قديس استثنائي أرثوذكسي للكنيسة جمعاء

mjoa Friday August 10, 2012 82

هو قديس القرن العشرين وشفيع كل من يطلبه، وبالأخص مرضى السرطان. قديس استثنائي بحيث لا يمكنك ان تتعرف اليه من دون أن تتأثر به كما حياتك أيضاً. يصعب على الإنسان أن يصف ما يجول في داخله بعد لقائه هذا القديس، وهو كثيراً ما ساعد اليائسين من الحياة وفاقدي الرجاء فيها إلى بدء حياة جديدة، ليصبحوا أناسا مليئين بالأمل والفرح والطموح. نكتاريوس هو بلا شك مثال الأسقف الحق الذي ما عرف في حياته إلّا أن يحبّ…

 

ولد القديس نكتاريوس في تراقيا الجنوبية في 1/10/1846 م. نشأ في عائلة كبيرة وفقيرة، وكانت والدته وجدته تغلقان الستائر كل ليلة كي لا ينظر الأتراك القنديل مضاء في غرفة الأولاد، حيث كان الجميع يجثون أمام الأيقونات ويصلّون. كانت جدته تحبه كثيراً لأنه كان يشبه الملاك، وكان شديد الرغبة على متابعة دروسه ويستهوي الإنجيل والمزامير، وكانت تساعده كثيراً في تعلّم الصلاة وأعطته صليباً خشبياً كان أغلى ما يملك.في الـ 13 من عمره سافر إلى القسطنطينية كي يتعلم، وعمل حمالاً ثم عاملاً كي يؤمن لقمة العيش، ثم بدأ يعمل في حقل الكنيسة، فصار يُعلّم الصغار الحروف الأبجدية ويتابع تعليمه في الوقت نفسه ليصبح مدرساً. لم تكن مغريات المال تلفت انتباهه، وساعدته الدراسة والحياة الداخلية والصلاة على اكتشاف رغبته في الحياة النسكية، فوجد السعادة والراحة الحقيقيتين في أحضان الكنيسة.

ذهب إلى جزيرة خيوس وقضى فيها عشر سنوات يعلّم فيليتي. وفي عام 1876 م أصبح راهباً، فقد تعلم من تعليم الكنيسة التقليدي أن الراهب الأرثوذكسي ما هو سوى منارة ونور مضيء في الظلمات، ودعي بالأخ لعازر. أمضى ثلاث سنوات في الدير، عاشها في النسك والتقشف، فاستنارت روحه من نور المسيح وأصبح ينهل منه التواضع والمحبة والعطاء.

أهدته جدته صليباً خشبياً لازمه طوال حياته، وكان له الأثر الكبير في حلّ المعضلات التي تعرض لها من بداية حياته، وكان ملجأه الوحيد في الشكوى وطلب الإرشاد والمعونة والفقر حتى آخر أيامه، علماً أنّ أثره بدأ واضحاً في حياته منذ رحلته الأولى إلى القسطنطينية.
في عام 1876 بدأ حياة الرهبان، فألبس الإسكيم الرهباني ثم سيم شماساً وأعطي اسم نكتاريوس. ساعده أحد النبلاء في إكمال تعليمه الثانوي ومتابعة تعليمه الجامعي، فأصبح مطراناً للمدن الخمس في وقت قصير، وهذا المجد السريع دفعه إلى المواظبة على الصلاة والصوم.

أرسِل أيضاً إلى الإسكندرية، وتحديداً إلى البطريرك صفرونيوس، فأحبه وأرسله مرة أخرى إلى أثينا ليكمل تعليمه الجامعي. وإذ كانت الحياة صعبة في تلك الحقبة من الزمن، كان يتخلى عن طعامه لإنقاذ أحد أولئك الذين مات المسيح لأجلهم. وبعد نَيله الشهادة الجامعية عاد إلى الإسكندرية، حيث سامه البطريرك بنفسه كاهناً عام 1886 م. وتلقى بعد خمسة اشهر رتبة الارشمندريت في القاهرة.

عيّن في عدة مناصب، حيث عمل بجهد في حقل الرب ليزرع الكلمة الإلهية. كما جمّل كنيسة القديس نيقولاوس بالأيقونات الشريفة، وكانت معظم مساعيه لجمع التبرعات للفقراء الذين كان يعطيهم ماله كله.
نال القديس احترام الطوائف ومحبة كل الطوائف المسيحية، لِما امتاز به من التواضع والعمل الجاد في خدمة الكنيسة ومساعدة مختلف فئات الشعب، ما أشعل غيرة بعض الإكليريكيين وحقدهم، فأطلقوا عليه الشائعات المغرضة التي لم تتوقف طوال حياته.

رشّحه الشعب لخلافة البطريرك صفرونيوس، الشيخ العاجز الذي أصغى لهذه الوشايات من دون إعطائه فرصة الدفاع عن النفس، لكنّ البطريرك أوقفه عن الأعمال الإدارية الموكلة إليه، وقطع راتبه وأصدر قراراً بإبعاده عن القاهرة إلى أي مكان آخر بعد موافقة مُسبقة من السلطات الإكليركية.
سانده الشعب معنوياً في محنته، وفي حصوله على وظيفة واعظ في إحدى القرى النائية في أثينا. وبعد أن أقفلت كل الأبواب في وجهه، عانى استهزاء الناس واستخفافهم في عِظتيه الأوليين في الكنيسة، إلّا أن الحال تغيرت بعد انتشار الحقيقة، فامتلأت الكنيسة بالناس واستمعوا إلى عظته الثالثة التي استمرت أكثر من ساعة من دون ضجر أو ملل، كما طالبوه بزيارتهم في مناطقهم المحيطة وكتبوا إلى المتروبوليت لإطلاعه على حقيقة الأمر.

ندر القديس حياته للعمل ليلاً ونهاراً، وكان يقضيها في الوعظ والخدم الليتورجية وزيارة المرضى والمعوزين.
ظهر تواضعه جلياً في أثناء إدارته للمدرسة اللاهوتية في أثينا، حيث لم يأل جهداً في تربية الأجيال وغرس قوة الإيمان المقدس وخوف الله في قلوبهم، لدرجة أنه كان يعاقب نفسه على أخطائهم.
قضى نكتاريوس القديس على اضطهاد الملكة للكنيسة لإدخالها الإنجيل وأسفار العهد القديم المترجمة من أحد كتب البروتستانت إلى المناهج التعليمية، وساند الكاثوليك وتوسّط لإعادتهم إلى الأرثوذكسية، كما حازت كتبه ومؤلفاته الجوائز والانتشار.

بعد أن استقال من وظيفته في المدرسة الاكليريكية عام 1908 م، شيّد له مسكناً خارج الدير. وقام بتخصيص غرفة لتعليم الفتيات الأميات، وحوّل الغرفة إلى مشغل إسكافي – تلك المهنة التي تعلمها عندما كان راهباً في خيوس- ليصلح الخفاف الممزقة التي كانت تنتعلها الراهبات ويعلّمهن المهنة.
وكان في نيّته إنشاء مدرسة تحضيرية للشابات لتلقي التعليم الأخلاقي والديني وبعض الأعمال اليدوية والمنزلية، لأنه كان يرى بأن سرّ تقدم الشعوب كامنٌ بين يدي الشابات أمهات المستقبل.

غالباً ما كان يمضي الليل ساهراً للدراسة والكتابة على رغم تعبه، وقد كان شديد الدفاع عن الكنيسة الأرثوذكسية الكثيرة الوداعة باعتبارها الفلك الوحيد الذي يضم القدرة الإلهية والحقيقة، وتملك قوة كبيرة للخلاص، ويحارب ضد هجمات العدو الكثيرة، كالماسونيين والماديين المعاصرين والسياسات والهراطقة وأصحاب البدع.

بعد عشر سنوات على تأسيس الدير، غضب عليه ثوكليطس متروبوليت أثينا بسبب الحسد، فتراجع عن موافقته الشفهية على بناء الدير، واصبح يهدد بهدمه. فكان على قديسنا أن يشرب كأس الصبر حتى المنتهى، إذ لم يحظ عمله بالاعتراف الرسمي إلّا بعد وفاته. علماً أنه أسّس دير الثالوث الأقدس للراهبات في جزيرة أيينا والذي احتوى 24 راهبة.
عانى مرضا خطيرا، وكان عرضة لآلام فظيعة تخترق قلبه، وكانت تشتد حدة مع مرور الوقت، وادخل إلى المستشفى وبقي فيها مدة شهرين، ولم يتسنّ للأطباء خلال هذه الفترة إجراء عملية جراحية له. وبتاريخ 9/11/1920 م (شرقي)، الموافق 22/11 (غربي)، سمعته الراهبة المرافقة له يقول: هل توجّه الكلام إليّ يا رب؟. واسلم روحه القديسة والصبورة إلى معلمه الحبيب، فدفن في القبر الذي أعدّ له من الله مع بداية تأسيس الدير.

حصلت عجائب كثيرة بعد رقاده، منها شفاء أمراض مستعصية وطرد الشياطين. ظلّ جسده سليماً طوال عشرين عاما، استطاع الناس بعدها الحصول على ذخائره التي كانت تشع عطراً غريباً، هو قديس القرن العشرين وشفيع كل من يطلبه، وبالأخص مرضى السرطان، وتعيّد له الكنيسة في 22/11 (شرقي).

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share