الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2 )
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة ).
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم.
يحدثنا التاريخ المقدس عن 318 أبٍ تقاطروا من أقاصي المسكونة حركتهم نعمة الروح القدس ودفعتهم غيرتهم على الإيمان القويم ليجتمعوا في نيقية في آسية الصغرى عام 325م وذلك ليفصِّلوا كلمة الحق باستقامة، ويعلوا الإيمان الذي تسلموه من الرسل بأن الرب يسوع إله أزلي مولود من الآب قبل كل الدهور وواحد معه في الجوهر.
لقد أدرك آباء الكنيسة على مر العصور، من خلال حياةٍ حارة بالروح، أن الإيمان الصحيح هو شرطٌ أساسي للوصول إلى الخلاص. فمهما اجتهدت السفينة في ترحالها، ومهما حملت من كنوز وجمالات، فلن تنتفع شيئاً إن أخطأت الوجهة والطريق. لذلك نرى أن الآباء القديسين شُبّهوه مراتٍ بالمنارة التي تهدي السفن إلى ميناء السلامة، مع الانتباه أن من يهدي السفن هو النور المنبعث من نار المنارة، ولكن هذا النور ما كان سيصل إلى السفن لو لم يرتفع عالياً في هامة المنارة. شبه الآباء القديسون أيضاً – وعن استحقاق – بأزهار الفردوس العطرة؛ فقد استوطن الآباء الفردوس وعاشوا غرباء عن شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، يستقون الماء الحي من نبعه فينعكس في حياتهم وكتاباتهم وأعمالهم عطراً وشذى وألقا.
في زماننا، نرى أن إيماننا الأرثوذكسي تهاجمه شياطين كثيرة. فشيطان “كلو متل بعضو” منتشرٌ اليوم بين كل الفئات والأعمار، وهو يعمل على تسطيح الإيمان وربطه بالنية دون الحق، وبقرب الكنيسة الفلانية من منزلي دون بركة التعب، وبالشلة والصحبة دون لقاء عائلة بيت الله… وشيطان ” ولا يهمك” يسرح ويمرح بين أعمار العشرينات والأربعينات صارخاً ومتشدقاً: ولا يهمك، صمتَ قبل المناولة أم لم تصم! اعترفتَ لله من خلال الكاهن أم لله مباشرة! تناولت من هنا أو من هناك! ولا يهمك، كل شي ماشي…
أما شيطان شكلية العبادة فقد بات مهيمناً في أكثر من مكان، وفي أغلب الأسرار أيضاً، ففي العرس، تسعى العروس بأن تكون عند الحلاق قبل الموعد ولكن لا يهم إن تأخرت عن موعد السر الإلهي، وفي المعمودية يسعى العراب أن يلاطف الكل ويجاملهم أثناء الخدمة المهيبة، وهو لا يعرف أحياناً أن يقرأ دستور الإيمان…
كنّا وما زلنا وسنبقى بحاجة إلى آباء، في كنيسة المسيح، لأن الآباء هم إيقونات المسيح. وهم، تالياً، الذين يعلّموننا كيف نصير إيقونات للمسيح. أو، بكلام آخر، هم الذين بهم ومن خلال خبرتهم يعلّمنا الروح القدس كيف نصير إيقونات للمسيح. نحن بحاجة أن نعرف آباءنا، أن نعيش معهم، أن نقرأ فكرهم ونتمثله. حتى نصبح كلنا – بنعمة الروح القدس – إكليروس وعلمانيين، آباء الكنيسة الجدد.
آمين