الله معرفة

mjoa Saturday July 7, 2012 86

هالني دائماً ان أرى نصف البشرية أمياً والربع شبه أمي، وقد ظهرت المعارف في كل أنواعها لنمو العقل، فالإنتاج لحياة كريمة خدمة للآخرين. حراثة الأرض بمعناها الشامل زراعة وصناعة يؤمنها العلم هذا اذا لم نذكر الفرح الذي ينعش قلب الإنسان ويقوي علاقاته بالآخرين. بلا معرفة حقيقية تواجه بها عقول اقرانك يسود تصرفك الانفعال ويتحكم بك الغضب. لكن الثقافة هدوؤك في المبدأ وطاقة معالجة لقضاياك وطريقك الى السلام. بركات الرب عليك أفعل إن استطعت أن تصبح سيد مسالكك. أجل عند بعض الأميين حكمة كبيرة. لكن القاعدة أن تقتني بعض الحكمة بالمعرفة وتتلقى فضل الله عليك.

الى هذا هالني أنّ المتعلّمين الكبار أولاد الاغنياء في المرحلة الجامعية الخاصة لأن هذه المرحلة فيها إنفاق مالي. العلم العالي رديف اليسر وهذا فيه ظلم لمن لا يقدر أن ينفق عليه ابوه ما تتطلبه الجامعات أو المعاهد العليا. وهذا امر لا يتعذر علاجه اذا رتبت الدولة موازنتها بحيث تربي المتفوقين على الأقل اذا لم تتمكن من تربية الجميع. كم حُرمت الأمة مواهب الكثيرين من أبنائها وبناتها بسبب ربط الدراسة بالمال.

الدنيا ورشة تعليم دائم اذا شئنا للبلد الكبر ومساهمته في الحضارة العالمية. قال لي أحد كبار علمائنا القاطن الولايات المتحدة إن أكثر الاوائل في كل قطاعات التخصص لبنانيون. هؤلاء ما كانوا في حاجة الى الهجرة لو كان عندنا وسائل الرقي العلمي أو التكنولوجيا فنصدرهما من هنا ويفيد كل مواطنينا من هذه المعارف العليا.

طبعا هذا يقتضي أن تتوافر هذه الرؤية في طبقات اهل السياسة. هذا القول يذكّرني بما فعله الامبراطور بطرس الاكبر في روسيا لما قرر نقلها من بدائيتها الى أن تصبح دولة اوروبية راقية. كان له أن يختار بين تأسيس الوف من المدارس الابتدائية وبعض المعاهد العليا، فآثر الخيار الثاني وأنشأ ما سماه الأكاديميات في كل نواحي المعرفة، وأدركت روسيا بسرعة المستوى الألماني بالمعرفة.

نحن قادرون أن نغرف من العلوم كلها وفي بعضها لسنا مقصّرين، ولكن لا بدّ من بلوغ كل المعارف الضرورية للانسان المعاصرين ولا بد من تعميمها على كل الموهوبين.
من المؤكد أنه لا يمكنك ان تصل بكل أحوال الوطن الى أعلى مستوى ممكن ولكن لا يجوز ان تبقى طبقات من الناس كثيرة كبير جهلها. انا أعرف أنّ ثمة فرحا لا يأتي من العلم وأنّ القداسة تنزل عليك من فوق لكن العلم في متناول يديك. يسهم كثيرا في إنعاشك الداخلي ولا يسوغ لك آن تبدد كل إمكانات نموّك الانساني بسبب من ضعف موازنة الدولة. أجل هنا بحث سياسي في شأن الموازنة اذ لا بد أن تتكيف بالخيار الروحي الذي أمامنا وهو أنّ المعرفة أسبق من كل شيء.

¶¶¶

ما هو أهم من علوم الدنيا هو علمك بالله وبشؤونه القائمة على المعرفة. أن تكون مألوها أي متلقياً ربك في قلبك يقتضي إلمامك بالنص الديني. أنا لست أنكر أنّ ربنا ينشئ لنفسه محبين وعالمين به غير أن يمسوا النصوص. ولكن لا شك عندي أنّ الإحاطة الطبيعية بما يجب آن يعرف عن الله يأتينا من الكتب المقدسة وما أوحت به الى كتّاب لاحقين فسّروها أو بنوا لاهوتا عليها ولكن لا ريب عندي أيضا أنّ العارفين قلائل على اختلاف الأزمنة. فاذا كان قصد الوحي ان يعرف الناس مضمونه ليصلوا به الى ذوق الله بدراسة كلمته فالجهل رهيب.

أقتصر على تأمل الوضع المسيحي حتى لا أخطئ في التصور ولا أعلم من لهم معلمون. ففي الأسبوع الماضي كنت أقيم القداس الالهي في إحدى الكنائس ورأيت الى المؤمنين فوثقت أنّ عدداً كبيراً منهم لم يقرأ العهد الجديد وذلك في سياق الموعظة اذ عدت بهم الى نصوص انجيلية لم يسمعوا بها. قلت لهم أنا لا أشك أنّ ذويكم اشتروا انجيلاً لحق به الغبار فاذهبوا وامسحوا الغبار وافتحوا الكتاب تجدوا في البدء إنجيل متى فطالعوه كما هو منشور حتى تصلوا الى سفر الرؤيا فيعطيكم ما لا تعطيه الطقوس.

هذا النص يحرك القلوب وتحتاجون أنتم الى كل العوامل التي تلهب قلوبكم وتملأها ايمانا. فتشوا عن كل ما ينعش قلوبكم ويطهرها. القداس بني على كلمة الله ولكن كلمة الله هي حجر الأساس الذي لا يوضع أساس سواه. لقد تجلى الله بطرق مختلفة. لا حق لكم آن تنحصروا بطريق واحدة له. أنتم لا تقررون عنه. فإن شاء الكتاب فعليكم بالكتاب. وان شاء الانشاد فخذوا بالانشاد وان شاء الكنيسة فاجتمعوا فيها. غير هذا التفكير استسلام للهوى، للأذواق العابرة. واعلموا ان الله لا يُدرك الا بجهد عظيم وان معرفته ليست سهلة. اذا كنت مؤمنا فاعلم ان الإيمان التبليغ وليس فقط التبلغ الذي وصل اليك: “ليكن كلامكم بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد” (كولوسي 4: 6).

هذا كلام مرسل الى كل المؤمنين وليس فقط الى الكهنة. فإن كانوا أرباب التعليم فليس محصوراً فيهم. كل منكم حامل كلمة الله ويجب اذًا إطلاقها حتى لا تبقى سجينة الكتب.
صح ان الله محبة لكنه أيضاً معرفة والدليل انه عرّف عن نفسه بكلمات. اذا ساغ لي تعبير تصويري عن الله أقول على كل منا ان يتساءل: “اي مقدار معرفي عن الله عندي”. هل هو المقدار الذي أراده للإنسانية أم هو يرتضي ان يلملم الجهلة والعالمين. هل هم جميعا يرونه بالكثافة نفسها. قد يحبه الأمي اكثر من العارف بكلماته. ولكن هذا ليس شأني. أنا شأني ان أقول لربي: “بنعمتك انا تبلغت وان زدتني علما أبلغ حتى لا تبقى كلمتك مرمية في صحراء”؟

“انت ليس همك الكتب المطبوعة. انت جئت لتسكن القلوب بالكلمات التي تفوهت بها بالأنبياء ورسل ابنك الوحيد. وتريد كلماتك ان تعود اليك محملة برجاء البشر الذين أخصبوا النعمة التي أنزلت عليهم لكي يحسوا انهم أخذوا يتسلقون سلم الوصول اليك وعرفوا ان لك الحمد فيهم. السبب الوحيد الذي جعلك ترزقهم أولادهم هو ان يعرفك هؤلاء الاولاد ويدشنوا الملكوت من هنا”.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share