مواطَنة واحدة أم اثنتان ؟

الأب جورج مسّوح Wednesday May 25, 2011 87

لا يقرّ الفقه الإسلاميّ، قديمًا وراهنًا، بالمساواة في الحقوق والواجبات ما بين مواطني الدولة القائمة على الشريعة الإسلاميّة. وهذا الفقه، وإن زعم تبنّيه المواطنة أساسًا للحكم، ما زال يميّز بين المواطنين على أساس دينيّ ومذهبيّ. أمّا حين يتحدّث بعض الفقهاء والمفكرّين الإسلاميّين عن المواطنة، فتراهم يضعون استثناءات أو تحفّظات تشريعيّة على مشاركة غير المسلمين.

فإذا أخذنا، على سبيل المثال، موضوع وظائف الدولة التي يمكن المسيحيّين أن يشغلوها، فقد ميّز الفقهاء في هذا الشأن بين الوظائف التي يمكن غير المسلمين أن يتولّوها وبين الوظائف التي لا يمكن إلاّ المسلمين أن يتولّوها. يقول أحد قادة الوسطيّة في الإسلام، الشيخ يوسف القرضاوي، في هذا الصدد: “ولأهل الذمّة الحقّ في تولّي وظائف الدولة كالمسلمين. إلاّ ما غلب عليه الصبغة الدينيّة كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك”.

وقد ميّز علماء المسلمين بين ما يسمّى “وزارات التنفيذ” و”وزارات التفويض”، فقالوا بجواز تولّي غير المسلمين لوزارات التنفيذ من دون وزارات التفويض. وذلك لأنّ “وزير التنفيذ، وفق القرضاوي، يُبلَّغ أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها (…) بخلاف وزارة التفويض التي يكل فيها الإمام إلى الوزير تدبير الأمور السياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة بما يراه”.

بدوره يقرّ الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة (الإسلاميّة) التونسيّة، بأنّ ثمّة امتيازات يتمتّع بها المسلم في الدولة الإسلاميّة محجوبة عن غير المسلم، ولا يرى أيّ ضير في ذلك. فهو يعتبر أنّ المسلم، بحكم إسلامه وانتمائه إلى الإسلام، يعلو على غيره من غير المسلمين ويحقّ له ما لا يحقّ لغيره من مواقع. وتكون المواطنة، بالنسبة إليه، مواطَنتين: واحدة خاصّة بالمسلم وثانية خاصّة بغير المسلم.

في الواقع، تقوم نظريّة الغنوشي عن المواطنة على القول بأنّ “المواطنة في الدولة (الإسلاميّة) تُكتسب بتوفّر شرطين هما الانتماء للإسلام والسكن في قطر الدولة الإسلاميّة، معنى ذلك إمكان تصوّر مواطنة خاصّة لـمَن توفّر فيه شرط واحد: بالنسبة إلى المسلم خارج إقليم الدولة – أي مجال سيادتها – وبالنسبة إلى غير المسلم القاطن في إقليم الدولة وأعطى ولاءه لها. وهذان النوعان من المواطنة الخاصّة تُكسب صاحبها حقوقًا هي دون حقوق المواطن الذي استكمل الشرطين، وكلٌّ منهما يملك استكمال الشرطين، الأوّل بالانتقال إلى إقليم الدولة، والثاني بدخوله الإسلام، فإذا آثر غير ذلك تحمّل بالطبع مسؤوليّة اختياره”.

أمّا الوظائف التي يحرَّم على غير المسلمين تولّيها في الدولة الإسلاميّة فهي، وفق الغنوشي، المواقع الرئيسيّة ذات المساس “بهويّتها” كالرئاسة العامّة مثلاً. وفي مكان آخر يقول الغنوشي: “إنّ المساواة في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة هي الأصل، وأنّ التميّزات التي تفرضها الطبيعة العقديّة للدولة الإسلاميّة لا ينبغي أن تُسقط ذلك الأصل. فلغير المسلم الحقّ في تولّي كلّ الوظائف، عدا ما اقتضته الخصوصيّة الإسلاميّة لوظيفة معيّنة”.

هذه الاستثناءات التي تحفل بها كتابات الفقهاء والمفكّرين الإسلاميّين، وسواها من التحفّظات التشريعيّة لدى بعضهم الآخر، في شأن مشاركة “أهل الكتاب” في الدولة الإسلاميّة تفرّغ تعبير المواطنة من المضامين التي يفترضها وتجعله هيكلاً عظميًّا من دون حياة. وبكلمة، المواطنة الكاملة إمّا أن تكون واحدة للجميع وإمّا لا تكون.

 

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 25 أيار 2011

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share