محاضرة بعنوان “ثمار الصوم” ألقاها الأرشمندريت اسحق بركات، في كنيسة رقاد السيدة منيارة – عكار:

mjoa Saturday March 14, 2009 407
طلب منّي الأب الحارس، رغبةً من مجلس رعيّة منيارة والأب بولس نصر، أن أتكلّم اليوم عن ثمار الصوم. لكن قبل أن نبدأ بالتكلّم عن ثمار الصوم، أريد أن أتكلّم أولاً عن موضوع الصوم.
اليوم نحن نعيش في مجتمع مؤلّف من موزاييك من الناس؛ هناك المسيحيين وهناك المسلمين، ومن المسيحيين هناك الكاثوليك، الأرثوذكس والبروتستنت. أنا أعتقد أنّ كلّ انسان يرى الموضوع من وجهة نظره.
الكثير من الكهنة يُسألون من الناس اذا كان الصوم واجب أم لا، أو اذا كان الصوم مفروض علينا من الله أم لا، والجواب على هذه الأسئلة بسيط وواضح.

أولاً، كلنا نعرف أنّ آدم وحواء عندما كانوا في الفردوس طلب منهم الرب أن يأكلوا من كلّ ثمار الفردوس إلاّ من شجرة واحدة؛ هذا المنع أو الفرض أو الابتعاد الذي رسمه ربّنا لآدم وحوّاء كان أوّل شكل للصوم. بعدها، عندما ننتقل للأنبياء في العهد القديم، نرى أنّ موسى صام لمدّة 40 يومًا، وايليّا أيضًا صام وكذلك فعل الكثير من الأنبياء، لقد فعلوا ذلك لأنهم كانوا يعتبرون أنّهم عندما ينقطعون عن الأكل ويبتعدون عن الأشياء التي يحبّون فعلها، يحصلون على ما يطلبون. فمثلاً، عندما أراد موسى أن يأخذ الألواح التي عليها الوصايا العشر، صام أربعين يومًا تحضيرّا للقاء الرب وأخذ الوصايا العشر.
في العهد الجديد، أوّل من صام كان الرب يسوع المسيح، صام لكي يعلّمنا نحن كيف نصوم، لم يفعل شيئًا الرب يسوع إلاّ كي يعلّمنا منه، ولم يطلب منّا شيئًا إلاّ وفعله هو أوّلاً. في العهد الجديد، أرانا الرب يسوع وجهاً جديداً للصوم، ففي العهد القديم كان الانسان يتعب في الصوم حتى ينال أخيراً رضا الرب، لكن نرى أنّ في العهد الجديد بعدما صام السيّد المسيح تجرّب فورًا من الشيطان، هذا لكي نفكّر أنّنا بعدما نصوم لن نحصل على أجنحة مثل الملائكة وسنكون قد خلصنا، بل ليقول لنا أنّ الجهد في الوم هو كي نحصل على العطايا التي هي ثمار الصوم التي سنتكلّم عنها لاحقّا.
هناك موضوع آخر مهمّ أريد أن أتكلّم عنه، هو موضوع الانقطاع؛ هناك فرق أيّها الأحبّاء بين الانقطاع والصوم؛ فالصوم هو الانقطاع عن الزفرين، فالذي ينظر في كتاب السواعي، يرى مثلاً أنّ صوم السيدة هو صوم عن الزفرين مثل الصوم الأربعيني الكبير، لكن بما أنّ صوم السيدة يكون لمدّة 15 يومًا ويكون في فصل الصيف، وبما أنّ والدة الاله محبّتها كبيرة، فلذلك يصوم الناس عن الزفرين. في الصوم الأربعيني المقدّس، المطلوب هو الصوم عن الزفرين، يعني من يوم الاثنين حتى يوم الجمعة لا نأكل الزفر ولا حتى الزيت، ويومي السبت والأحد يسمح بأكل الزيت، نسمع كثيرًا من الكبار في السنّ يقولون انّه “ملعون ابن ملعون الذي يصوم سبت غير سبت النور”، هذا صحيح مئة بالميّة، لكن ما معناه؟ في سبت النور نحن ننقطع حتى عن الزفرين، أي لا نأكل حتى زيت.
سنتكلّم الآن عن الانقطاع حتى الساعة 12 الذي يمارسه الكثير من الناس؛ قانونيّا وكنسيّا ليس مذكور شيئ عن الانقطاع حتى الساعة 12، ما يقوله أيضًا كتاب التريودي الذي يقسم هذه الفترة الى ثلاثة أقسام: فترة التهيئة، فترة الصوم الأربعيني المقدّس، والأسبوع العظيم. يقول الكتاب أنّ الرهبان كانوا يصومون من بعد صلاة الغروب، لكن بما أنّ صلاة الغروب في الأديار تكون الساعة 11 ظهرًا وتدوم لمدّة ساعة أو ساعة ونصف الساعة، بعدها يتناول الرهبان وجبة واحدة رئيسيّة في كل النهار. جيّد أن نصوم من الساعة 12 حتى الساعة 12، لكن ذلك ليس من قوانين الكنيسة، لذلك لا تتعثّروا لو رأيتم أحدًا يشرب  ماءً قبل الساعة 12.
الموضوع الأخطر هو قربنا من أخوتنا من الكنائس الغربيّة الذين يصومون من الساعة 12 حتى الساعة 12 بعدها يأكلون الزفر من جبنة ولبنة لأنه هكذا هو ترتيب الصوم في كنائسهم، لذلك من اللازم الانتباه على أولادنا الذين يعيشون معهم.
نأتي الآن لموضوع الصوم، هل الصوم هو فقط ابتعاد عن الأطعمة؟ لو هكذا لكنّا نفعل كوصفة طبيب ما، يبعدنا عن أكل السمنة مثلاً أو يصف لنا طعاماً صحياً ما… الفكرة ببساطة أن يلتصق الانسان أكثر بالكنيسة، لذلك نرى أنّ كميّة الصلوات في فترة الصوم تكون أكبر، هناك صلاة الصباح، المساء، النوم الكبرى، السحريّة والغروب… وكثير من المؤمنين بعد نهاية موسم الصوم يشعرون بفراغ لأنّهم يفتقدون للمجيء الى الكنيسة. اذٍا الأمر الأوّل هو المواظبة على الصوم.
بالنسبة لموضوع الطعام، كان بولس الرسول واضحاً، يقول أنّ الطعام لا يقدّم ولا يؤخّر، الطعام هو لكي نقدر ان نحيا ونمارس واجباتنا كمسيحيين. هناك مثل بسيط جيّد أن نمارسه، وهو قديم في كنيستنا وفي كنيستنا الحديثة يشجّع سيّدنا سابا، الذي نقرأ له في مجلّة العربيّة التي تصدر عن المطرانيّة في حوران ولما كان كاهنًا في اللاذقيّة ومع أوّل انطلاقة لمجلّة فرح للأطفال، على مشروع القجّة أو المكمورة أو صندوق الصوم. أنا عندما كنت كاهنًا في رعيّة الشام، كنت أشجّع الناس أن يعملوا صندوقًا خاصًا في الصوم، فمثلاً أن يضعوا ثمن اللحمة التي تعوّدوا على شرائها في الصندوق، وعدم استبدال اللحمة بالأكلات الباهظة الثمن من كافيار وباقي ثمار البحر، وفي نهاية الصوم أن يعطوها للناس الفقراء أو أن يبتاعوا بالمال شيئًا يتذكّروا فيه الصيام الأربعيني المقدّس.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share