(*) سؤالان حول كتاب “المحبة والعدالة والعنف”

mjoa Tuesday November 11, 2008 161

أسئلة وردتني من أسرة الجامعيين في فرع الميناء لحركة الشبيبة الأرثوذكسية بعد دراستها الكتاب.

السؤال الأول
” هل لدى الكاتب فكر شيوعي بأن كل الناس يجب أن يقتسموا خيرات البلاد ليعيشوا بنفس الطريقة؟”

الإجابة
1- ما هو بالضبط فكر الكاتب؟:
نعم إن الفكر الموجّه للكاتب هو  “إن كل الناس يجب أن يقتسموا خيرات البلاد” (لا بل خيرات الأرض) وممتلكاتها، لا ليعيشوا بنفس الطريقة كما نص السؤال، بل لتتوفر أمامهم فرص متكافئة لتلبية حاجاتهم الأساسية وإحقاق كرامتهم الإنسانية، مما يعني فرصاً متساوية للوصول إلى ما يلزمهم من صحة وتغذية وتعليم وعمل واستشفاء.

2- إنه فكر نابع أصلاً من معاشرته للإنجيل:
هذا الفكر الذي نُعت بـ “الشيوعي”، اكتسبه المؤلف أصلاً من معاشرته للإنجيل الذي يؤكد
أن جميع الناس أخوة لأنهم جميعاً أبناء الله، ولأن الله تبناهم بنوع أخص عندما صار ابنه الوحيد أخاً لهم بتجسده. والأخوة -إذا كانوا أخوة فعلاً- يقتسمون كل شيء في ما بينهم، ولو أزعج ذلك نزعة كل واحد منهم إلى الاستئثار، بالضبط كما يجري في الأسرة المتحابة: فقد علمنا أهلنا، منذ أن كنا أطفالاً، هذا المبدأ الذي انطبع فينا عميقاً وهو “كونوا أخوة واقسموا قسمة الحق”.

3- غريب أن ينسب مسيحيون فكراً إنجيلياً إلى “الشيوعية”:
إنما الغريب أن يكون المسيحيون قد تغربوا بهذا المقدار عن تراثهم حتى أن مبدأ اقتسام الخيرات أصبح ينسب، لا من طارح السؤال وحده بل من كثيرين غيره، لا إلى الإنجيل، أصله الفعلي، بل إلى عقيدة سياسية، قدمت نفسها على أنها ملحدة في الأساس، استمدته بالواقع من التراث الإنجيلي الذي طبع، طيلة عشرين قرناً، المجتمع الأوروبي الذي نشأت فيه، فأخذته عنه وفهمته على طريقتها.

 

4- هذا الالتباس أدى إلى نتائج مأسوية في أميركا اللاتينية:
ويتبادر إلى ذهني، بهذا الصدد، ما حصل لواحد من أعظم شهود المسيحية في القرن العشرين، المغفور له المطران هيلدر كامارا رئيس أساقفة ريسيف في البرازيل، الذي اشتهر في العالم كله كمدافع جرئ عن حقوق المحرومين في بلاده وفي الأرض كلها، ومنعته، بسبب من ذلك، الدكتاتورية العسكرية عن الكلام فترة من الزمن. هذا لُقِّبَ بـ “المطران الأحمر” لمجرد مناداته باقتسام الخيرات، فكان يقول بشيء من الفكاهة: “عندما اجمع مساعدات للفقراء، يقولون إنني قديس، أما عندما أنادي بزوال أسباب الفقر، فيقولون إنني شيوعي”. لكن الأكثر مأسوية من ذلك، هو أن آلافاً من المسيحيين في أميركا اللاتينية، بينهم مطارنة وكهنة ورهبان وراهبات، سُجِنوا وعُذِّبوا وقُتِلوا بتهمة “الشيوعية”، في عهد الدكتاتوريات العسكرية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة، وذلك لمجرد مناداتهم بحق الفقراء، وهم السواد الأعظم من شعوبهم، بالتمتع بحصة عادلة من خيرات الأرض بدل أن تحتكر حفنة من المتموّلين والمتنفذين جلّ هذه الخيرات تاركين للمساكين الفتات، كما صنع غنيّ المثل الإنجيلي مع لعازر المتضوّر جوعاً أمام موائده وترفه.

 

5- تعليم الآباء عن اقتسام الخيرات:
هل كان آباء الكنيسة العظام في القرن الرابع، كباسيليوس وغريغوريوس ويوحنا الذهبي الفم، “شيوعيين”، عندما علّموا بأن خيرات الأرض خلقت في الأصل لتكون مشتركة بين جميع الناس لا ليتملكها أفراد على حساب سواهم كما حصل بفعل خطيئة الإنسان، وبأن العودة إلى القاعدة الأصلية التي شاءها الله هي بأن يعتبر الغني نفسه مجرد وكيل مؤتَمَن على خيرات هي بالفعل من حق سواه؟
أما تعلمون أن باسيليوس الكبير، رئيس أساقفة قيصرية الكابادوك علّم بأن الغني الذي يستأثر لنفسه بخيرات ليس بالفعل مالكها بل مجرد مؤتمن عليها لتلبية حاجات أخوته، يكون على شاكلة إنسان دخل إلى مسرح ليشاهد تمثيلية ولكنه حجز المقاعد كلها له وحجب المشاهدة عن غيره، لا بل أنه يكون سارقاً لأنه احتفظ لنفسه بما هو في الأصل أمانة في عنقه كان مفروضاً أن يوصلها إلى أصحاب الحق فيها، أي إلى كل من يحتاجها من الناس؟ فما يتكدس لديه من طعام، يقول باسيليوس،
“هو ملك الجياع”، وما يفيض عنه من ثياب هو “ملك العراة”، وما يتكدس لديه من مال هو “ملك الفقراء”.

 

6- المسيحيون الأولون عاشوا اقتسام الخيرات: 
و لنعد إلى أقدم من آباء القرن الرابع ،إلى مسيحيّي العصر الرسولي و كيف فهموا الإنجيل. عندما ذكر يسوع العلامات التي تشير إلى مجيء الملكوت الذي أتى يدشنه، أي إلى حلول حكم الله في الأرض ليجددها و يحييها، قال إن من بين هذه العلامات أن “الفقراء تُحمل إليهم البشرى”. فما هي، يا ترى، البشرى التي تُحمَل إلى الفقير، إن لم تكن البشرى في تحريره من وطأة الفقر وحرمانه وذله؟ يسوع يؤكد أن هذه البشرى سوف تُحمَل إلى الفقراء في العالم الجديد الذي أتى يقيمه بدءاً من الجماعة المسيحية حتى يشعّ منها على العالمين فيصبح في التاريخ البشري خميرة تحرّر وتجدّد. هذه البشرى سوف تُحمل لأن الفقر سيزول بحلول المشاركة بدل الاستئثار، واقتسام الخيرات بدل التشبث النهم بها. وعد يسوع هذا أخذه المسيحيون الأوائل في أورشليم على محمل الجدّ كل الجدّ. راجعوا ما يرويه كتاب أعمال الرسل بهذا الصدد. فقد أوجد تلاميذ المسيح هؤلاء صيغة للمشاركة أوحاها لهم سخاؤهم. فباع كل واحد منهم ما يملكه وأودع ثمنه بين أيدي الرسل في صندوق مشترك للجماعة كي يأخذ منه كل واحد ما يحتاج إليه ليعيش. والنتيجة كانت، كما يقول كتاب أعمال الرسل، انه ” لم يكن فيهم محتاج”( أعمال 34:4).

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share