“في مكوك الزمن أحيك لباس الله الحي “

mjoa Thursday June 24, 2010 159
“في مكوك الزمن أحيك لباس الله الحي “
عن خاتمة كتاب ” بولس الرسول ” للكاتب جوزف هولزنز ،ترجمة البطريرك الياس الرابع ،منشورات معهد القديس يوحنا الدمشقي البلمند .(ص 451-452)

و كمشهد بطولي هكذا تقف أمامنا هذه الحياة الفريدة الملتهبة بالهوس، الفياضة ببروق المعرفة النيرة و الوضاءة بالرؤى.المحور يكتب بوضوح.بدائته و نهايته تضيعان وسط عالم يخطو نحو الدمار .بيد أن اليوم الجديد،يوم المسيح سيخلق نظاماً عالمياً جديداً كما يقول الشاعر الروماني “سينبلج صبحه عند المنتهى”. و الانسان الذي جلس وراء آلته في أفسس و قورنثية و في سجنه الخنّاق في روما و كتب رسائله الملهمة يمكنه أن يقول :

“في مكوك الزمن أحيك لباس الله الحي “

اذا كان هناك من يستطيع أن يفاخر بأنه حاك سجادة الحضارة الغربية الغنية ،مستعملاً النول الالهي فإن هذا الرجل الطرسوسي حائك الخيام . لا شكّ في أن بولس هو من أعظم الشخصيات اطلاقاً و من أكبر مشكلي المسيحية الغربية .
ما هي مقوّمات عظمة بولس الشخصية؟ كلّ شيء كبير كان بسيطاً ويبسط كلّ نواحي الحياة المتعددة. العالم اليهودي اليوناني حيث عاش بولس كان قد ضاع ونسي منذ أمد . المواضيع و الدوافع التي كانت تحرّك طاقات الحياة قد تُخطيت ،الّا أن الروح الّذي كان يستعمله ليحلّ هذه المواضيع بقي و صار روح الحضارة المسيحية الأوروبية.كل شيء أرضي و عرضي هو كمطرقة القدر التي تطرق الحجارة فتخلق الشرار الالهي.كلّ الأمور الزائلة تتداعى كالثوب المهلهل ،بيد أن الذي لا زمان له يتجدّد في كل يوم و يقاوم التغيرات المستمرة.لا عظمة للإنسان بحد ذاته . الشيء الذي يجعله عظيماً هو عظمة الدعوة و تفانيه الذي لا يكلّ من أجل رسالة تفوق البشر.الذوبان المطلق للأنا الفردية في المسيح هو المحور الروحي لوجوده و فيه سرّ عظمة بولس.
كلّ شيء عظيم يؤثر في الحقيقة على المستقبل البعيد .في هذه النقطة يقوم معنى بولس بالنسبة للتاريخ.عندما و ضع الاسكندر الكبير مخطوط الألياذة في صندوق داريوس المهزوم كما يروي يوركهارت بطريقة أخاذة،  قام بدون ان يدري بفعل جدّ رمزي كما يفعل البشر في اللحظة التي يتمون فيها رسالة عليا. ألبَس الروح اليوناني غنى الشرق.وكانت الساعة التي ولدت فيها الهيلينية . إن الهيلينية هي الجسر الذهبي الذي اجتازه بولس و فرسانه و هم يحملون لآلىء الشرق إلى الغرب . و في هذه الأيام يجب أن نشعر بعمق بأن الانسان الذي شكل لأول مرة العقلية الاجتماعية الجديدة من روح معلمه الالهي و من أفضل ما تركه البشر في العالم القديم هو الطرسوسي و لا أحد سواه .إن هذا الخلق المسيحي هو العنصر الرّابط بين ما كان و ما هو الآن. ألفا سنة على و جه التقريب من التاريخ و أجنحته ترف في هذه الأجواء.
إن بولس الذي استخرج النتائج الأخيرة من أفكار معلمه الإلهي ليس إلًا اللّاغي للديانة اليهودية.عندما سقطت القشور عن عيني الرسول في دمشق آنذاك ظهر له المسيح كشيء جديد كلياً. إن الدفعة الحاسمة لم يأخذها من الّلحم و لا من الدم بل من الله . كل من يتجاهل هذا الغير الزماني ،هذا الفائق الوطن ،الفائق الطبيعة الذي يملكه بولس فهو معضلة لا تحلّ. هذه المعضلة لا تحلّ إذا قلنا إن بولس اليهودي أو بولس اليوناني بل إذا قلنا كليهما تحت بولس المسيحي . (…). إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة قد مضى القديم و ها إن كل شيء قد تجدد (1 كو 5:17). إنه كمسيحي يمكنه أن يكون الكل للجميع. هذه الروح هي روح بولس إنه اعلان للبشر المعاصرين . انه شعار الموعظة المسيحية المعاصرة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share