عيد رقاد السيدة

mjoa Monday August 15, 2011 573

في التسمية المسيحية هو رقاد والدة الإله والرقاد تسمية شرقية للموت. الأموات في المصطلح العبادي يسمّون راقدين للدلالة على غلبة المسيح لموته وموتهم لكونهم محضوني الله قبل القيامة في اليوم الأخير. منشأ العيد شرقي تأسس في القرن السادس في اورشليم (القدس) حيث قامت كنيسة في الجثسمانية. وعمّم الامبراطور مفريكيوس (بالفرنسية موريس) العيد على كل الامبراطورية. تبنى البابا سرجيوس الاول المتوفى في بداءة القرن السابع هذا العيد. وأعلن بيوس الثاني عشر ان انتقال العذراء الى السماء نفسا وجسدا هو عقيدة.

لم تحدّد الكنيسة الارثوذكسية انتقال مريم الى السماء عقيدة. واللاهوتيون الارثوذكسيون منقسمون بين من يعتقد بانبعاث جسدها ومن لم يعتقد لأنه حيث غياب عقيدة محددة مجمعيا أمر متروك لحرية التأويل. غير ان طقوس العيد واضحة لجهة القول بالانتقال (انك انتقلت الى الحياة بما انك ام الحياة اي المسيح). ايضا في صلاة العيد: “نهضت بعد موتك لتكوني مع ابنك سرمدا”. وبصورة اوضح: “ان الإله… حفظ جسمك في اللحد ومجّدك معه بانتقالك الإلهي”.

Dormition-of-the-Theotokos

السؤال الذي يطرح نفسه للمسيحيين الشرقيين هو هل نصوص العيد ملزمة كالعقيدة؟ الجواب المبدئي العام ان العبادات تكشف موقفا اعتقاديا بعامة ولكن هذا لا يعني اننا قادرون ان نستخرج من العبادات موقفا عقديا ملزما ونبقى في التحرك النقدي ما لم يصدر تحديد واضح في مجمع مسكوني مؤلف من كل الكنائس الأرثوذكسية.
توفيقا للموقفين الارثوذكسي والكاثوليكي يمكننا القول أّنّ مريم استبقت القيامة فلا تحضر محاكمة او دينونة وتقيم في المجد اي الحالة التي نكون جميعا اليها بعد القيامة الأخيرة. هذا ما ادركه القديس يوحنا الدمشقي في القرن الثامن الميلادي لمّا توجه إليها في احدى العظتين اللتين وضعهما عن رقادها. قال: “لن أسمّي رحيلك المقدس موتا بل رقادًا او سَفرًا والأفضل تسميته إقامة. ففيما خرجت من مدى الجسد دخلت مدى أفضل”.

قلت هي مقيمة في المجد الإلهي وليست مثلنا خاضعة للحكم الإلهي في اليوم الآخر. لذلك نعظمها تعظيما كبيرا. انها سفيرتنا الى السماء.

 

هي الممتلئة نعمة كما قال لها جبرائيل لحظة البشارة أي انها كانت حرة من كل خطيئة، مسلّمة لله وحده ومهيأة لاقتبال كل كلمة منه. هذا ما عناه الملاك لما قال لها: الربّ معك. مباركة انت في النساء”. كان هذا الكلام البدء في المسيرة الى المجد. وبدء المسيرة ان السيدة تجسد منها ومن الروح القدس كلمة الله الذي كان في البدء. سلام الملاك يوضح لمريم: “الروح القدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك”. ما من شك أّنّ استعمال جبرائيل لفعل ظلل يشير الى المظلة التي كانت ترافق شعب الله قديما وصارت في ما بعد هيكل اورشليم. الفكرة اذًا، أن مريم هي هيكل الله الجديد أو أول كنيسة للمسيح ولا كنيسة الا اذا أقامت هي فيها. في أول كنيسة اجتمعت في اورشليم في العلية التي كان التلاميذ مجتمعين فيها “يواظبون بنفس واحدة على الصلاة كانت مريم ام يسوع معهم” (اعمال الرسل 1: 14). اذًا، لما حلّ عليهم الروح القدس حلّ ايضًا على مريم كما حلّ عليها عند البشارة ليكون الكلمة جسدًا. رافقها هذا الروح حتى منتهى سكناها الأرض. وهذه هي الحياة في المجد قبل انتقالها الى المساكن السماوية.

لم يبقَ من حديث عن مريم في الإنجيل بعد هذا اذ بدأ الحديث عن الروح القدس في تكوينه للكنيسة. كانت العذراء ملازمة للكنيسة اذ قالت هي: «ها منذ الآن يطوبني جميع الأجيال» (لوقا 1: 48). الكلام الإنجيلي هكذا يوحي بأن الإنسانية التي تعتمد الإنجيل كتابا لها تلتفت إلى البتول، إلى تلك التي صنع القدير بها عظائم (لوقا 1: 49). الذين يعرفون قيام مريم في المجد يخاطبونها مستشفعين.
نظر إليها كاتب سفر الرؤيا صورة عن الكنيسة. قال: «وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها اكليل من اثني عشر كوكبا» (1: 12). الفن البيزنطي ما عدا نموذجا استثنائيا يرسمها حاملة الطفل. هي تستمد منه كل ما عندها من بهاء. ليس عندها قدرة من ذاتها. انها تعطي ما تأخذ من الرب. واذا كنت أنت محبّا للرب تذهب إلى كل سطوعاته فإنه عظيم في قديسيه وبينهم هي الأولى. فالعلم بمريم هو جزء من العلم بالمسيح.

 

لعلّ هذا العيد مناسبة لأقول ان ما يسمى شفاعة القديسين او توسلاتهم او وساطتهم كلمات لا تلغي وساطة المسيح الوحيدة. إنّ الخلاص قد تم دفعة واحدة في شخص المخلص ولا يزيد عليه أحد شيئا اذ ليس خارج هنا الخلاص قوة.
نحن الأرثوذكسيين لا نقبل اعتبار مريم شريكة في الخلاص. ليس من انسان يقدر ان يخلّص انسانًا. لكنا نؤمن ان اهل السماء يصلون كأهل الأرض لأن قيامة المسيح فاعلة منذ الآن والذين ذاقوها وطئ المسيح بها موتهم. الذين انتقلوا الى المجد قائمون على صلاتهم وليسوا مجرد عظم رميم. هم احياء عند ربهم اي يخاطبونه ونحن نخاطبهم ونواكبهم ويواكبوننا في وادي البكاء الذي نحيا فيه هنا. كنيسة السماء وكنيسة الأرض واحدة. والسماء ترتيل بعد لطف إلهي بالقديسين. هل يحق لك ان تقول أنّ السماويين صامتون وأنّ مريم غائبة عن مجد ابنها وإخوتها واخواتها في البرارة! هي كلمة بعد أن سكنها الكلمة وبعد ان أعطى المدعوين الى عرس قانا الجليل في حضرتها خمرا ليفرحوا.

ما معنى قول بعض: أليس يستطيع الرب ان يستجيب لنا مباشرة؟ هل اذا أودعت مريم نعمة التمستها انت وانسكبت من عندها لا يكون المخلص يعاملك مباشرة. في ملكوت المحبة فوق. ما المباشرة وما المداورة؟ ألسنا وكبار الذين سبقونا إلى الرحمة جسد المسيح الواحد نتعايش في الروح القدس؟

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share