الحضور المسيحي في فلسطين والشتات: إحصائيات، تحديات، آفاق

mjoa Wednesday October 24, 2012 87

عقد يوم الجمعة الموافق العاشر من آب للعام 2012 في دار الندوة الدولية مؤتمر “الحضور المسيحي في فلسطين والشتات” وذلك بإشتراك عشرات الشخصيات الوطنية والدينية من الضفة الغربية ومن داخل الخط الأخضر ومن المغتربين.

وفيما يلي أهم ما تمخضت عنه جلسات هذا المؤتمر من أرقام وإحصائيات وحقائق وتوصيات:

1- قضية الأعداد والنسب الخاصة بالمسيحيين الفلسطينيين لا تخلو أحيانا من التهويل! فكثيراً ما نسمع المقولة السائدة أن أعداد المسيحيين الفلسطينيين في تناقص مستمر، لكن أظهرت الدراسات التي نشرتها مجموعة ديار أن أعداد المسيحيين ثابتة بل وأن هناك ارتفاعاً بسيطاً في الأعداد، على العكس من النسبة المئوية التي هي في تناقص كبير باستثناء غزة حيث تتناقص أعدادهم ونسبتهم.

2- أظهرت الدراسة، كما قدم لها القس د. متري الراهب، رئيس مجموعة ديار، أن السبب الرئيسي لتناقص أعداد المسيحيين هو النكبة، ومن بعده تأتي الهجرة. ففي عام 1924 كان 10% من السكان في فلسطين التاريخية مسيحيين. وغداة النكبة كانت نسبتهم حوالي 8%. وفي ليلة وضحاها وانخفضت النسبة من 8% إلى 2.4% فالنكبة كانت نكبة للشعب الفلسطيني عامة وللمسيحيين خاصة.

3- الهجرة فكانت أولاً إلى أمريكا اللاتينية خاصة من منطقة بيت لحم، ومن ثم إلى أمريكا الشمالية وأستراليا. الدراسة التي قدمتها ديار حول المسيحيين الفلسطينيين في المهجر (امريكا اللاتينية) هي ذات خصوصية من ناحية أنها الأولى الصادرة عن باحثين فلسطينيين وتحديداً عن مؤسسة مسيحية فلسطينية (مجموعة ديار). وضحت السيدة فيوليت الراهب عبادو، محررة هذه الدراسة، أن ما أثبتته الدراسة أن أكبر جالية فلسطينية وفلسطينية مسيحية خارج العالم العربي موجودة في أمريكا اللاتينية وعددهم نصف مليون فلسطيني في أمريكا اللاتينية والوسطى حيث أن 80 إلى 85% منهم هم من المسيحيين الفلسطينيين. وحسب الإحصاءات فإن أكبر الجاليات عدداً هي في التشيلي والتي يتواجد فيها 350 ألف فلسطيني مسيحي، وأما السلفادور فثلاث بالمئة من سكانها هم من المسيحيين الفلسطينيين. ومن الجدير بالذكر أن الجيل الثالث والرابع والخامس من المهاجرين يعتبر نفسه “ابن البلد” التي يعيش فيها إنما يتمتع بالوعي والإدراك وكذلك الفخر بجذوره الفلسطينية. تناول الدكتور عدنان مسلم أيضاً موضوع الهجرة الفلسطينية الأولى إلى أميركا اللاتينية في أوائل القرن والتي جاءت نتيجة للسياسات العثمانية آنذاك وانتقل للحديث عن دور السياسات البريطانية في منع المهاجرين من العودة إلى فلسطين وبالتالي تكريسهم “للشتات”.

4- أما السبب الثالث في تناقص النسبة المئوية للمسيحيين بعد النكبة والهجرة هو في أعداد مواليد العائلة المسيحية: ففي إسرائيل مثلاً تنجب المرأة اليهودية ما معدلة 2.88 طفلاً، والمسلمة 3.84 طفلاً والدرزية 2.49 طفلاً والمسيحية 2.18 طفلاً، وعلى إمتداد قرن من الزمن تتآكل نسبة المسيحيين بإستمرار وتسارع. من الجدير بالذكر أيضاً أن مجرد 3% من أراضي إسرائيل بقيت في أيدي العرب، مسلمين ومسيحيين، مع أن نسبتهم اليوم تزيد عن 22%، في الضفة حيث أن الاحتلال يسيطر على أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية. هذه الإحصائيات وغيرها الكثير من الحقائق الديمغرافية تناولها الدكتور جوني منصور في كلمته في المؤتمر إنما بإسهاب أكثر في الكتاب الذي صدر عن ديار للنشر 2012 “المسيحيين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر”.

5- اتفق جميع المتحدثين أن المسيحيين الفلسطينيين ليسوا مجرد رقم. وبالأخص أصحاب الغبطة البطريرك ميشيل صباح والمطران وليم شوملي والمطران منيب يونان. فقد حث غبطته المسيحيين على التشبث بالإيمان الذي ينقل الجبال ولا ينكسر أمام الصعوبات. وشدد المطران منيب يونان أن المسيحيين الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من مجتمعنا العربي الفلسطيني ومرتبط بتاريخه ونضاله وتراثه وآماله رافضاً بان ينعت المسيحيين بأنهم أقليات تحتاج إلى حماية فهم جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة. وثنّى سيادة المطران وليم شوملي على ضرورة ألّا تتحول هذه الأرقام إلى “حائط مبكى افتراضي يتلو عليه المسيحيون مراثي ارميا، وان حضورنا ليس مجرد أرقام ونسب مئوية وإنما نوعية حضور وتأثير وتجسير الهوة بين الثقافات السائدة حولنا وعلينا أن نعمل على تعميق الإيمان المسيحي وتقارب أكثر بين الكنائس وتعزيز حوار أعمق وعيش مشترك بين جميع أصحاب الديانات”.

وبدوره أكد سيادة المطران عطالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، أن المسيحيين الفلسطينيين ليسوا بضاعة مستوردة من هنا وهناك. كما تناول سيادته موضوع المسيحيين الفلسطينيين في غزة موضحاً حالياً أن هذا الوضع في غزة هو الأسوأ، وذلك نتيجة لسياسة الإغلاق الإسرائيلية من جهة، وللحركات الأصولية من جهة أخرى.

وفي وجهة نظر أخرى أفاد الدكتور حاتم خوري، نائب مدير عام بلدية حيفا سابقاً وعضو مجلس أمناء جامعة حيفا، أن النوعية بحاجة إلى كمية، فإن النوعية تفقد قيمتها إذا تقلصت الكمية خاصة إذا أردنا أن نكون شركاء في القرار أو في التأثير على من يأخذ القرار. فكما قال الدكتور حنا عيسى حنا عيسى، أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، أنه وفي الوقت الراهن يبلغ عدد المسيحيين في غزة 1250 مسيحي فقط، استعرض الدكتور برنارد سابيلا أعداد المسيحيين في القدس والضغوط التي تتعرض لها المدينة المقدسة ومسيحيوها جراء سياسات الاحتلال. كما دعا الكنائس إلى تبني أكبر للهم الاجتماعي.

6- أظهرت الدراسة الثانية التي أجراها كل من السيدة رانيا القص والقس د.متري الراهب، مؤسس ورئيس مجموعة ديار، والسيد رفعت قسيس، أمين سر حركة كايروس الفلسطينية، “المسيحيون الفلسطينيون في الضفة الغربية” الصادر عن ديار للنشر، أن حوالي 45% من مجموع المؤسسات والهيئات الأهلية هي مؤسسات مسيحية التمويل أو الإدارة أو التأسيس. كما تبين انه وفي الضفة الغربية الكنيسة هي من أكبر الموفرين لفرص العمل بعد السلطة الفلسطينية، إذ يعمل في الكنائس حوالي 22000 موظف من مسيحيين ومسلمين، وعلى صعيد آخر يعمل حوالي ثلث المسيحيين الفلسطينيين في مؤسسات كنسية. ومن الملاحظ أن هناك تنامياً في روح التطوع في الكنائس، فقد تغير السؤال الأزلي “ماذا تقدم لي الكنيسة” إلى سؤال أكثر ايجابية وهو: “ما هو دوري في هذه الكنيسة؟ ماذا أستطيع أن أقدم؟ كيف لي أن أخدم الكنيسة؟”.

7- سلط الضوء على قضية الهوية في جلسة “المسيحيين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر” وأظهر الدكتور زياد شليوط، أمين سر المجلس الرعوي في رعية اللاتين في شفاعمرو، تغير المفاهيم الخاصة بالهوية للمقيمين داخل الخط الأخضر من المسيحيين مقسماً تعريفات الهوية على ثلاث مراحل تغيرت عبرها أدوار المسيحيين الفلسطينيين: الأولى ما بين 1948-1967 حيث عرف الفلسطيني نفسه حينها على انه فلسطيني وبين 1967 إلى 1990 على أنه عربي والجيل الجديد شمل عدة هويات حيث قد تكون أحياناً متضاربة. فيما تمحورت مداخلة الدكتور عطالله قبطي، الأستاذ في الكلية الأرثوذكسية العربية، حول التعليم الديني والمناهج وأثرها على التثبت بالهوية.

8- أفضت هذه الجلسة والجلسات الأخرى إلى نتيجة مفادها أن هناك سياسات تمييز عرقي وعنصري وديني، لذلك ينادي المسيحيون والمسلمون واليهود المتنورون بدولة القانون، وبمواطنة كاملة. فقضية المواطنة الكاملة طرحت بقوة في المؤتمر من خلال المتحدثين أو بمشاركات الجمهور. المواطنة ليست فقط مطلب المسيحيين في إسرائيل، بل هو ذاته أيضاً في كل الدول العربية.

9- الجلسة الأخيرة تطرقت إلى أهمية الخطة الاستراتيجية والتي لا بد أن يكرسها الدستور وتحميها دولة القانون والحريات حيث تعكف بعض القيادات الدينية والسياسية على متابعتها بهدف تفعيل الحضور المسيحي في فلسطين. وقد شارك في الجلسة التي طرحت هذه الخطة الاستراتيجية كل من الدكتور زياد البندك، مستشار الرئيس محمود عباس للعلاقات المسيحية، والسيد حنا عميرة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الهيئة العليا للشؤون الكنسية، وغبطة البطريرك ميشيل صباح، بطريرك القدس للاتين السابق. وقد وضعت الخطة خمس سنوات أهداف استراتيجية نصب أعينها:

– تربية الإنسان على أسس المواطنة واحترام الآخر.
– العمل على دستور عصري.
– العمل في المناهج.
– زيادة الوعي والتربية لأهمية الحضور المسيحي الأصيل في صياغة المجتمع الفلسطيني ومساهمته في النضال من أجل العدل والسلام.
– إسماع الصوت المسيحي في المنابر الدولية.
– خلق مسيحي واع روحياً ومكتف مادياً.
– تعزيز الإعتماد على الذات.
– توجيه الكنائس والمؤسسات لتعزيز الإنتماء إلى المجتمع والمساهمة في بنائه وذلك بالعمل على تشجيع المهاجرين على الإستثمار، و تطوير رؤية مشتركة مبنية على وحدة المصير.
– العمل على سلام القدس بالمحافظة على طبيعتها كمدينة مقدسة ذات طابع شمولي، وبالعمل على ترسيخ المساواة بين جميع سكانها.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share