الخمرة الجديدة في الزقاق الجديدة

mjoa Thursday December 23, 2010 434

العمر المستهدف: 15-18 الثانوي

الخمرة الجديدة في الزقاق الجديدة
مرقس الاصحاح التاني(18-22)
النص
وكان تلاميذ يوحنا والفريسيون صائمين، فأتاه بعض الناس وقالوا له:” لماذا يصوم تلاميذ يوحنا وتلاميذ الفريسين، وتلاميذك لا يصومون؟” فقال لهم يسوع: ” أيستطيع اهل العرس ان يصوموا والعريس بينهم؟ فما دام العريس بينهم لا يستطيعون ان يصوموا. ولكن ستأتي ايام فيها يُرفع العريس من بينهم. فعندئذ يصومون في ذلك اليوم. ما من احد يرقع ثوباً عتيقاً بقطعة من نسيج خام، لئلا تأخذ القطعة الجديدة على مقدارها من الثوب وهو عتيق فيصير الخرق اسوأ. ومن احد يجعل الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمرُ الزقاق، فتتلف الخمر والزقاق معاً. ولكن للخمرة الجديدة زقاق جديدة”.
تركيب النص

المقدمة
18 وكان تلاميذ يوحنا والفريسين صائمين
الأسئلة
فأتاه بعض الناس وقالوا له: ” لماذا يصوم تلاميذ يوحنا وتلاميذ الفريسين وتلاميذك لا يصومون”
الجواب
19 فقال لهم يسوع:” أيستطيع اهل العرس ان يصوموا والعريس بينهم؟ فما دام العريس بينهم لا يستطيعون ان يصوموا. 20 ولكن ستأتي ايام فيها يُرفع العريس من بينهم فعندئذ يصومون في ذلك اليوم.
التعليق
21 ما من أحد يرقع ثوباً عتيقة بقطعة من نسيج خام، لئلا تأخذ القطعة الجديدة على مقدارها من الثوب وهو عتيق، فيصير الخرق اسوأ. وما من أحد يجعل الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الزقاق، فتتلف الخمر والزقاق معاً. ولكن للخمرة الجديدة زقاق جديدة”.

نستطيع ان نُرتب‎ النقاش على النحو التالي: وصف الوضع الذي سبّب شكّاً ( الآية 18أ)، اعتراض خصوم يسوع ( الآية 18 ب)، ويأتي هنا على شكل سؤال، وفي النهاية يتبلور الجواب النهائي ( الآية 19-22).

يتضمّن النص مقدمة تعالج موضع الصوم، والذي من خلاله يتم التمييز بين تلاميذ يسوع وتلاميذ يوحنا والفريسيين ( الآية 18). والجواب الذي يتبع، يشَّبه تلاميذ يسوع  بأهل العريس، ويتكلم عن الصوم مميزاً بين وجود العريس وعدم وجوده ( الآية 19-20). وفي النهاية نجد كلمتين تشبيهيّتين، ” الثوب ” الآية 21 و ” النبيذ ” (الآية 22)، كتعليق عما قيل بخصوص التناقض يبن الجديد والقديم، وينتهي النص بدعوة الى الحياة الجديدة المُعبّر عنها في الدعوة الموجهة إلينا :” الخمرة الجديدة في الزقاق الجديدة”  (الآية 22).                                 

التفسير:
اراد اليهود مقاومة السيد في طقس العبادة كما عاشها تلاميذه، إذ قالوا له: “لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيون، وأما تلاميذك فلا يصومون؟” [18]
لعل بعض تلاميذ يوحنا قد تسلل إلى قلبهم شيء من الغيرة فقد نظروا معلمهم ناسكًا جدًا في كلماته كما في أكله وشربه وملبسه ومع هذا ينحني أمام السيد المسيح ويدفع بتلاميذه إليه، ولم يكن السيد المسيح ناسكًا في أعينهم، ولا ألزم تلاميذه بأصوام يمارسونها مثلهم! أما تلاميذ الفريسيين فرأوا في معلميهم أنهم ينهارون أمام السيد، فقد كانت الجماهير تتركهم بالرغم مما بلغ إليه الفريسيون من مرتبة دينية وما يمارسونه من عبادات خاصة الصوم.
لم ينتقد السيد تلاميذ يوحنا ولا تلاميذ الفريسيين، وإنما كعادته حوّل النقاش إلى كشف عن مفاهيم لاهوتية روحية جديدة تمس حياة الإنسان كله، أهمها:
أولاً: لم يقلل السيد من شأن الصوم، ولا أعلن امتناع تلاميذه عنه مطلقًا، وإنما سحب قلوبهم من الرؤيا الخارجية للأعمال النسكية الظاهرة إلى جوهر العبادة، وغاية النسك ذاته، هو التمتع بالعريس السماوي نفسه، إذ يقول: “هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟” [19]… أنه يأتي وقت فيه يمارس التلاميذ والرسل الصوم بحزمٍ، لكنه أراد في فترة وجوده بالجسد في وسطهم أن يسحب أنظارهم وأفكارهم وقلوبهم للفرح بالعريس نفسه، يتعلقون به، مشتهين أن يوجدوا حيث هو كائن. بعد ذلك إذ يرتفع عنهم جسديًا ويرسلهم للكرازة يلتزمون بالصوم بثبات لأجل تمتع كل نفس بعريسهم.
ثانيًا: يرى القديس كيرلس الكبير أن الفريسيين إذ لم يستطيعوا مقاومة السيد مباشرة هاجموه في شخص تلاميذه لعدم صومهم، ولم يدرك هؤلاء الفريسيون أنهم يصومون ظاهريًا أما قلوبهم فمملوءة شرًا، بينما كان التلاميذ يمارسون صوم القلب الداخلي ليصوموا أيضًا بالجسد في الوقت المناسب. يقول القديس كيرلس: [أتدرك أيها اليهودي حقًا معنى الصوم؟ يقول إشعياء: “ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخرون، ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر… أمثل هذا يكون صوم أختاره… يقول الرب” (إش 58: 3-5). فعليكم إذن وزن أنفسكم أيها اليهود، فإنكم تجهلون ما هية الصوم ومع ذلك تلومون التلاميذ لأنهم لا يصومون على شاكلتكم. ولننظر نحن إلى الصوم من ناحية أخرى، فأولئك الذين استناروا بحكمة المسيح يصومون صومًا ذهنيًا، وذلك بتواضعهم أمام الحضرة الإلهية، وتأديب أنفسهم طوعًا لا كرهًا بالعمل والتقشف، فإن هذا لمدعاة إلى غفران ذنوبهم أو نيل نعمة روحية جديدة أو قتل ناموس الخطية التي يسود أعضاء الجسد اللحمية. ومثلك يهمل أيها الفريسي هذا الصنف من الصوم، لأنك رفضت قبول العريس السماوي غارس الفضائل ومعلمها يسوع المسيح المخلص والفادي… أرجو مرة أخرى أن تلاحظوا الطريقة التي اتبعها المسيح في لفت نظر الفريسيين إلى الحقيقة المرة، وهي أنه لا نصيب لهم في الوليمة وأنهم غرباء (ليسوا بني العرس كالتلاميذ) لا يحسون بالسرور ولا يشتركون في الموكب العام، فقد ظهر مخلصنا للعالم، وكان ظهوره إعلانًا للبهجة والسرور لأنه اتحد بطبيعة الإنسان فأصبحت كأنها عروس له تثمر بعد العقم وتتبارك بذرية كثيرة العدد، فالذين دعاهم المسيح عن طريق الرسالة الإنجيلية هم أبناء العريس، أما الكتبة والفريسيون الذين مالوا بكليتهم إلى ظل الناموس فليس لهم نصيب مع المسيح.]
ثالثًا: يفسر البعض كلمات السيد المسيح بأن الإنسان إذ يسلك بالروح بقلبٍ مقدسٍ في الرب يكون كمن في وليمة العرس، متهللاً بمسيحه، لكنه إذ يخطئ يشعر كأن العريس قد رُفع عنه، فيمارس أعمال التوبة بأنات مستمرة حتى يرد له الرب فرحه وبهجته بتجلية في قلبه. كأن الصوم هنا لا يعني مجرد الامتناع عن بعض الأطعمة، وإنما ممارسة التوبة بكل أعمالها في القلب داخليًا من ندامة ومطانيات وصرخات!
رابعًا: حوّل السيد أنظارهم من ممارسة الصوم إلى التغير الكامل الذي يليق بتلاميذه أن ينعموا به، إذ قال: “ليس أحد يخيط رقعة جديدة على ثوب عتيق، وإلا فالملء الجديد يأخذ من العتيق، فيصير الخرق أردأ. وليس أحد يجعل خمرًا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف، بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة” [21-22].
إن كان قد أعلن أن تلاميذه يصومون حين يرتفع العريس عنهم، لكنهم أيضًا يصومون بفهمٍ جديدٍ يليق بالعهد الجديد. فبعد صعوده حلّ الروح القدس عليهم، فصاروا أشبه بثوبٍ جديدٍ أو زقاقٍ جديدٍ، يحملون الطبيعة الجديدة التي على صورة خالقهم، يمارسون العبادة بفكر جديد. بعد أن كان الصوم في العهد القديم حرمانًا للجسد وتركًا، صار في العهد الجديد تحريرًا للنفس وإنعاشًا للقلب في الداخل.
بمعنى آخر لم يرد الرب أن يمارس تلاميذه الصوم بالمفهوم الجديد وهم لا يزالون كثوب قديم أو زقاق قديم، إنما إذ تجددت حياتهم بانطلاقه وإرسال روحه القدوس عليهم مارسوا الصوم بفكرٍ مسيحيٍ جديدٍ ولائقٍ.
ما هي الرقعة من القطعة الجديدة إلا الصوم بكونه جزءً من تعاليم السيد، فإنها لا تحيط على ثوب عتيق، وإنما ليتغير الثوب كله بالتجديد الكامل بالروح القدس، وعندئذ نتقبل القطعة الجديدة، أي الصوم بالمفهوم الجديد كجزء لا يتجزأ من العبادة كلها. هكذا لا نتقبل الصوم في مفهومه الجديد – كخمر جديدة – في زقاق قديم، إنما ليتجدد زقاق حياتنا الداخلية فيتقبل الخمر الجديد.
يقول القديس كيرلس الكبير: [كانت قلوب اليهود زقاقًا قديمة لا تسع خمرًا جديدة، أما القلب المسيحي فقد وهبه المسيح بركات روحية فائقة، فتح الباب على مصراعيه للتحلي بمختلف الفضائل السلمية والسجايا العالية .]
يقول القديس أمبروسيوس: [ينبغي ألا نخلط بين أعمال الإنسان العتيق وأعمال الإنسان الجديد، فالأول جسدي يفعل أعمال الجسد، أما الإنسان الداخلي الذي يتجدد، فيليق به أن يميز بين الأعمال العتيقة والجديدة، إذ حمل صبغة المسيح، ولاق به أن يتدرب على الإقتداء بذاك الذي وُلد منه من جديد في المعمودية… لنحتفظ بالثوب (الجديد) الذي ألبسه إيانا الرب في المعمودية، فما أسهل تمزيقه إن كانت أعمالنا لا تتفق مع نقاوته.]
المرجع : تفسير الكتاب المقدس للقمص  يعقوب تادرس ملطي

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share