عظة سيادة المطران خضر في دفن الأرشمندريت المتوحد الأب الياس مرقس

mjoa Friday February 25, 2011 282

عظة سيادة المطران جورج خضر في دفن الأرشمندريت المتوحد رئيس دير الحرف الأب الياس مرقس
دير القديس جاورجيوس – دير الحرف، الخميس في 25 شباط 2011
«
حيّ هو الله الذي أنا واقف أمامه».
السادة الإخوة الأحبار، إخوتي الكهنة والشمامسة،
يا أحبة،
عندما كان شفيع أخينا الأرشمندريت الياس النبي إيليا يقاوم الدنيا في سبيل الله لأن الدنيا آنذاك ألحدت وعبدت الأصنام- وقف هذا النبي الفقير الجائع أمام مليك بلاده وملكتها ليقول للكون: «حيّ هو الله». ليس احد مثل الله، ليس من ملوك ولا عظماء، هناك كائن واحد هو الله، وأنا عبده ورسوله إلى هذه الأمّة التي كلّفني بها بالنبوّة. الشاب الياس مرقس الذي عاش في لاذقية العرب رأى ان الوهن قد أصاب شعبنا هذا المدعوّ إلى أن يكون مستقيم الرأي والتمجيد، فكتب لصديق له قائلا: «نحن مدعوون أن نُقوّم هذا الشعب الذي يحسب نفسه قويمًا». إذًا منذ مطلع تحسُسه الروحي، كان يناضل في سبيل المسيح بلا تكليف منظور، بلا ثوب، لأنه لم يستطع أن يُطيق هذه الأمّة المقدسة تتدهور في خطاياها وجهلها. كتب إلى صديقه الذي كان في المَصيف: «نحن نريد ان نُقوّم الأمة الأرثوذكسية بإنجيل يسوع المسيح وبحبّه وطاعته، لأننا نريد شعبنا كنيسة متلألئة بالروح، ملتهبة بالحب الإلهي، عاشقة لهذا الذي أعلن عشقه لها لمّا سُمّر على الخشبة».

الياس مرقس فهم شيئين في هذا الموقف المُعَبَّر عنه في هذه الرسالة. فهم أنه مدعوٌّ أن يُجمّل نفسه بالفضائل، وأن كلّ واحد من إخوتنا مدعوٌّ إلى هذا، لأننا في الماضي كنا نتذمّر وكنا ننمّ وننتقد الرئاسات الروحية، ونظنّ أننا بهذه الثرثرة الصالونية سوف ننهض بشعبنا، إلى أن وعى هذا الشاب أن القضية هي أن تُميت شهواتك ليحقّ لك أن تتكلم وأن توجَد. ولكن لم يكتفِ بتنقية ذاته. هذا وحده انغلاق. يجب تطهير الآخرين بحب يسوع. امتدّ اذًا إلى الآخرين ليتمكن من الوصول إلى الرب.


بعد هذا رأى أن عندنا نموذجًا للتنقية وهو الرهبانية -ليست أنها الوسيلة الوحيدة للتطهّر، ولكنها وسيلةٌ اعتبرتها كنيستُنا نموذجية- فجاء إلى هذا المكان. ومهّد لمجيئه بعضٌ من رفقائه من سوريا ولبنان. فبيّن أن الشركة الرهبانية ليست وحدها النموذج ولكن الإنسان الفرد الذي صادَقَ المسيح هو النموذج. قرأ -وأرجو أن نكون من القراء، أن نصبح جميعًا قُرّاء للكلمة الإلهية، لأن كنيستنا كنيسةُ الكلمة التي تنزل عليك من الله أُقنومًا ثانيًا من الثالوث القدوس: «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وإلهًا كان الكلمة».

يتبادر إلى ذهني عندما تنشأ مؤسسة، أنك بحاجة إلى تنظيم، إلى زراعة، إلى اقتصاد، إلى كتابة. ولكن المسجّى أمامنا في حضرة ربّه فهم أنْ ليس من مؤسسة، هذا تفكير دنيوي، هناك أشخاص، هناك محبّون لله، هناك راغبون في التطهر، هناك مناضلون فيما هم يصعدون على سلّم الفضائل. لأنك إن رأيت أن الله هو كل شيء، كما رأى ايليا النبي، تطمح أن تصير مثل الله. نحن لا نكتفي أن نكون هكذا بشرًا أوادم. ماذا يعني «أوادم»؟ تعني أنهم لا يذهبون إلى السجن. نحن نريد ان نكون آلهة. هذا في كتب آبائنا. أنتَ تتأله، هذا موجود في تراثنا. نعم أراد هذا الإنسان الذي أوغل في التواضع، ان يكون حبيب الله، شاهدًا لكلمته، مُمِدًا إخوته بها، غير معتدّ بفضيلةٍ عنده، منسحقًا حتى النهاية لأن التواضع هو أن تصير إنسانًا ممحوًا في حضرة الله. لأن من ظن نفسه شيئًا، على قول الرسول، ليس بشيء. الياس مرقس ظن نفسه لا شيء، ولذلك استطاع، على الصعوبات الجمة، أن يجمع هذا القطيع الصغير في هذا المكان العالي. استطاع بنعمة الله، مستورًا بتواضعه، لا يقرأ تواضعه، يقرأه الناس، قرأناه نحن. ولذلك أراد أن يكون مشروع قديس. هذا الشيء الوحيد الذي يستحق أن نجاهد في سبيله.

 ولم يُحلْ هذا دون فرحه الدائم. كان يُحس بأن المسيحية فرح. ولكن الفرح يقتضي جهادًا مريرًا. لا تستطيع ان تتصاعد إلى الحضرة الإلهية العلوية ما لم تتيقّن أنك لا شيء. هذّبَ مَن هذّبْ. ليس كل الناس يقبلون التهذيب الإلهي. هو أَلحّ عليهم أن ليس من مشاركة بينهم إلاّ الربُّ يسوع. وبقي يُصارع حتى النهاية، على روح مداعبة، ولكن دائمًا بلا دينونة على أحد ولا محاكمة. كنتُ أقرأ دائمًا هاتين الكلمتين، «محاكمة ودينونة»، وما كنتُ أفهم، لماذا جمع آباؤنا هاتين الكلمتين في القداس الإلهي. ألاّ يدينني الله، هذا أفهمه لأنه محب وحاضن، ولكن ان لا تأخذني الملائكة إلى المحكمة الإلهية، هذا شيء كان يتجاوزني إلى أن فهمت أنك إن كنتَ حبيب الله فهو يعفيك من المحاكمة قبل ان تقع عليك الدينونة. أُعفي رئيس هذا البيت، الاب الياس، أُعفي من المحاكمة. ولهذا يحق لنا ولحبنا أن نستشفعه على رجاء قيامته وقيامتنا والحياة الأبدية.

هذا المكان جدّد الرهبانية عند الرجال، كانت قائمة في كرسينا الأنطاكي عند النساء. هو ورفقاؤه، من ارتحل منهم ومن استُبقي، قالوا، تساءلوا: ما الرهبانية في العمق، في التعريف اللاهوتي الصميميّ؟ هي هذا، أن يشدَّ الإنسان نفسَه إلى الحياة الأبدية، وكأن هذه الدنيا في أطايبها ولذائذها غير موجودة. نحن منذ الآن نتجنّد متّكلين على الله، نتجنّد لكي يأخذ الله أبصارنا إلى الملكوت منذ الآن. نحن خطأة ولكننا نُلحّ على أرواحنا وأجسادنا ألاّ تطلب إلاّ يسوع مصلوبًا وقائمًا من بين الأموات. حاول هذا الأخ الطيّب، حاول هذا الفكرَ وحاول هذه الممارسةَ بتواضع، بانكفاء، بانسحاق، بمحبة لا توصف لإخوته ولنا جميعًا، بانحناء دائم أمام وجه الله، ولذلك كنّا نؤُمّ هذا الدير لنتعلّم التواضع، لنتعلّم أن ليس أحدًا إلاّ الله، وأن نقول هذا لعظماء هذا الدهر، وأن نغدو بسطاء مكتَفِين بالنعمة الإلهية والكلمة الإلهية. هذا ما حاوله ورعاه الله، هذا ما حاوله ببساطة واتكال. سيقول له الله بلا دينونة: جعلتُك أمينًا على نخبة صغيرة من الرجال، من الرهبان، سأُقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح ربّك حتى يؤمن الناس أن ليس سوى وجه الله في الكون، وأننا اذا شُددنا على هذا الوجه نكون مقلّدين الارشمندريت الياس، ولو في حدود معيّنة، نكون مشتاقين إلى الرؤية العظيمة لنموت على استقامة الرأي وعظمة التمجيد، ممهّدين هنا لدخولنا أورشليمَ السماوية العليا.
ألا كان الله معكم جميعا وعزّى قلوبكم، وهدانا بأدعية الأحبار والكهنة والعوامّ لنستمر على العشق الالهي،
آمين.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share