«المقاومة أثبتت قدرتها على ردّ الجيش الإسرائيلي»

mjoa Sunday November 7, 2010 112

نشر مركز حلب عبر البريد الإلكتروني المقابلة التي أجرتها جريدة’’ البناء‘‘ مع سيادة المتروبوليت جورج خضر راعي أبرشية جبل لبنان  وفي ما يلي تفاصيل:

«المقاومة أثبتت قدرتها على ردّ الجيش الإسرائيلي» 

المطران جورج خضر لـ«البناء»:الأساقفة العرب في السينودس عزّزوا حضور الإسلام على حساب حضور اليهودية

البناء: 5/11/2010  حاوره: ربيع الدبس

 

 يصعب على محاوره المزايدة على ثقافته المعمّقة وتبحّره اللاهوتي. منذور منذ فتوّته للكلمة المتجسدة والرأي القويم.. ومن تابعه منذ كتابه المفقود «فلسطين المستعادة»، إلى ذكرياته «لو حكيت مسرى الطفولة» إلى روائعه في «حديث الأحد» وسائر مقالاته وعظاته المستعادة كتباً عن دار «النهار» للنشر، يبدو ابن طرابلس شاباً في روحه، كهلاً في نضوجه وشيخاً في مشيبه. يأسرك صاحب القلم ـ الذهب ويسترق من وقتك الزمن الذي لا تندم فيه على استراق.. يغوص على اللآلئ الفكرية فلسفةً ولاهوتاً وسياسة وتنمية وعلوماً اجتماعية.. تستولي المحبة التي زرعها يسوع الناصري على عقله وقلبه ووجدانه، فينقلها من كرمة الجليل إلى كرمة لبنان والمشرق والمدى العربي الأوسع.. صوته الأجشّ جرسُ كنيسةٍ ومئذنةُ صُداح. آلمه الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين والاحتلال الأميركي للعراق.. شاقَتْه بحيرة طبريا التي أراد معاينتها ولمسها من مرتفعات الجولان السليبة. لكن أنطاكية لم تفارق محيّاه ولذا لم يضيّع بوصلته المشرقية ولا أنكر الجذور. متروبوليت جبل لبنان (جبيل والبترون وتوابعهما) المطران جورج خضر خصّ «البناء» بهذه المقابلة بعد عودته من روما مشاركاً في أعمال السينودس من أجل الشرق. { سيادة المطران، ثمة أسئلة تتزاحم في ذاكرة الاهتمام بعد اختتام أعمال السينودس من أجل الشرق الذي انعقد أخيراً في الفاتيكان. يمكننا تجزئة الأسئلة كما يمكننا دمجها. والأجوبة الإفرادية أو الجماعية رهن تقديركم. من الأسئلة التي تعنينا كصحيفة: هل السينودس حَدَث؟ لماذا كان السينودس لقاءً أو تجمعاً كاثوليكياً أكثر منه مجمعاً مسكونياً بالرغم من الوجود الرمزي لممثلين عن طوائف وأديان أخرى؟ وهل الكنيسة في ما يسمى الشرق الأوسط، شركةً وشهادة مقصورةٌ على مذهب واحد؟ هل تطرقت الوثيقة الأخيرة إلى الحضور المسيحي الجامع أو الواحد في المنطقة؟ وهل لحظت تلك الوثيقة شراكة المسيحيين المُحبّة مع مواطنيهم المسلمين والدروز في ما نسميه وحدة الحياة؟ ولماذا أُعطيتِ اليهودية ظهوراً قوياً في النصوص الإعدادية للسينودس؟ هل الموضوع لاهوتي أم سياسي؟ وكيف تنظرون إلى الفكرة اللافتة التي اصطلح البيان الأخير على تسميتها بالعلمانية الإيجابية؟ 

ـ لا بد أن يُعتبر هذا السينودس امتداداً أنشأه البابا بولس السادس عند انقضاء المجمع الفاتيكاني الثاني في أواسط الستينات وهي مؤسسة لمطارنة كل بلد، يجتمعون للنظر في شؤون الكنيسة. غير أنه لقاء استشاري وليس في الكنيسة الكاثوليكية مؤسسة ذات صفة تقريرية، بحيث إن هذا السينودس الذي انعقد مؤخراً في روما يكون استشارياً للبابا، فإنه سيصدر وثيقة خلال سنة من انعقاده، يأخذ فيها أو لا يأخذ تمنيات السينودس، أو يأخذ ما يشاء كما فعل يوحنا بولس الثاني لما زار لبنان وأتى بالإرشاد الرسولي، بناء على السينودس من أجل لبنان الذي انعقد قبلاً في روما، إذاً لا يَسُوغ أن تعتبر توصيات هذا اللقاء مقررات. إلى جانب هذا، لنا أن نتبين حالة الفكر في القيادات الكاثوليكية أهمها من الناحية اللاهوتية تأكيد أن الأسرار الكنسية مثل المعمودية وتناوُل القرابين، مرتبطة بشخص البابا بما يعبّر عنه «شراكة خليفة بطرس». هذا أمر لا حياد عنه ولا تخفيف له. الأمر الثاني أن هذه القيادة أمست قريبة الاعتراف بالشؤون الاجتماعية والسياسية، فقد نظرت على سبيل المثال إلى كل وضع الشرق الأوسط، وعنوان اللقاء كان يدل على اهتمامها بهذا فانكبّت على مشكلة الهجرة وتخصيصاً هجرة المسيحيين كمشكلة، ليس لديها حل لها. ولعل الأهم في هذا المجال أن الأساقفة العرب استطاعوا أن يضعفوا إلى حد أدنى الكلام الذي كان مطروحاً في المسودة عن اليهودية واليهود أنهم «قريبون منا» واستطاعوا أيضاً بمقدار عظيم أن يتبنّوا وأن يتكلموا عن القربى بين المسيحية والإسلام، وضخّموا مقدار الكلام المتعلق بالإسلام على الكلام الضخم الذي كان متعلقاً باليهودية. في اللاهوت الغربي منذ 1914 (وهو تاريخ صدور كتاب لكارل ماركس) إقرار إِعتقادي بأن الشعب اليهودي ما يزال شعب الله. وأن الوعود التي أعطيت لإبراهيم وتالياً لنسله العبري لا تزال قائمة. وعندما كان يُسأل اللاهوتيون الغربيون عما إذا كان المسيحيون شعب الله الجديد كان هؤلاء يترددون بين القول بأن اليهود لا يزالون كذلك وأن المسيحيين صاروا شعب الله. وكان اللاهوتيون الغربيون يتخبطون في ما إذا كان شعب الله واحداً أم اثنين ولا يزالون كذلك حتى اليوم. والمسيحيون في الغرب يعترفون بأن هذا الاهتمام الكبير الفكري باليهود ناتج عندهم من الهولوكوست المنسوبة لهتلر. وقبل المحرقة، كان هذا الكلام ضعيفاً في اللاهوت الغربي، ما يعني أن هذا الموقف انفعالي إلى حد كبير. ولا بد أن أضيف أنه في الفترة الأولى التي تلت إنشاء «إسرائيل» كان قسم كبير من اللاهوتيين الغربيين يؤكدون من جهتهم أن لليهود حقاً إلهياً في استيطان فلسطين، ثم تدريجياً أخذوا يُقلعون عن هذا الموقف ويدخلون في البحث عن حق الشعب الفلسطيني. بكلام آخر، هذا الغرام اللاهوتي الغربي باليهودية واليهود ليس له الآن أثر في الموضوع السياسي. وفي كل حال تحدثت الوثيقة عن العلمانية الإيجابية، بمعنى فك الارتباط الفلسفي بالعلمانية الغربية وتحديداً الفرنسية، بحيث تعني العلمانية عدم المزج بين السياسة والدين لا الإلحاد على سبيل المثال. { ما الجديد الذي أضافه السينودس؟ هل أطلق روحاً جديدة مثلاً؟ وهل أصبح الحديث عن المشكلات الاجتماعية والسياسية يعني، على الأقل معيارياً، أنها حقوق شاملة يدافع عنها جميع أبناء شعبنا من أجل الخير العام، أم أنها ما زالت تعني حقوق المسيحيين التي يجب المطالبة بها؟

 ـ لقد أقلع السينودس بوضوح عن التحدث في حقوق المسيحيين أو حماية المسيحية. وصرح بوضوح أن المسيحيين والمسلمين واحد في الشرق الأوسط من جهة الحرية وحقوق الإنسان. لكنني أحسست بأنه في تأكيده الشأن القومي والسياسي، قد تجاهل تقريباً التقارب الديني بين الكنائس المسيحية. من هنا كان للسينودس نبرة اجتماعية سياسية، أكبر من نبرته اللاهوتية. وجواباً على سؤال قاطعه، أجاب المطران جورج بلا تردد: «ليس هناك شيء حقيقي عن فلسطين في وثيقة السينودس». { كيف قرأتم أبعاد المجزرة التي حصلت في كنيسة سيدة النجاة في بغداد؟ ـ إن أعمال الإبادة لعدد من المسيحيين التي تتالت في العراق أثناء هذه الحرب، لا أجد لها ركيزة في حياة العراق السابقة، بمعنى أن العراق، ربما كان إحدى أكثر الدول العربية تعلقاً بالعروبة. وإن القضية الدينية ما كانت أبداً مثارة، إلا من زاوية التنافس بين الشيعة والسنة على الحكم. أما في الحياة الشخصية والوطنية العامة، فلم يكن ثمة تنكّر للمسيحيين ونسي العراق تقتيل الحكم الفيصلي للمسيحيين في بداية الثلاثينات حيث اتهمهم بمحاولة إقامة وطن مسيحي أشوري.. وتحصيلي أن هذا الإرهاب ليس نابعاً من صميم الشعب العراقي، ولكن الجرح بليغ وإحساسي أن الذين قُتل أفراد من عائلاتهم يصعب عليهم الرجوع أو ليسوا ميالين للعودة إلى عراقهم. { هل تعتقدون أن للموساد و»اسرائيل» دوراً في الحدة الانقسامية داخل العراق؟ ـ لا يمكن بدءاً تبرئة «الإسرائيليين» من مسؤولية المجازر لأن كل الدراسات عن قراءة دولة «إسرائيل» للبلاد العربية انها تكره المسيحيين العرب أولاً. وما أقوله مرتكز على نصوص موثقة، لا على رأي شخصي. { كيف ترون الوضع في لبنان: هل يمكنه الاتجاه إلى دولة مدنية أم أنه صائر إلى المجهول؟

 ـ صحيح أن مخطط سايكس ـ بيكو قسّم المنطقة ورسّخ الكيانية. إلا أنني أذكر هنا أنه لم يجر بحث في اتفاق سايكس ـ بيكو عن إنشاء كيان اسمه لبنان. هذا أمر لا يعرفه الكثير من الناس. وبعد ارتضاء الحكم الفرنسي عام 1920 لفكر الجنرال غورو تقبّلت فرنسا تأسيس دولة لبنان. ثم أخذت الدول المؤثرة في السياسة العالمية تَقْبَلُ لبنان. وشعوري أن أميركا والدول المتوسطة المؤازرة لها ليس لديها مشروع لتغيير وضع هذا الكيان الآن. ولكنْ ليس لدولة كبرى أو متوسطة همّ في إنعاش لبنان حتى يصير دولة هامة في المنطقة. فالدول تحرص على ألاّ تثار مشاكل أمنية كبيرة، وليدبر لبنان نفسه من الداخل. ولكنْ في ظل ما يحصل هنا وهناك، من تحسس طائفي كما في يوغوسلافيا السابقة، يبدو العالم الآن منفعلاً كثيراً بالشأن الديني في معناه الطوائفي، إلى أن يجد لبنان توازناً جديداً له… إنه ليس سهلاً مثلاً أن يقبل الموارنة انكفاءهم عن الأولية السياسية في البلد، ولكن ليس لديّ شعور أن حزب الله في طموحه الكبير إلى لعب الدور الأول يسعى إلى تغيير الملامح الديمقراطية في البلد. لذلك يبدو البلد إلى حين، يحافظ على التشدد الطائفي. لقد أثبتت المقاومة أنها قدرت في تموز 2006 أن تردّ الجيش «الإسرائيلي». ومن الواضح أن جيشنا لا يكفي لعمل كهذا. ثم إن الكثير من قوة المقاومة يعود إلى إيديولوجيتها الدينية وحماستها الإيمانيّة. إذن القول بانضمامها إلى الجيش اللبناني يضعف ديناميتها.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share