تقرير الأمين العام 35 – تشرين الثاني 2004

mjoa Sunday June 29, 2008 237

12-14 تشرين الثاني 2004 – دار سيدة الجبل – فتقا

 نشكر الله على نعمِه الكثيرة التي يسكبُها علينا. ومن نعمه هذه أن نلتقي معا ساعين كي نعكس “الومضات الرائعة التي كُشِفت لنا” نورًا يشرق في يومنا ومحيطنا. فنحن إن اجتمعنا او التقينا، فلا نلتقي كي نستحضرَ أمجادًا ماضية أحاطت بحركتنا وكنيستنا لنتغنّى بها، لأن، والحال هذه، لا معنى للقائنا. نحن نلتقي لنتأمّل ونتشارك التفكير في ما علينا أن نسلكه في حاضرنا، أفرادا وجماعة، كي يتمجّد يسوع المسيح في كلّ وجه من وجوه حياتنا ” فيعرف الناس بهذا اننا تلاميذه”، متشدّديـن بعضنا بالبعض وبذاك الضياء الذي انسكب على وجوه من سبقَنا وأنار ما أناره من جوانب، مظلمة كانت، في حياة كنيستنا.

.

هذا الضياء يدلّنـا على أننا من أجل الكنيسة وُجدنا لا من أجل ذواتنا. ولذلك لم نتطلّع يوما في هذه الحركة الى ما يخصّنا بل الى ما يخصّ الكنيسة. إيماننا أن كلّ تألّق يُنعِم الله به علينا هو تألّق للكنيسة بأجمعها لا تألّق لنا، وكلّ تألّق يُنعِم الله به على مواهب كنسية أخرى هو تألّق للجميع. يقيننا أن أي جمال يعكسه الكنسيون للآخرين إنما هو من جمال الله، وأي فعل خيّر يقدمون عليه إنما هو من خير الله. فنحن لا نرى فضلاَ لأحد منا إلا في مدى كونه أهلاً ليفعل الله فيه ويرتاح. ومن هنا نرى أن استقامة الأمور تتجلّى في أن تفرح المواهب الكنسية بغنى بعضها البعض، لأن هذا الفرح، إن وجد، يعكس التناغم الحقيقي بينها في خدمة الجسد الكنسي الواحد.

في العلاقة بالرعاة:
وإن عكس الواقع الكنسي لنا، في بعض وجوهه، غير هذا الفرح، إلا أننا نشكر الله على وجوه أخرى تعكسه إما تناغما وتشجيعا وإما تفهّما. ولا يخرج اللقاء الأخير الذي انعقد بين صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع وشباب الحركة، عن هذا الاطار. فهذا اللقاء أتى تلبية لرغبة مشتركة انطلقت من إيمان غبطته بضرورة لقائه الشباب الكنسي والاستماع الى تساؤلاته. فمهما تعدّدت القراءات في هذا اللقاء، ورغم ان لقاء الأب بالأبناء لا يحتاج الى ما يبرّره، تبقى القراءة الأهمّ وهي أنه حقّ للشباب النهضوي أن يطمئنّ مباشرة، ممن أُنيطت به المسؤولية الكنسية الأولى، الى ما يخطّط له من أجل مستقبل أفضل لكنيسة التزمها. كما حقّ له الالتفاف حول غبطته لمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تولّيه السدّة البطريركية.

 فهذه الالتفاتة الرعائية من الأب نحو الأبناء والتفاتة الأبناء نحو الأب، إن تخلّلها توافق أو اختلاف، وإن حملت مدحا أو تأنيبا، تبقى هي المسار السليم الذي نرجو أن يسود العلاقات في إطار عملنا الكنسي في كلّ موقع. فغياب هذه الالتفاتة في بعض الأماكن لا زال يعكس شيئا من التوتّر والتجاذب، ما حملنا على ايلاء هذا الموضوع اهتماما خاصا. ذلك لأن هاجس استقامة العلاقة مع الرئاسة الكنسية قد سبق وخيّم على أعمال مؤتمرنا الأخير، وأُتخِذت بشأنه بعض التوصيات، ولأن التعاطي مع هذا الهاجس، وهذا هو الأمر الأهمّ، بات تعاطيا مع شأن مصيري. فانعكاساته السلبية لم تعد تحصر بالمواقف وحسب بل تخطتها لتطال حريّة عملنا الكنسي وامتداداته في المدى الرعائي، وهذا ما يساهم في تشويه هويتنا وتقزيم وجودنا. ذلك لأن عدم تفهّم الرئاسة الكنسية لعمل الحركة ودورها في مكان، وسعيها الى ضبط التوجّهات الحركية وتقنينها في مكان آخر، قد ساهما، من جهة، في جعل بعض المؤمنين أكثر تقبّلا لتهمة الفئوية التي نرمى بها، وساهم، من جهة أخرى، في دفع بعضنا، تلافيا لمزيد من التأزّم، الى التسليم العملي بحصر إهتماماته بوجوه العمل الحركي الداخلي فقط دون الحضور الفاعل في المجالات الرعائية والكنسية الأخرى. غير أن الأمانة للحقيقة تقتضي أن نشير الى أن هذا الأمر ليس هو السبب الوحيد لضمور الفكر النهضوي في بعض الرعايا والأبرشيات، إذ ربّما يكون لهذا الضمور اسباب أخرى تتعلّق بوافعنا الحركي الذي سنعود إليه لاحقا.

 في هذا الاطار يهمّنا تأكيد أن لا شيء يجب أن يثنينـا عن التشبّث بحرّيـة أبناء الله و بما نحمله من همّ  ورؤى نهضوية نرى فيها تفعيلا لمعموديتنا في المسيح. فرغم الضعفات التي تعترينا، ومهما اختلفت الظروف المحيطة بنا، يبقى همّنا هو هو، أن نغرس في ذواتنا وفي شعبنا بذور الالتزام الحامل لهمّ كنيسة المسيح الواحدة والشاهد لسيّدها في كلّ وجه من وجوه الحيـاة. أن نوضح لبعضنا البعض ولشعبنا ما يقتضيـه التأهّل لهذا الالتزام من معرفـة لله عميقـة ومن سعي للالتصاق به عبر التزام حياة الكنيسة وقوانينها. أن نكشف لبعضنا البعض ولشعبنا محبة الله لنا، تلك المحبة التي تدعونا للاعتناء “بالجمهور” (القديس يوحنا الذهبي الفم، تقاريظ القديس بولس، الخطبة 7 : 6) وبكل شان كنسي ليكون هذا الاعتناء دافعنا للانخراط الفاعل في كلّ الأطر الكنسية. أن نقدّم لشعبنا فسحات مشاركـة يتجلّى فيها مسيحنا كلّ يوم على رجاء أن تعمّ، يوما، المدى الكنسي كلّه. أن نكون من الوجوه الشاهدة لجمال المسيح وسط جمالات عالم اليوم.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share