“أئمّة أهل البيت والسياسة” لوجيه قانصو فهم النصّ الدينيّ بلا أحكام مسبقة

الأب جورج مسّوح Sunday May 4, 2008 161

كتاب الدكتور وجيه قانصو “أئمة أهل البيت والسياسة، قراءات منهجيّة في نصوص مختارة”، الصادر عن دار المدى والمركز اللبنانيّ للدراسات والحوار والتقريب، كتاب لا بدّ منه للباحث في واقع العلاقة بين النصّ الدينيّ والسلطة، أو بين النصّ الدينيّ والسياسة، في فكر أئمة الشيعة الاثني عشر. فهو يوفّر لقارئه غالبيّة النصوص ذات الصلة، ويجري دراسة منهجيّة لهذه النصوص وما يمكن أن تريد قوله لأبناء عصرنا الحاضر.

يبتعد وجيه قانصو عن القراءة الإيديولوجيّة للنصوص المختارة، فلا يسعى إلى إثبات صيغة عقائديّة أو نفي أخرى، ولا يتبنّى نصًّا دون آخر، ولا يمارس الانتقائيّة التي تبرز نصًّا على حساب نصوص أخرى. ولا ينطلق قانصوه من موقف ثابت دوغمائيّ فيذهب إلى النصوص ليجد ما يدعم رأيه فيورده، ويهمل ما قد يتعارض مع رأيه القائم مسبقًا. هو يقدّم في كتابه الجديد، كما أشار في مقدّمة الكتاب، المعطيات الموجودة في أمّهات الكتب الشيعيّة عن موضوع العلاقة بين الدين والسياسة، ويضعها في تصرّف الباحث الذي بدوره، إذا رغب في ذلك، يجري عليها عمليّات نقدها واختبارها وتفكيكها وتركيبها.

لذلك، ليس هدف الكاتب البحث النظريّ في ماهيّة السلطة والدين وفي حقيقتهما التي يعبّر عنها الفكر الدينيّ لهذا المذهب أو ذاك، إنّما هدفه هو دراسة العلاقة القائمة بين السلطة والنصّ الدينيّ داخل الفضاء الاجتماعيّ المتغيّر من زمن إلى آخر. من هنا، يجيد الكاتب التمييز بين المفهوم النظريّ من جهة، وكيفيّة تجسّده، من جهة أخرى، في الظرف الاجتماعيّ الذي يجعل من الدين والسلطة أحدهما شرطًا موضوعيًّا للآخر أو محركًّا للحدث السياسيّ ومنتجًا له.

هذه القراءة التي تأخذ بعين الاعتبار السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة للزمن الذي أنتج فيه النصّ، والتي يعتمدها وجيه قانصو نعتقد أنّها القراءة الواجب اعتمادها لدى كلّ المفكّرين الدينيّين. هي تحيي النصّ الدينيّ من جموده، ذلك أنّ النصّ إن بقي جامدًا يموت إذ يصبح بلا فاعليّة ولا يقدّم أجوبة نافعة للمجتمع المتغيّر من جيل إلى جيل ومن مجتمع إلى مجتمع. كما تحترم هذه القراءة التعدّديّة المذهبيّة ضمن الدين الواحد، ولا تحصر الاجتهاد في القرون الثلاثة الأولى وتغلقه على مَن أتى بعدها.

في الواقع، يعتقد الكاتب أنّ الدين “ليس مجرّد نصّ دستوريّ محكم أو نصوص صريحة ومباشرة في تحديد قواعد اللعبة السياسيّة وأصول ممارساتها، بل هو عبارة عن نصوص مدوّنة، تتفاوت درجات الوثاقة فيها بين المذاهب والمدارس المتعدّدة”. وهذا يعني، بالنسبة إليه، ليس فقط وضع النصوص في سياقها واستحضار قائلها ومناقشته اليوم في ما قاله، بل يعني أيضًا الاعتراف بالاجتهاد المتعدّد والاختلاف في هذا الاجتهاد في المذاهب الفقهيّة والمدارس الدينيّة التي يتضمّنها الإسلام الواحد. من هنا، تطرأ أهمّيّة آليات البحث ومناهج الاستنباط وتقنيات القراءة وتركيب المعاني.

المنهج السليم لقراءة النصّ، بالنسبة إلى الكاتب، هو أن ندع النصّ “يظهر لنا نفسه، أن نساعده على الظهور والانكشاف كما هو، أن نستمع إليه بدلاً من فرض مقولاتنا عليه”. لذلك يبتعد الكاتب عن الماقبليات والأحكام المسبقة التي تبحث عن دلائل نصّيّة وعن حجج تدعمها، ليقرأ ما تقوله النصوص، وليفهم ليس النصوص وحسب بل صاحبها، من حيث كون النصوص تعبّر عن صاحبها وفهمه للعالم. لذلك يستنتج، عن حقّ، أنّ “علاقتنا بالنصّ وفهمنا له لا يقومان على الإنصات السلبيّ له بل على الجدل والحوار معه”.

في هذا الوقت الذي يتنامى فيه الدور السلبيّ للدين في تسويغ العنف، وفي دعم أنظمة استبداديّة، وفي ازدياد الجهل والتخلّف، يأتي هذا الكتاب ليقدّم لنا منهجية جديدة جديرة بالاقتباس والاعتماد عليها في دراسة النصوص الدينيّة وجعلها فاعلة بحيث تساهم في نهضة هذه الأمّة التي، منذ أمد طويل، ترزح تحت أنواع شتّى من الاحتلالات، ولا سيّما الاحتلال الفكريّ الذي يحظّر كلّ فكر حيّ يمكن أن يحرّك راكدًا.

 

جريدة “النهار” 4 أيار 2008

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share