ما الموقف المسيحي من شكّ المؤمن تجاه دينه؟ هل يعتبر خطيئة؟

mjoa Sunday August 31, 2008 291

أولاً : ما هي أسباب الشكّ الذي ينتاب المؤمن؟
1) إننا، في هذه الحياة، “نسلك بالإيمان لا بالعيان” (2 كورنثوس 5: 7)، لا نرى الله بعد وجهاً لوجه، إنّما “في مرآة، في إبهام” (1 كورنثوس 13: 12).

2) من هنا إن علاقتنا بالله تمرّ حكماً بتصورات بشرية. وكما أن تصوراتي عن إنسان تربطني به علاقة مودّة، تبقى دائماً دون حقيقة هذا الإنسان وليست قادرة بحال من الأحوال أن تستنفد غنى شخصه الحيّ، كذلك، وبالأحرى، فإن تصوراتي عن الله تبقى أبدًا ناقصة ولا يمكنها بحال من الأحوال أن تنطبق كلياً على حقيقة الله التي تفوق بما لا يقاس كل تصور. من هنا إن التصورات التي يستند إليها إيماني قابلة دوماً لإعادة النظر وللتطور والنموّ.

.

3) الشكّ ناتج من هذا القصور في تصوراتنا. فقد ينكشف لنا في وقت من الأوقات ضعف وهزالة هذه التصورات. ولكن، بما أن اتصالنا بالله يتم حكماً من خلالها، فلا عجب أن يتراءى لنا، إذا تصدّعت، وكأن إيماننا عينه قد اضطرب وتزعزع.


4) فإذا كان الشكّ، كما رأينا، نتيجة تصدّع تصوراتنا عن الله، فلماذا يا تُرى، تتصدع هذه التصورات؟


أ- قد يكون ذلك ناتجاً من كونها تصورات موروثة، معلومات تسلمناها من محيطنا عبر التربية التي تلقيناها، ولكننا لم نُعمل فيها بعد تفكيرنا الشخصي، ولم نتقبلها تقبلاً واعياً ومسؤولاً. فإذا بها تبدو وكأنها ثوب مستعار، إذا ما استيقظت فينا القدرة على التفكير الشخصي وأخذنا نعيد النظر بكل ما كان يبدو لنا بديهياً عندما كنا نكتفي بأن نردد كالصدى ما تسلمناه بالتربية. من هنا كثرة الشكّ لدى المراهقين والشباب، بحكم انتقالهم من مرحلة التدين الطفوليّ المبني على التسليم إلى مرحلة التدين الراشد المرتكز إلى القناعة الشخصية.


ب – وقد تكون التصورات المتصدعة تصورات مغلوطة عن الله تسربت إلى معتقدات بيئتنا وانتقلت إلينا عبر التربية الدينية التي تلقيناها من هذه البيئة، على يد الأهل أو سواهم، فتقبلناها دون اعتراض، في حينه، نظراً لما كان للمربين علينا من تأثير وسطوة ونفوذ. ولكن هذه التصورات تتضعضع عندما يستيقظ فينا الحس النقديّ وتنضج خبرتنا بالحياة، فيؤول بنا ذلك إلى الشكّ. ومن هذه التصورات، تصور المصائب على أنها عقاب ينزله الله بالبشر (وهو تصوّر يصطدم بما نكتشفه من ألم الأبرياء)، أو تصور الله وكأنه يسيّر الكون كآلة ويتحكم بكل شاردة وواردة تجري فيه (وهو تصوّر يصطدم بوجود الشرّ في الكون)، أو تصوّر الله وكأنه “مقسّم الأرزاق” (مما يتنافى مع اكتشافنا المرير لواقع الظلم الاجتماعي والاستغلال).


ج – وقد تكون التصورات المتضعضعة تصورات عن الله تنطلق من مفاهيم للكون والإنسان عفا عليها الزمن، فإذا بها تصطدم بمعطيات العلوم الحديثة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا الحاضرة ومن ذهنية الإنسان المعاصر. وبفعل هذا التصادم ينشأ الشكّ، إذ يبدو الإيمان وكأنه من مخلّفات الماضي أو كأنه في تناقض مع العلم. هذا ما يحصل مثلاً عندما تؤخذ رواية الخلق، كما وردت في سفر التكوين، بحرفيتها، فتصطدم عند ذاك لا محالة بما توصل إليه العلم من نظرة تطورية إلى الكون وتاريخه وظهور الإنسان فيه.


د – وقد تكون التصورات المهتزة تصورات نابعة من أهوائي، كأن أتخيل أن الله يضمن تحقيق كل أمانيّ الراهنة (رغبتي في الصحة والمال والنجاح وما شاكل ذلك)، في حين أنه لم يَعِد بالحقيقة إلا بتحقيق أمنيتي العميقة بالسعادة والاكتمال وذلك بطريقة تتجاوز تصوّري (إن لم يكن إلا لأن هذا الاكتمال يمرّ حكماً عبر الموت الذي يرفضه كل كياني!). ولا بدّ أن تصطدم تصوراتي الوهمية هذه بالواقع (مثلاً: أطلب شيئاً ما في الصلاة فلا أناله)، فأصاب بالخيبة وأشكّ بالله لأن سلوكه لم ينطبق على توقعاتي. نموذجيّ من هذه الناحية تطور فكر حكماء العهد القديم كما نقلته لنا الأسفار المقدسة. فبعد اليقين الشائع بأن الله يُسعد البار ويُشقي الشرير في هذه الحياة الدنيا – وهو اعتقاد الحكماء القدامى وقد عبّرت عنه مقاطع من سفر الأمثال ومن كتاب المزامير – نرى أزمة وجدانية تنشب بسبب اصطدام هذا المعتقد بواقع شقاء العديد من الصدّيقين ونجاح العديد من الأشرار، مما أدّى إلى تعديله، كما نرى في بعض المزامير، بالقول بأن نجاح الشرير إنما هو عابر وشقاء الصدّيق مؤقت. ولكن هذا التعديل نفسه لم يثبت أمام تكذيب الواقع له، مما أدّى إلى حيرة عبّر عنها ببلاغة سفر أيوب – حيث يمثل أصدقاء أيوب الاعتقاد التقليدي – وسفر الجامعة.


هـ – أخيراً قد تكون التصورات المتصدّعة تصورات صحيحة، ولكنها بقيت سطحية وناقصة لأنها لم توضع على المحكّ بمواجهتها مع تعاليم أخرى تبثّها مختلف الأديان والأيديولوجيّات. فإذا ما تكشفت لي هذه على تعددها وتناقضها واختلافها عن مضامين إيماني (وهذا ما هو حاصل لا محالة في عالم اليوم من جرّاء تعددية المعتقدات في المجتمع الواحد، وتداخل الحضارات، وانتشار الأفكار عبر الدراسة ووسائل الإعلام، وخاصة في بلد كلبنان تتواجد فيه طوائف ومذاهب متعددة ومتصارعة)، فقد يبدو لي إيماني وكأنه مجرد واحد من تلك النظريات التي تتجاذب البشر، فتغيب عني فرادته وآخذ بالشكّ فيه متسائلاً: أين هي الحقيقة بين كل تلك المعتقدات التي تتشابه فيما بينها من حيث ادّعاؤها كلها التعبير عن سرّ الوجود ومعناه؟

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share