“الموحّدون الدروز” لعبّاس الحلبي: العلم بابٌ إلى المعرفة… فالمحبّة

الأب جورج مسوح Sunday March 9, 2008 166

يضيء القاضي عبّاس الحلبي في كتابه الجديد “الموحّدون الدروز، ثقافة وتاريخ ورسالة” (دار النهار)، من باب العارف والممارس، على كثير من عادات الدروز الموحّدين وتقاليدهم وتاريخهم ودورهم الوطنيّ، بالإضافة إلى أسس عقيدتهم التوحيديّة. وقد حرص الكاتب، بأسلوب علميّ شيّق، على تبديد “الأفكار المسبقة” غير الصحيحة التي تراكمت عبر التاريخ عن طائفته الكريمة، والتشويه المنظّم الذي لحق بحقيقة ما يؤمن به الدروز ونهج حياتهم.

يعتبر عباس الحلبي أنّ سرّيّة الإيمان التوحيديّ وخصوصيّته ليست سوى ردّة فعل طبيعيّة على الاضطهاد الذي عرفه أصحابه عبر التاريخ، وبخاصّة من الدولة الإسلاميّة التي لم ترضَ بأهل هذا المذهب. وهو إذ يؤكّد على الطابع العرفانيّ لعقيدة التوحيد الذي يجعلها متمايزة عن الإسلام التقليديّ، الرسميّ والشرعيّ، على حدّ قوله، لا ينفي بأيّ حال من الأحوال أنّ التوحيد هو مذهب من مذاهب الإسلام. ويقرّ الكاتب بأنّ ممارسة المنهج الباطنيّ المعروف بـ”التقيّة”، وإن كان هدفه الحفاظ على الإيمان من التحريف، قد ساهم برواج اتّهامات باطلة حول الإيمان الدرزيّ.

في رؤيته للدين، بعامّة، يصيب عبّاس الحلبي الرأي حين يقول إنّ الدين يتأثّر بالثقافات التي تتبنّاه. هكذا يجد الكاتب، عن حقّ، أنّ الحضارة الإسلاميّة والنسق الفكريّ الإسلاميّ يحتويان عناصر تنتمي إلى اليهوديّة والمسيحيّة والديانات الفارسيّة والأساطير القديمة والتأمّلات الفلسفيّة اليونانيّة. وفي هذا السياق، يرى المؤلف أنّ العقائد الدرزيّة تشكّل “مسلكًا صوفيًّا باطنيًّا عرفانيًّا مسيحانيًّا (بمعنى أنّها تنتظر عودة الحاكم بأمر الله الفاطميّ بعد أن غاب) ذا منشإ وقواعد توحيديّة، على الرغم من وجود عناصر مستقاة من الفلسفة الإغريقيّة”. من هنا لا يرى الحلبي تبريرًا لاستغراب البعض أن يتضمّن المذهب الدرزيّ عناصر غريبة عن الإسلام فيما تتضمّن الأديان كلّها، ومنها الإسلام، عناصر ثقافيّة دخلت إليها بفعل التلاقح الحضاريّ من دون أن تمسّ جوهر الدين بأيّ ضرر.

يتناول عبّاس الحلبي بشفافيّة مطلقة مسألة الثقافة التقليديّة لدى الدروز المشهور عنهم تعاملهم مع الآخرين باللياقة وحسن الأدب والأخلاق. فيتحدّث عن الهويّة الدرزيّة، ومناسبات الطائفة وأعيادها، وكيفيّة التعامل بين أبناء المجتمع الدرزيّ، والزواج، والمآتم… ثمّ يعرض لعيد الأضحى، العيد الوحيد الذي يحتفل به الدروز، مؤكّدًا أنّ هذا العيد، في معناه التوحيديّ، يقابل فريضة الحجّ إلى مكّة لدى عامّة المسلمين. ويؤكّد الكاتب الطابع الفرديّ للممارسة الدينيّة لدى الدروز، “فالتديّن هو شأن تعبّديّ شخصيّ جدًّا”. لذلك تندر الطقوس الدينيّة الخاصّة بالمذهب التوحيديّ، فالعقائد تركّز على القيم المعنويّة والأخلاقيّة والمسلك الروحيّ الشخصيّ.

في وقت تزداد فيه المحن في لبنان والمنطقة العربيّة يأتي كلام القاضي عباس الحلبي، رئيس الفريق العربيّ للحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وعضوّ اللجنة الوطنيّة للحوار الإسلاميّ المسيحيّ في لبنان، والحاضر الدائم في كلّ منتدى أو لقاء إسلاميّ مسيحيّ، كي يعطينا جرعة من الأمل بغد مشرق يسود فيه الانتماء الوطنيّ على الانتماء الطائفيّ. فالحلبي يعتبر أنّ الدروز الذين لم يشعروا يومًا، على الرغم من كونهم أقلّيّة مذهبيّة وطائفيّة، بالعقدة الأقلّويّة على المستوى الوطنيّ أو القوميّ، ينظرون إلى “نظام وطنيّ علمانيّ (بالمعنى المدنيّ، حيث للدين موقعه في الحيّز الخاصّ دون الحيّز العامّ، كما يوضح) لاطائفيّ”. وهذا الكلام يحلو للكثير من اللبنانيّين، ولا سيّما المسيحيّين، ويبعث الاطمئنان في نفوسهم التائقة إلى مواطنة شريفة ومساواة لا لبس فيها تبعد عنهم شعور الغبن والشعور الأقلّويّ.

هذا الكتاب يتوجّه إلى كلّ قارئ ومهتمّ بالشأن الدينيّ والاجتماعيّ والوطنيّ. ولا ريب في أنّ هذا القارئ سيزداد علمًا بأحوال المذهب التوحيديّ منذ نشأته إلى يومنا الحاضر. وإن كان العلم بابًا إلى المعرفة، فالمعرفة باب إلى المحبّة. أحببنا الموحّدين الدروز بعد عشرة طيّبة، وازددنا حبًّا بهم بفضل هذا الكتاب، بفضل كاتبه المجاهد في سبيل شركة حقيقيّة بين أبناء الأديان كافّة.

جريدة “النهار” 9 آذار 2008

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share