بولس بندلي، ثانيةً في الوجوه

mjoa Friday July 6, 2012 131

كأنّي به لا يرتاح كلّما نظر من عرشه، في العُلى، إلى حال البُقعة المحروثة بصلاته والمرويّة بعرقه. فاستأذن، بولس بندلي، الله ليحلّ مجدّداً، كعادته، وديعاً في الوجوه ويلفتها إلى حيث الحكاية الأحلى لديه، حكاية المسيح والصليب، إليـاذة العشق التي لا تنتهي.
استعار هذا الأسقف، المجنون بالله، من مسيحه عصا الفداء، وحضر، إلى حيث كان يوماً خميراً، ليلفح بها من أحب بلدغة نبوية باتت، لجمالها، لدغة كلّ من ينطق بلغة السماء. طنّ صوته في الآذان صارخاً: ما بالكم تَدَعون يسوع يفتقد، حوله، سمعان. عودوا لتكونوا، كلّكم، كلّكم، قيروانيّيّ زمنكم. افتدوا الوقت وإقتحموا الجمع لتلمسوا الصليب قبل أن تنقلب الأرض سماء، قبل أن تمسوا غربـاء في موطنكم الآتي الآتي. احملوا، معه، تلك الخشبة المرطّبة بعرق جسده وهو يرصف مشروع الخلاص، فبها تُرفعون الى فوق، إلى حيث تصيرون عجنةَ حبّ، ملائكـة سماء، إلى حيث تصيرون أهل الملكوت.


صدّقوا، يا أبنائي وأحبّائي، صدّقوا أن وجه ذاك الذي أقيم في نوره أجمل وأجمل وأجمل من كلّ ما عرفتموه وتنعمّتم به من جمال، وأن قلبه أحنّ وأحنّ وأحنّ من قلوب أمّهاتكم، قلوب من تعتقدون أنّ بهنّ عُرف الحنان. فعودوا وتوبوا. عودوا، خيّموا بصرخـة المعمدان على ضفاف الحقّ وبجَود المجوس على طريق الفقراء. فلا تدعوا البسطاء يغيبون عن ضمير كنيستكم وشمس الحقّ تأفل عنها، هي وصيّتي كيّ لا تتألّمون في غربتكم ويَحزن إلهي ويُجرح، من أجلكم، مرّة أخرى.

———-

كثرة من محبّي هذا الرسول شاركت في اللقاء الذي أحياه فرع فيع للحركـة لمناسبة الذكرى الرابعة لانتقاله. حضر اللقاء ورعاه المطران أفرام كرياكوس وشارك فيه كهنة ومؤمنون، منهم رئيس مركز طرابلس عماد حصني، رئيسة مركز عكار أليسا مخول وأبناء الرعيـة ورعايا أخرى. بدايـة كانت كلمة للأخت نانسي نجار التي أعدّت اللقاء وقدّمته، فرأت أن المطران بولس كان الراعي الذي لا يأكلُ لتغتذيَ رعيته.كان راعيًا لا يرتاحُ لتَنعَمَ رعيّتُه بالطمأنينة.كان راعيًا يُعانِقُ البردَ والمطر في الحاراتِ والسهرات الانجيلية، ليوزّعَ الدفء الروحيَّ والماديَّ لرعيته.كان جريئاً بوداعته، فاستحقَّ أن يكونَ بطلاً صنديداً.
بعدها كلمة للأخ رينه أنطون الذ رأى أن المطران بولس لم ير ولم يعلّم ولم يعش أيّ تناقض بين حبّه ليسوع المسيح وايمانه به والعيش بمقتضى انجيلـه وبين عيشه وجوه الحياة في العالم. كان يأكل ويشرب ويفرح ويحزن ويولي العلاقات الانسانية أهميّة كبيرة ويدرس ويعلّم ويحث على العلم ويشجّع عليه ويخدم الناس لتسهيل اكتسابهم له. مـا فعلـه أنّه أكسب وجوه الحيـاة في العالم ركائز جديدة وأثبت بشكل لا يقبل الشكّ أنّ:
ليس بالضرورة أن يكون سرّ الفرح والسعادة هو المال والرخاء،
وليس بالضرورة أن يكون سرّ الراحـة هو الفراغ واللهو،
وليس بالضرورة أن يكون سرّ قيمتك الانسانية وموقعك في العالم هو علاقاتك الاجتماعية مع الأغنياء والنافذين والمظاهر الخارجية المحيطة بك من لباس وأماكن سكن وغيره،
فأنت يمكنك أن تكون في العالم، وليس بالضرورة خارجه، في كامل فرحك وسعادتك وراحتك وقيمتك الانسانيـة بنظرة العالم نفسه، دون أن تتخلّى عن ثباتك في يسوع المسيح.
وبعد عرض الفيلم الوثائقي “تعال وانظر” الذي أعدّته أسرة الاعلام في الأمانة العامة كان الختام لراعي الأبرشية المطران أفرام كرياكوس بالكلمة الاتية: “الكلام على المطران بولس لا يكفي أبداً للتعبير عن شخصيّته. حضوره أمام الله وأمامنا هو الأهمّ. هذا ما يبقى ويطول الى الأبد بخاصة للذين عرفوه. هدوء عنده بالطبيعة جسّد ما قال القديس يوحنا السلّمي عن الهدوء: “الهدوء صخرةٌ جاسيةٌ على شاطئ بحر الغضب”. أيضاً جسّد ملياً ما قاله القديس ديونيسيوس الاريوباجي عن صفات الشماس والكاهن والمطران (المفترضة): “أنهم وصلوا الى درجة اللاهوى”. وكأنّه (أي المطران) اكتسب هذه الفضيلة بلا عناء في حين أنّه علينا أن نغصب أنفسنا من أجل الوصول الى مثل هذه المرتبة. قيل عنه الكثير وسوف يقال لكن القصص والحوادث التي تروى لا تفي بما كان المطران عليه. لا شكّ أنّه كان يسعى في عقله وفي صلاته أن يجسّد كلمة الانجيل. وهذا هو الأصعب لنا إذ نستطيع أن نفسّر ونحلّل ولا نقدر على عيش كلماتنا. من ضعفنا اخترعنا الدراسات اللاهوتية في حين أن الصمت والعيش يشكلان الخط الأصيل.شهادتي اليوم أنّه حاضر في كثير من الأحيان أمامي. كان يحبني وكنت أحبه ولم أزل. لقد خدمني في ظروف عديدة وتواضع كثيراً أمامي وأنا غير مستحقّ له، فالربّ وحده يغدق عليه الجوائز الوافرة التي يستحقّها آمين”.

كلمة نانسي نجار كاملة.
كلمة رينيه أنطون للمناسبة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share