مريم مثال لكلّ إنسان

mjoa Tuesday August 12, 2008 587

رقدت السيّدة والدة الإلـه في الـرّب رقاد السلام لأنّها عاشت  في سلامِ َمـن كان ابنـها وربّهـا في آن. ولكونها كانت دائمًا “تحفظ كلمة الـرب وتتأمـلها في قلبـها” (لـوقا 2: 19). انتقلت إليـه انتقالاً عجيبًا ومثـلـه لم يـذق جسدها الفساد وصارت في المجد الإلهيّ أعلى مـن الـمـلائكـة.

 ماذا نتعـلّم من سرِّها وسرُّها في أنّها كانت عـذراء وأمًّا معًا؟ ماذا تقتبس منـها الفتاة؟ أنّها تأخذ منـها أنّ الطهارة أمومـة حقيقيـّة أي عطاء روحيّ. ذلـك أنّ من كانت روحه معطـاء يلد الآخرين، ينجب روحيًّا وجسده لم ينجب بعد. ماذا تتعـلم الأمّ؟ تتعـلم أن تكـون أمًّا طاهرة فإنّ الجسد إن كان مجرّد جنس يـلد أولادًا ولكن يكـون عاقرًا من زاويـة روحيـة. إن إيـلاد الأولاد اذا لم تتبعـه تربيـة صالحـة يكون كإيلاد الحيـوان أو كإيـلاد الـزّهر، شيئًا تافهًا. أمّا الإنجاب الـمـقرون بالـمـحـبـّة لـلـزوج وللأولاد فهو عطاء روحي. الأمـومـة كـلّها في تنقية أبنائنا وبناتنـا بعد ولادتهم. الـمـهمّ أن نرعاهم بالانتباه والخدمة، بالتـهذيب المستمرّ الذي يحوّلـهم إلى أبناء لله “الذين ليس من لحم ودم ولكن من الله وُلـدوا” (يـوحنا 1 :13). الأمومـة خدمـة في الحضانـة، في الـمـرافقـة، وكذلك الأبـوّة. والـلّـه يستخدم الحب البشريّ الذي يجمع بين الـرّجل والـمـرأة لا ليقـف الحبّ عند حدوده ولكن ليصيـر ينبوعًا لـلعطاء الدّائم، ليرتـقي بصاحبـه والآخرين إلى رؤيـة المسيح وإلى التشبه بالمسيـح. فالحبّ إذا انغـلق على نفسه وبقي مجرّد شهـوة، هوى لاهبًا، مصدر موت روحيّ. الجسد الذي يبقى جسدًا مكان لـلكآبـة، للانفصال. الجسد لا يتّحد بالجسد بل القـلب بالقـلب. والقلب الذي انسكب فيه الرّوح القدس هو الذي يدخل إلى قـلب آخر ويجعـله عظيمًا. فالمسيـح إذا كان فيك وكان في زوجتـك مسيـح واحد. إذ ذاك فقط أنت وإيّاها واحد. “يترك الانسان أبـاه وأمّه ويلـزم امرأتـه فيكـونـان كلاهـما جسدًا واحدًا” (تكـوين2: 24). فإذا بقي الانسان في أنانيّتـه، في غيرتـه وعلى غضبـه لا يصير مع رفيقـه كيانًا واحدًا. يظـلّان شخصَين منـفصلَين حتى العـداوة، متراكمَين تحت سقـف واحد. يكون كلّ منـهما مفارقًا للآخر ولو شوهدا في بيت واحد.

 غير أنّ مريـم ليست فقط نمـوذجًا لـلـفتاة الخصبـة روحيًّا وليست فقط مثالاً لـلـزوجـة العــفـيـفـة ولكنـّها مثـال لكـلّ انسان. مريـم صورة عـن كـلّ إنسان طـاهـر عـزبـًا كان أم متزوّجًا. كلّ إنسان عذريّ هـو مـريـم لأن المسيــح يتـولـّد فيـه وينطـلـق لـلعـالـم. الانسـان النـقي هـو مـن لا يتقبّـل في ذاتـه إلّا الـزّرع الإلـهـيّ. إنّـه لا يقبـل كـلمـة لا تـوافـق الكـلـمـة الإلـهيـة، لا يقوم بنشاط يشـلّـه عـن النشاط الروحيّ، لا يـولي شؤون الأرض اهـتـمـامًا أكثر ممـّا يـولـي الكنيسـة اهتـمـامًا. هـؤلاء الـذين يعـطـون أنفسهم لقضيّـة لا مسيـح فيـها أو منـاقضة لـلمسيـح ليسـوا مـريميّين، ليسوا عـذريين. إنّهم قد اقتبلـوا في داخـلهم دنس العـالم. هؤلاء لا يجـلسون في السمـاء، ونحن سماويّـون ولو كنّـا في الأرض. أن تكـون انسانًا روحيـًّا لا يعـني أنّك تقضي كلّ نهارك في العبادة ولكـن أن يكـون قـلبـك مشغـوفًا بالرّب. فلـَكَ أن تكون عالـمًـا أو صناعيـًّا أو تاجرًا أو جنـديًّـا ولكن تتعـاطى مهنتـك وحياتـك العائـليّـة كمسيحي. أن “تطـلب ملكـوت الـلـّه وبـره أوّلاً”(متى6: 36) وفيـما أنت في أشيائـك تكـون مرتبـطًا بالسيّـد. هكذا إن رقدت في المسيـح بعد طوافـك الأرضيّ تلتحـق بـه في الـمـلكوت. إن وجدت يسوع هنا تجده فوق وتجلس مع مريم فـوق الـمـلائكـة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share