلحة المشتركة أو بمواجهة التهديدات التي تعرّض للخطر كلّ قيمنا وتراثنا”.
وكانت المؤتمرات تتلقّى الرسائل التشجيعيّة من البطاركة المسكونيّين وكان المطران داماسكينوس في سويسرا، بمقدّماته الافتتاحية وخطاباته الختاميّة، يلقي الضوء على المسائل الشائكة ويبيّن خلاصة الأعمال.
ففي افتتاح مؤتمر استانبول للعام 1997 صرّح سيادته قائلاً:
“مرّة أخرى استطعنا أن نلاحظ أنّ الطريقة الفضلى لإجراء الحوار تقوم على الاعتراف بغنى التعدّديّة (تعدّد الأصوات) الدينيّة. وفي هذه المرحلة، فإنّ الإصغاء إلى الآخر يدعونا إلى التعاون الحيويّ والأصيل معه”.
15- أمّا هدف الحوار بين الأرثوذكسيّة واليهوديّة فكان مختلفًا تمامًا وقد نعت هو أيضًا بالأكاديميّ. فبالفعل، ارتكز هذا الحوار على استعادة حوار يبن الديانتَيْن كان قد توقّف منذ قرون، بخلاف التاريخ الطويل الذي شهدته العلاقات المسيحيّة – الإسلاميّة. لقد قام المركز الأرثوذكسيّ التابع لبطريركيّة المسكونيّة في شامبيزي واللجنة اليهوديّة للمشاورات العالميّة التابعة للمؤتمر اليهوديّ العالميّ بتنظيم هذا الحوار: وقد انعقدت أربعة مؤتمرات بين 1997، 1998 حول المواضيع التالية: “مفهوم الشريعة في العهدَين القديم والجديد” – “التقليد ومفهوم الجماعة” – “الاستمراريّة والتجدّد” – “لقاء الأرثوذكسيّة واليهوديّة مع الحداثة”.
وكما نرى، فالأمر يتعلّق بحوار دينيّ صرف يهدف إلى فهم معنى أسفار العهد القديم المشتركة وطريقة تفسيرها وعيشها من قبل الديانتين في تفكيرهما اللاهوتيّ وفي ممارستهما الطقسيّة وتاريخهما. غير أنّ هذا الحوار كان أيضًا حوار سلام يسعى إلى التوفيق بين الإدّعاءات الحصريّة التي تطلقها كلا الديانتين مع ضرورة التخلّص من التطرّف والتمييز على أساس الدين.
16- في إطار الاهتمام بالعمل من أجل تحقيق السلام في العالم عبر الحوار بين الأديان التوحيديّة، أقامت البطريركيّة المسكونيّة اجتماعات عدّة بين الأديان شارك فيها المسيحيّون واليهود والمسلمون وقد أدّت هذه الاجتماعات إلى صدور إعلان البوسفور في العام 1994 وإعلان بروكسل في كانون الأوّل 2001. والجدير بالذكر أنّ غبطة البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل والسيّد رومانو برودي، رئيس اللجنة الأوروبيّة، قد نظّما لقاء بروكسل حول موضوع “سلام الربّ في العالم: نحو التعايش السلميّ والتعاون بين الأديان التوحيديّة الثلاثة”.
17- إنّ الحوار الدينيّ بين المسيحيّة الأرثوكسيّة والإسلام لهمّ أساس في فكر الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة وحياتـها، لاسيّما في لبنان. وهذا الحوار يتمّ في مجالات المعرفة والحياة الدينيّة كافّة والبحث من أجل التوصّل إلى مجتمع أكثر عدلاً يشترك فيه اللبنانيّون جميعهم بدون أيّ تمييز على أساس الطائفة أو الدين. يقول غبطة البطريرك أغناطيوس الرابع: “أعتقد أن الله يريد أن يكون لبنان موجودًا وأن يكون، كما هو الآن، مكان لقاء بين الأفكار والآراء والديانات المتنوّعة، لاسيّما أنّه البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي تتحاور فيه هذه الأفكار والآراء واللقاءات من أجل خير الجميع”.
ويعلم الأرثوذكس الأنطاكيّون أنّ المسيحيّين قد عاشوا مدّة أربعة عشر قرنًا في المجتمع الإسلاميّ، في جوّ من التسامح الدينيّ الذي همّشهم بوصفهم ذمّيّين أي أنّـهم في حماية الأمّة الإسلاميّة، وكانوا تاليًا يتمتّعون بحرّيّة دينيّة واسعة إذ إنّ القرآن والشريعة يعترفان بـهذه الحرّيّة ويحدّدانـها. فهم يدركون أنّ العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين في تاريخ الشرق الأوسط لطالما كان أعمق مـمّا وصفته نصوص الفقهاء المسلمين، ويعلمون أنّ كتابات بعض الفقهاء المسلمين تصف بالتفصيل أفعال التمييز التي يخضع لها المسيحيّون في المجتمع المسلم وأنّه في بعض الحقب التاريخيّة، طُبِّقت هذه النصوص برضى الخلفاء أو إرضاءً لشكوك المسلمين المشروعة أحيانًا حيال المسيحيّين. لكن أعمال التمييز هذه أو عمليّات الإضطهاد التي مورست بحقّ المسيحيّين (أعلنت الكنيسة الأرثوذكسيّة قداسة بعض الشهداء الجدد في بلاد عديدة ومنهم الأب يوسف الدمشقيّ الذي استشهد في العام 1870) لم تدفع بأرثوذكس الشرق الأوسط إلى التمرّد أو إلى القيام بالتمييز ضدّ المسلمين، بل بقيت مؤسّساتـهم التربويّة مفتوحة للجميع من دون أيّ تمييز دينيّ.
يرى هؤلاء الأرثوذكس، الذين هم عرب أو صاروا عربًا بعد الإسلام، أن إطار عملهم هو المجال العربيّ المسلم. وهم وقعوا ضحيّة الحملات الصليبيّة أوّلاً والحملات التبشيريّة الغربيّة ثانيًا، يؤكّدون أنّـهم شرقيّون من دون أن يكونوا مسلمين، ومسيحيّون من دون أن يكونوا من الغرب. إنّـهم متأصّلون في إيمان آبائهم وتقليدهم في الحضارة العربيّة التي أسهموا في نـهضتها. وهم يريدون أن يعترف بـهم الإسلام لما هم عليه مـمّا يعني أنـّه ينبغي التفتيش عن معتقداتـهم في مصادرهم هم لا في الوصف الذي يرد عنهم في كتاب الإسلام (القرآن) وعلم الكلام الإسلاميّ. فهم يقيمون مع المسلمين حوارًا هادئًا وصادقًا من دون أيّ تعقيدات أو أيّ شعور بالفوقيّة أو الدونيّة.
في البلاد العربيّة الحديثة، التي لديها دساتير خاصّة ولكن تظهر في داخلها حركات أصوليّة تطالب بإنشاء دول وفق النموذج الذي كان معروفًا في القرون الإسلاميّة الأولى، ينقد المسيحيّون مفهوم الذمّة الذي يقلّل من شأنـهم ويدركون أنّ الإسلام (الذي يجد أنّ الدين يدخل جوانب الحياة الإجتماعيّة والسياسيّة كافّة) يرفض العلمنة إذ يعتبرها شكلاً من أشكال الإلحاد. تاليًا، يدعو المسيحيّون إلى مفهوم المواطنة المشتركة التي تسمح لهم بالمشاركة، في أنحاء العالم العربيّ كافّة، ببناء مجتمع أكثر عدلاً يحترم حقوق أبنائه وواجباتـهم. بـهذه الصفة دُعي بطاركتهم إلى التحدّث في القمّة الإسلاميّة التي عقدت في لاهور (1971) وتلك التي عقدت في الطائف (1981). لكنّ المفكّرين المسلمين ما زالوا غير متّفقين بعد على مفهوم المواطنيّة.
في كنيسة أنطاكية، يتمّ التعبير عن الحوار مع الإسلام بطرائق عدّة:
- في معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ، غالبًا ما تتمّ دعوة أساتذة مسلمين لتدريس مادّة الإسلام.
- منذ العام 1995، تضمّ جامعة البلمند الأرثوذكسيّة التي تأسّست في خضمّ الحرب اللبنانيّة مركزًا للدراسات المسيحيّة-الإسلاميّة من مهمّاته:
- دراسة تاريخ العلاقات المسيحيّة-الإسلاميّة مع إعطاء الأوّليّة بشكل خاصّ إلى الوجود المسيحيّ في العالم العربيّ.
- تشجيع الحوار والتفاهم المتبادل بين المسيحيّين والمسلمين في لبنان والعالم العربيّ من أجل الإسهام بشكل فاعل في تحسين واقع العيش المشترك بين أتباع الديانتين.
- التشديد على التفاعل بين المسيحيّين والمسلمين في المجالات الاجتماعيّة والثقافيّة باعتبار أنّ التنوّع والتعدّدية حالتان أوجدنا فيهما الله وعلينا التعاطي معهما بروح الحوار الذي يدعو إليه الدين.
- الدعوة إلى التأصّل في الإيمان كشرط للحوار، لأنّ التأصّل في الدين يحرّر، فيما يؤدّي الانغلاق الطائفيّ إلى التباعد والانقسام.
وكانت المؤتمرات التي نظّمها هذا المركز قد عالجت مواضيع مختلفة من خلال دعوة المفكّرين واللاهوتيّين اللبنانيّين والعرب. وقد تركّزت المؤتمرات حول “الدين والدنيا في المسيحيّة والإسلام”، “الحوار الدينيّ بين المسيحيّين والمسلمين”، “الدين والعولمة والتعدّدية من وجهتَـيّ النظر المسيحيّة والإسلاميّة”… إلخ.
إنّ معرفة الإسلام والتحاور مع المسلمين هي أيضًا أمور من صلب عمل حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة: فالحركة تريد أن تشجّع دراسة الأديان ومنها الدين اليهوديّ بلاهوته وروحانيّته دونما خلط بين اليهوديّة والصهيونيّة. وتدين الحركة المعاداة للساميّة أو التمييز العنصريّ أنّى كان مصدرهما.
أختم بحثي بالاستشهاد بالمطران جورج (خضر) الذي يقول: “الله غير مقيّد بوسائل الخلاص التي أرساها هو نفسه في الكنيسة. فالله قادر أن يكشف ذاته لشهداء عشقه من كلّ صوب أو لمن أقام الصلاة وأدّى الزكاة والتمس وجه الحبيب في حجّه البيت.
ليس الملء في الكنيسة في وضعها التاريخيّ العابر؛ بل الملء في السيّد الذي أطلقها إلى العالم بالكلمة والماء والروح والدم لتكون هذه شهودًا عليها. الملء هو هذا الذي ستصيره الكنيسة في اليوم الأخير عندما تصبح مجمع الأبرار من كلّ جنس وأمّة، عندما تكون جميع الطرائق قد زالت أمام المحبّة إذ إنّ هذه الطرائق جميعها لم تكن سوى رمز لهذه المحبّة. وبما أنّنا لا نزال على طريق الملكوت، فالكنيسة هي المرشدة والشاهدة. الكنيسة تجهد لكي تكون شفّافة أمام النُّور الإلهيّ لكي يحيا الجميع من هذا النُّور.
لا نملك أيّ تأكيد في الكتاب المقدّس يصرّح علنًا أنّ الإنسانيّة، قبل اليوم الأخير، ستطلق على هذا النّور اسم يسوع المسيح. أمّا ما يقع على عاتقنا نحن فهو أن نتنقّى لكي نصبح عبادًا يتمّمون عمل محبّة الله” (مجلّة Contacts، 1980).
تعريب كاترين سرور
راجع العدد الثامن، سنة 2002، والعدد الأوّل سنة 2003
مجلة النور العدد الثالث 2003، ص 132-137.