سطور إلى الأستاذ غسّان سعود

mjoa Friday October 9, 2009 150

عوّدنا الأستاذ غسّان سعود أن يفتح، في معظم مقالاته التي تنشرها جريدة “الأخبار” الغرّاء، أبوابًا، يراها حسّاسة، لا تتعلّق بأمور سياسة البلد حصرًا، بل، أحيانًا، بأمور تخصّ الكنيسة الأرثوذكسيّة.
ثلاثة مقالات، استطعت أن أقرأها له، فيما أتابعه باستمرار تقريبًا، ذكر فيها شؤونًا أرثوذكسيّة. المقالة الأخيرة، التي نشرتها “الأخبار” في الأوّل من تشرين الأوّل 2009، تكلّم فيها “سعود” على انتخاب مطران جديد لأبرشيّة طرابلس والكورة وما يليهما خلفًا لمطرانها إلياس قربان الذي ارتحل إلى وجه الله. وسبقها مقالان (هما في بالي، وليسا أمامي)، علّق، في الأولى، على عظة المطران جورج خضر في دفن المرحوم إلياس متري والد الوزير طارق متري. وفي الثانية، على الكنيسة الأرثوذكسيّة في شدرا – عكّار، وافتقارها، حسبما رأى، إلى أيّ دعم من المسؤولين الكنسيّين الذين تعاقبوا على سدّة الأسقفيّة فيها.
لا أعرف، في كلّ ما وضعه الأستاذ غسّان سعود، المصادر التي يستقي منها معلوماته. فهو، على ما أعتقد، ليس ابن البيت الأرثوذكسيّ. ويمكنني أن أتصوّر أنّه يرتضي، في جلسة عابرة (ربّما خدمته المصادفة أن يكون فيها)، أو من طريق إصغاء مباشر إلى شخص أو أكثر، أو استنادًا إلى بنات أفكاره، أن يحرّكه هذا الموضوع أو ذاك، كما التقطته أذناه، أو أريد له أن يسمعه، أو حلا له أن يفعل.
أوّلاً، يعنيني أن أغبّط قدرة الرجل على الكتابة، إن لجهة سيولة قلمه، أو رصانة صياغة الجملة التي تطبعه كاتبًا. فما من شكّ في أنّ قلم الرجل مثير فعلاً. ولست، في هذه السطور، بقاصدٍ أن أهينه ، إن ذكرت أن ليس كلّ كاتب قادرًا على أن يخطو، بخطًى ثابتة، في دروب تختلف مواضيعها. فالنسج على غير المنوال أمر يفترض دقّة قد تصعب على بعضهم أحيانًا. وفي سياقنا، الكلام في شؤون الكنيسة أمر لا يوافق تحقيقه، دائمًا، أن يكتب المرء “تحت الطلب”، كما قال دوستويفسكي، فـ”يفقد كلّ شيء”. فللكلام في الشأن الكنسيّ قواعده وأهدافه، وإن كانت ليست حكرًا على أحد، إلاّ أنّ أحدًا لا يمكنه أن يفلح في مقاربتها على أنقاضها. وإذا أخذت مثلاً تعليق “سعود” على عظة دفن المرحوم إلياس متري، فما يبدو، ظاهرًا، أنّه قد فاته أنّ العظة، في أيّ خدمة كنسيّة، كلام أبويّ لا يحتمل أيّ تأويل يخرجه عن هدفه. إنّها عمل حميم، سمح “سعود” لنفسه، في مناسبة جوهرها تعزية، بأن يؤوّله من دون أن يعتني، وفق اعتقادي، بأن يستوضح قائله الأصليّ، ليتبيّن إن كان ما قيل قد فهمه صحيحًا، أو استعمله في غير سياقه. أحبّ أن ينتقد شخصًا ذا مكانة عالية (معالي الوزير طارق متري) من خارج إطاره السياسيّ، أو لا يرضي نهجُهُ المؤسّسة التي يعمل فيها، فحرّف كلامًا لا يحتمل تحريفًا. وهذا يدفعني إلى قوله، على صفحات جريدته (إن تكرّم محرّروها بنشر هذه المساهمة)، أنّني لا أعرف الرجل شخصيًّا، رغم أنّ أحد أصدقائي قد أسرّ إليّ بأنّه طريّ كعنب لبنان، ويمكن أيًّا أن يقول له مواجهةً ما شاء، حتّى الانتقاد.
أمّا عن مقالتيه، الأولى التي ذكر فيها الكنيسة في عكّار والأخرى التي أراد أن يبحث فيها في انتخاب مطران لطرابلس والكورة جديد، فما يبدو، جليًّا، أنّ المقالين يتضمّنان بعض تشويه. ففي المقال عن شدرا، قال “سعود” أشياء عن إهمال كنيسة لا يمكن نعتها بالإهمال، لا سيّما بعد أن تربّع على سدّة الأسقفيّة فيها المثلّث الرحمة المطران بولس بندلي. والثاني ختمه بذكر التمييز بين حياة الكهنة إن لجهة ملابس خدمتهم، أو نوع السيّارات التي يملكونها، وأيضًا “الثريّات المتلئلئة” التي تغيّرها “كنائس بيروت وجبل لبنان كلّ بضعة أشهر”. هل يضطرّ الكاتب، أحيانًا، إلى أن يكمل سطور مقالته كيفما كان؟ هنا، يعنينني كثيرًا أن يعرف الأستاذ غسّان، أوّلاً، أنّ المسؤولين، في الكنيسة، لا يحدّد رعايتَهم شعبهم عددُ المؤسّسات التي يساهمون في إنشائها في هذه الرعيّة أو تلك. ربّما هناك أناس، هذا معيارهم الوحيد. ولكنّ المعيار، الذي يجب أن يذكره الناس جميعًا، قريبين أو بعيدين، يتعلّق، تحديدًا، بعمل المسؤولين على أن يوافقوا التدبير الخلاصيّ بأن يكون مسيحُ الله أساسَ حياةٍ جديدة. شيء من المنطق يحتاج إليه الكلام على ما تقوم به الكنيسة، أيّ كنيسة، أو لا تقدر عليه حيث هي فقيرة مادّيًّا، أو ربّما لا يتصدّر هموم بعض قادتها. وهذا يتبعه الكلام على سيّارات الكهنة وملابسهم وثريّات الكنائس. لا أعرف ما هي الحكمة التي دفعت “سعود” إلى أن يخبط خبط عشواء في مقال أراد فيه موضوعًا آخر؟ هل وثق ببعض من تتأكّلهم العقد وحبّ التشويه؟ لا أستبعد أن يكون هذا ممكنًا. إذًا، يبقى عليه، فيما نحبّه أن يدقّق في ما يطرحه علنًا، أن يلزم أنّ كلّ كتابة رصينة لا تحتمل ارتجالاً، أو ركونًا إلى من استحبّ التشويه على الحقّ.
هذا، بانتظار أن يختار المجمع الأنطاكيّ المقدّس، للروم الأرثوذكس، مطرانًا جديدًا لأبرشيّة طرابلس والكورة وما يليهما، على حسب قلب الله، من الأسماء التي ذكرها “سعود” أو من غيرها، لا أقدر على أن أتركه من دون أن أرجو له كلّ الخير في حياته وعمله، وأن أرجو منه، حبًّا بالحقّ الذي هو أغلى ما في الوجود، أن يتجاوز قسوة بعض العبارات، حيث تبدو في هذا الردّ، ويقبلها بطراوته التي أُخبرت عنها.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share