أحاد التهيئة للصوم الكبير المقدس

mjoa Thursday February 17, 2011 291

التهيئة للصوم الكبير

المؤمن العازم على دخول في رحلة الصوم عليه أن يعلم أنه في رحلة روحية غايتها الفصح “عيد الأعياد وموسم المواسم”، يفهم من خلالها الارتباط بين الصوم والفصح لأنها رحلة تستكشف الأساس المتين للإيمان المسيحي.
 إننا نعيد لقيامة الرب يسوع المسيح كأمر حدث وما زال يحدث لنا ولكننا نضيع  هذه الحياة الجديدة ونخونها بسهولة في متاهات الرذيلة وصنوف الخطايا فتدعونا الكنيسة للعودة إليها بالتوبة والصوم….

 

آحاد التهيئة للصوم الكبير
الأحد الأول: أحد زكا
في الأحد الأول نقرأ قصة زكا (لو19: 1-10) قصة إنسان قصير القامة رغب كثيراً في رؤية الرب يسوع ولكنه لم يقدر بسبب قصر قامته فتسلق شجرة جميزة قريبة ليراه فاجتذب انتباه يسوع وأجابه يسوع وذهب معه إلى بيته. موضوع الإعلان الأول هو الرغبة فالإنسان يتبع رغباته ويمكننا القول بأنه هو رغبة ولكن السؤال المطروح هنا: هل نرغب في الأمور الواجب أن نرغبها؟ أو ينطبق علينا قول ذلك الفيلسوف الوجودي: الإنسان رغبة غير نافعة!!!! زكا رغب في “الشيء الصحيح” لقد أراد أن يقترب إليه وهذا هو الوجه الأول للتوبة إذ إن التوبة تبدأ عندما يكتشف الإنسان الأساس العميق لكل رغبة (الرغبة للحياة الحقيقية), زكا كان إنساناً خاطئاً حقيراً لكن رغبته جذبت انتباه يسوع وأتت به إلى منزله. فعلينا أن نقر بالجوع والعطش إلى يسوع فإذا انحرفنا عنه وأبعدتنا رغبتنا عنه تصبح رغبة غير نافعة, وإذا كنا نرغب بعمق وبقوة فالرب يستجيب لرغباتنا فنبدأ مسيرة الشبع به.

 

الأحد الثاني: أحد الفريسي والعشار
 نبدأ في غروب أحد الفريسي والعشار استعمال كتاب التريودي كلمة “تريودي” تعني الثلاث أوديات (أو قصائد) وهي التي ترتل في صلاة السحر, وتقدم لنا صلوات التريودي المظهر الثاني من مظاهر التوبة الأساسية وهو التواضع. يصف إنجيل هذا الأحد (لو18: 1-14) إنساناً معجباً بنفسه متمماً لكل واجباته الدينية فخوراً بنفسه مشوهاً لمفهوم اتباع الوصايا، قاصراً إياه على المظاهر الخارجية. وقاس تقواه بمقدار المال الذي يدفعه للهيكل أما العشار فقد تواضع وبرره تواضعه أمام الله. يجب ان نفهم مسبقا ان التقشف لا ينفع شيئا بلا تواضع, ذلك الذي يقترن بتعب الجسد. ولكن السؤال المطروح هو كيف يصير الإنسان متواضعاً؟ الجواب يأتينا بتأمل المسيح, التواضع الإلهي المتجسد, الكشف الإلهي للمجد المتواضع, تعلموا منه فإنه وديع ومتواضع القلب, بدون المسيح, يصير التواضع الحقيقي مستحيلاً. يجب ألّا يستسلم الانسان كالفريسي للمجد الفارغ، فالإنجيل يحثه على الصلاة الدائمة الملحة وان يمتنع كلياً -خاصةً في الصوم- عن دينونة الآخرين إن لم يكونوا “مثله”.  يبدأ موسم الصوم بصلاة التواضع “بدء التوبة الحقيقية” فالتوبة هي عودة للنظام الحقيقي مؤسسة للتواضع وهو ثمرتها وغايتها.

 

الأحد الثالث: أحد الابن الشاطر
 نقرأ في الأحد الثالث إنجيل الابن الشاطر (لو15: 11-32) يكشف لنا هذا الإنجيل أن التوبة هي عودة من المنفى, الابن الشاطر ذهب إلى بلاد بعيدة وأنفق كل ما أخذه كنصيبه من والده, وبعد عيشه حياة الخطيئة “رجع إلى نفسه” هذا ما يسميه آباؤنا امتحان القلب وما يسميه آخرون فحصَ الضمير. إنه ساعة وعي، وعي الشاب أن أباه عنده ما يكفي لإعاشة كل أهل بيته. وتصور أن أباه سيقبله. ولكنه أدرك قبل ذلك أنه أخطأ إلى السماء. الخطيئة هي جرحنا لله قبل أن تكون جرحًا للناس. ولكن الوعي مع الندم لا يكفي, فالندم لا يعني أن تعترف أمام الكاهن فقط. مطلوب منك أن تعتذر من الذي أخطأتَ إليه. لن نتكلّم عن الابن البار الذي حسد أخاه. هذا تذكير من السيد أننا مدعوون الى محبّة الخطأة الذين إن عادوا  يكون نصيبهم مثل نصيب الأبرار. هذا المثل الذي سُمّي مثل الابن الشاطر عند شارحيه مع أن هناك ابنين هو في الحقيقة مثل الأب الشفوق الذي يغفر دائما للعائدين اليه لأنّه يحبّهم مجانا.

الأحد الرابع: أحد الدينونة (أحد مرفع اللحم)
من محبة الكنيسة الأرثوذكسية للصوم كموسم ننتظره ونستعد له بفرح. جعلت لنا أسبوعا يسبقه ندخل فيه جزئيا بالإمساك إذ نمتنع عن اللحم محافظين على البياض. في سبت مرفع اللحم تدعوا الكنيسة للذكرى العامة لجميع الذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية وهنا نجد أن الكنيسة هي كنيسة محبة, فالمسيح حياة وإذ نحن نحب المسيح, نحب جميع الذين فيه, وإذ نحب الذين فيه فنحن نحب المسيح. فالمحبة هي موضوع الأحد الرابع وإنجيل هذا الأحد (مت25: 31-46) فالسيد لا يعطي الرحمة اعتباطا ولا يمسكها اعتباطا ,وسيكون مقياسه في الدينونة هو المحبة فهي ليست اهتماما بأشخاص فقيرين محتاجين بشكل اجتماعي بل محبة حقيقية لأشخاص حقيقيين يضعهم الله في طريقنا.
وضعت الكنيسة هذا الإنجيل قبل الصوم لأن بعضا من الصائمين قد يظنّون أنّهم “يشترون” المسيح. الصيام ليس استعطافا لله إلا إذا دعوته ليملأ قلبك .
وتريد الكنيسة منّا الصوم كجهاد نتروّض فيه على محبّة القريب, المحبة المسيحية هي “الإمكانية المستحيلة” لرؤية المسيح في الإنسان الآخر فالمطلوب أبعد من ممارسة الإحسان بحد ذاته للمحتاج بل أن أجعل من هذا الإنسان الذي عرفته للحظات معدودة رفيقاً على درب الله فالمحبة أو الحب تتجاوز المظهر الخارجي للآخر وتتجه نحو أعماق نفسه وكيانه أن تبلغ ما هو إلهي فيه!! وهذه هي رسالة الكنيسة هنا أن تذكر الإنسان بهذه المحبة الشخصية ليملأ هذا العالم الخاطئ بها.فمن أحب الله في الإخوة لا يدينه الله.

 

الأحد الخامس: أحد الغفران (أحد مرفع الجبن)
آخر بموته وقيامته وهي المنتظرة خلال هذا الصوم. والذين لا يفهمون الصوم يبررون أنفسهم بتعييرنا، لماذا نمسك عن طعام ولا نمسك عن الرذائل كأنهم لا يرتكبونها وكأننا وحدنا نرتكبها. نحن لا نباشر الصيام بالحزن إلا إذا أردنا بذلك الحزن على خطايانا، ولذلك نقول في صلاة غروب (الأحد مساء): “لنبدأنّ أوان الصيام بحبور” .نحن طلاب فرح لأن كل همنا في هذه الحقبة أن ننتظر الفصح وان نتذوقه خلال أيام منورة، ونؤكد أن صومنا عن الأطعمة يرافقه صومنا عن الأهواء أي عن حوافز الشهوة. إن بدء الصيام ونهايته يكون في اعتبار الآخر أخا. حتى يكون نور القيامة مضيئاً مسيرتنا الصيامية نحو الكشف الإلهي عن الخلاص.يوم قبل بدء الصوم, ويرد في السنكسار (تذكار نفي آدم أول الجبلة من الفردوس) وهذا يذكرنا بهدف الصوم وهو إعادتنا نحن عبر المسيح يسوع إلى فردوس النعيم, آدم القديم طرد من الفردوس ولكن آدم الجديد أعادنا إليه

المراجع :
– رحلة في زمن التريودي ( المطران جورج خضر )
– الصوم الكبير ( الأب ألكسندر شميمن )
– الشبكة الأرثوذكسية العربية الأنطاكية.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share