كلمة الأستاذ كابي حبيب في لقاء العمل المسكوني

mjoa Thursday December 10, 2009 391
كلمة الأستاذ كابي حبيب في اللقاء الذي نظـّمته لجنة العمل المسكوني والعلاقات مع سائر الأديان في حركة الشبيبة الأرثوذكسية – مركز جبل لبنان ، يوم الجمعة 4/12/2009

دور الشبيبة في نشأة الحركة المسكونية

اشكركم لاجتماع اليوم الذي يبرهن على أن الحركة المسكونية  ليست فقط مهمّة القيادات الكنسية بل هي أيضا قضية القاعدة الشعبية ولا سيما الشبيبة الأرثوذكسية والمسيحية بصورة عامة. إذن أشكركم جميعا لهذا الاندفاع باتجاه إعادة وحدة المسيحيين في الكنيسة الجامعة، المقدسة الرسولية في هذا المشرق وفي العالم أجمع .


اولاً: الحركة المسكونية العالمية

أود أن أذكّركم الآن بالتوجهات الأرثوذكسية العامة التي أدّت إلى إنشاء وتطوّر الحركة المسكونية العالمية.

أ- دور البطريركية المسكونية

في العام 1902 وجّه البطريرك المسكوني يواكيم الثالث رسالة الى الكنائس الأرثوذكسية أثار فيها قضية الوحدة المسيحية وعلاقات الأرثوذكس بالكاثوليك والإنجيليين. وفي الرسالة التي وجّهها عام  1904ذكّر الأرثوذكس، وبواسطتهم جميع الذين يؤمنون بالمسيح، بقول بولس الرسول الى أهل كورنثوس “يا اخوة أتضرّع اليكم باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا كلّكم قولاً واحداً وأن لا يكون بينكم انشقاقات. بل كونوا ملتئمين في فكر واحد  وقول واحد”.

في عام 1920 وجّه البطريرك المسكوني آنذاك رسالة رعائية عامة الى الكنائس الأرثوذكسية اقترح فيها إقامة شركة بين الكنائس المسيحية قائلا: “أن لقاء الكنائس والشركة بينهم وتعاونهم في الخدمة يجب أن لا يرفض بسبب الفوارق العقائدية بينهم”. لقد وجّه رسالة أيضاً إلى الكنائس المسيحية الأخرى جاء فيها: ” أحبوا بعضكم بعضاً في قلب طاهر” كما جاء في رسالة بطرس الأولى (1: 22).

ب- دور الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية

لقد اشتركت الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية في تأسيس مجلس الكنائس العالمي  عام 1948 بواسطة مندوبين عنها كان بينهم  سيادة المتروبوليت جورج خضر، مؤسس حركة الشبيبة الأرثوذكسية. فيما بعد، اغتـنـت هذه الكنيسة الانطاكية من اللقاءات التي أجرتها، عبر المجلس، مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى ومع الكنائس الإنجيلية والكاثوليكية بصورة عامة. كما أنها استفادت من دعم المجلس لشهادتها وخدمتها المحليّة. الأهمّ من ذلك، هو أنّ  الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية  قد لعبت دورًا بنّاءً في حياة المجلس، اذ إنّها ساعدت على تنسيق آراء الكنائس الأرثوذكسية الأخرى المتعلّقة بأهداف المجلس وبرامجه. كان الأسقف أغناطيوس هزيم ، لمدّة طويلة، عضوًا في اللجنة المركزية للمجلس، وفيما بعد أصبح رئيسًا له بعد انتخابه بطريركًا على الكرسي الأنطاكي.

ثانيًا:  الحركة المسكونية في الشرق الأوسط

أ- دور حركة الشبيبة الأرثوذكسية الأنطاكية

يذكّرني هذا الموضوع بأيام الصبا، حين كنت عضواً في فرقة للطلبة تابعة لحركة الشبيبة الأرثوذكسية التي كانت تدعو للنهضة الروحية الكنسية، وبواسطتها للوحدة المسيحية الضائعة . اتخذت الفرقة، التي كنت أنتمي إليها، والتي كان رئيسها الأخ ريمون رزق، اسم القديس أغناطيوس الأنطاكي، الذي كان قد ركّز حيزاً مهمّاً من تفكيره على وحدة الكنيسة حول الاسقف المحلـّي.  لذلك كان  برنامج فرقتنا يتضمّن ،إلى جانب دراسة الكتاب المقدّس وفكر الآباء القديسين والقضايا الاجتماعية المعاصرة، مسألة وحدة الكنيسة المسيحية وشهادتها في عالم اليوم. ولما كان قادة الحركة يطلبون منّا ترجمة الأقوال التي كنّا نسمعها من قادتنا  الى أفعال ممكنة،  صرنا نقوم بزيارات مكثـّفـة  لمجموعات الطلبة الكاثوليك، وشبيبة الكنائس الإنجيلية. قادنا ذلك إلى الاعتقاد بأنّه من الضروري تعميم النهضة الروحية على مختلف هيئات الشبيبة المسيحية في لبنان والشرق الأوسط،  وذلك من أجل مساعدتهم على اكتشاف أسباب كارثة الانشقاقات الكنسية في تاريخهم ، ومن أجل السعي معاً إلى إعادة الوحدة الكنسية استجابة للمطلب الإلهي الذي نقله لنا يوحنا الإنجيلي”بأن يكونوا واحداً كما أنت فيّ وأنا فيك… وأن يكونوا واحداً فينا حتى يرى الكلّ أنـّك أرسلتني”.

نتيجة التطورات المسكونية العالمية، والعلاقات التي قامت بها حركة الشبيبة الأرثوذكسية مع الشبيبة والطلبة الكاثوليك والإنجيليين في لبنان، أسس في بيروت المكتب المسكوني للشبيبة والطلبة في الشرق الاوسط  بدعم مشترك من قبل  دائرة الشبيبة التابعة لمجلس  الكنائس العالمي  والاتحاد العالمي للطلبة المسيحيين. وبصفتي عضو في حركة الشبيبة الأرثوذكسية ،طـُلب مني أن أكون المسؤول عن هذا المكتب الجديد. وقد اكتشفت، خلال عملي فيه، أنه كان مؤشراً لأهمية الأرثوذكس في المشرق، ولدورهم الإيماني والفعّال في بناء الحركة المسكونية الإقليمية.

عام 1964، عقدنا في برمّانا – لبنان، وباسم المكتب المسكوني للشبيبة والطلبة في الشرق الأوسط، لقاءً للشبيبة الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية بعنوان “ها أنا أصنع كلَّ شيء جديدا” من كتاب الرؤيا.  كان بين المشاركين في هذا للقاء، على ما أذكر، سيادة الأسقف أغناطيوس هزيم الذي أصبح فيما بعد، بمشيئة الله، بطريرك الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس.  أكـّدنا حينئذ ضرورة تعميم النهضة الروحية على جميع الكنائس بهدف المساعدة على التخلـّص من التراكمات التاريخية التي عزلت هذه الكنائس  بعضها عن بعض، وعلى إقامة الحوار فيما بينها من أجل إعادة اكتشاف وحدتها الكنسية وإحياء الشهادة المشتركة .  وقد سرّني أن أكتشف انذاك أن الشبيبة قد تعاونت بحرية كاملة مع قادة الكنائس واللاهوتيين في إطلاق حركة مسكونية إقليمية. فأعتبر هذا اللقاء خطوة نوعية مهمّة في مسيرة الحركة المسكونية التي ارادت منها الشبيبة المسيحية أن تعطي شعوب المنطقة دليلاً جديداً على نوعية  الدعوة المتأصّلة بالمحبة المحرّرة والموحّدة؛ وبالتالي على إرادة المسيحيين في تخطي أسياد هذا العالم وفلاسفته الذين ساهموا في تشتيتهم في الماضي، كنائس وفرقاً مختلفة. بالنهايـة قد أدى هذا اللقاء الى إحياء فكرة إنشاء مجلس لكنائس الشرق الأوسط الذي كانت  الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية من أهمّ مؤسسيه.

ب- دور كنائس الشرق الأوسط

في ضوء التطورات المسكونية العالمية، وتوجّهات الشبيبة المسيحية في الشرق الأوسط ،بدأت في بيروت- لبنان، عام 1965مفاوضات باتجاه العمل المسكوني المشترك بين ممثلي الكنائس الارثوذكسية “الخلقيدونية” و “غير الخلقيدونية” من جهة، وممثلي الكنائس الإنجيلية من جهة أخرى. دُعيتُ آنذاك لأكون أمين السرّ الأرثوذكسي لهذه المفاوضات  التي تركّـزت على إمكانية إيجاد طرق صالحة لحوار مسكوني فعّال، وللشهادة المسيحية في الشرق الأوسط. وقد تكللت هذه  المفاوضات بالنجاح وقادتنا عام 1974 الى عقد اجتماع تأسيسي لمجلس كنائس الشرق الأوسط.  كان الموضوع العام لهذا الاجتماع :”رسالتنا المسيحية المشتركة في الشرق الأوسط”. وفيما بعد، عقدت في الثمانينات مفاوضات مع الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، نتج عنها انضمام هذه الكنائس الى عضوية مجلس كنائس الشرق الأوسط في عام 1990 . وبذلك أصبح المجلس ملتقى الإرادات المسيحية الهادفة الى تخطـّي الماضي الذي تميّز بالانشقاق الكنسي، الى مستقبل يجب ان  يتميّز بالوحدة والشهادة المشتركة في الشرق الأوسط. كما أصبح المجلس محاولة تصحيح لحركة مسيحية تبشيرية غربية كانت قد تجاهلت في الماضي الكنائس المحلّية ولا سيما الكنيسة الأرثوذكسية،كممثلة للكنيسة المسيحية في العالم في شهادتها للعدالة والسلام بين شعوب هذه المنطقة المعذبين من جراء الحروب السياسية والدينية، والصراعات الاقتصادية والاجتماعية.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share