الشهيد الأب فادي الحدّاد، اسم على مسمّى

mjoa Wednesday October 31, 2012 74

التصق لقب “الفادي” في التراث المسيحي الحيّ بيسوع المسيح وحده، إذ به حصل الخلاص للعالم. ولا شكّ، مسيحياً، أنّ الفداء بلغ ذروته في قبول المسيح الموت على الصليب باذلاً نفسه فديةً عن الإنسان وخطاياه. ولا يسعنا إدراك معنى الفداء إذا تمّ فصله عن التضحية القصوى التي أتمّها السيّد المسيح على الصليب.

الفدية، إذاً، في المفهوم السائد، تعني تخليص أحد أو تحريره من أسر أو من محنة عبر أداء مبلغ معيّن.

غير أن المسيح افتدى العالم على الصليب بدمه، فالرسول بطرس يقول في رسالته الأولى (1، 18-19): “وقد علمتم أنّكم لم تُفتدوا بالفاني من الفضّة أو الذهب من سيرتكم الباطلة التي ورثتموها عن آبائكم، بل بدم كريم، دم الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس، دم المسيح”.

المسيح، في التراث المسيحي، هو الحمل الذبيح الذي به بدأ العهد الجديد، عهد الخلاص والمحبّة الخالصة. “كشاة سيق إلى الذبح، وكحمل صامت أمام الذين يجزّونه ولم يفتح فاه” (إشعيا 53، 7). يقول القدّيس أفرام السوري (+373) معلّقاً على هذه الآية: “ثمّة مَن ينتصر بالمنافحات، ولكن ربّنا انتصر بصمته… لم يفتح فاه إلاّ ليعلّم، وصمت أمام المحكمة… أقوال أعدائه لم تكن سوى تاج على رأسه”.

المعنى الحقيقي لمفهوم الفداء المسيحي وجده التراث المسيحي في نبوءة إشعيا عن “عبد الله المتألّم” التي تحققت في يسوع المسيح. فهذا العبد لله سيحمل خطايا العالم ومعاصيهم بسلام ووداعة، وسيكون فداء لهم: “طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شُفينا (…) يبرّر عبدي البارّ الكثيرين، وهو يحتمل آثامهم، لأنه أسلم نفسه للموت، وأحصي مع العصاة، وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في معاصيهم” (إشعيا، 53، 5 و11-12).

لا يسعنا عزل هذا الفداء عن المحبة الإلهية التي جعلت الله يبادر إلى إرسال ابنه الوحيد (يسوع المسيح) ليفتدي به البشرية: “وما تقوم عليه المحبة هو أننا لسنا نحن أحببنا الله، بل هو أحبنا، فأرسل ابنه كفّارة لخطايانا” (رسالة يوحنا الأولى 4، 10)، وأيضاً: “أما الله فقد دلّ على محبّته لنا بأن المسيح قد مات من أجلنا إذ كنا خاطئين” (رومية 5، 8).

الأب الشهيد فادي الحدّاد اسم على مسمّى. وُلد في مدينة قطنا في ضواحي دمشق عام 1969، وصار خادماً لرعيّتها بعدما أتمّ دروسه اللاهوتية في معهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللاهوتي في جامعة البلمند. خرج من بيته، بعدما ودّع زوجته وأولاده، مزوّداً مبلغاً من المال لإنقاذ أحد أبناء رعيّته من أيدي خاطفيه، فلمّا وصل إليهم خطفوه وعذّبوه وفقأوا عينيه وذبحوه.

الأب فادي اسم على مسمّى، اقتدى بمعلّمه، افتدى رعيّته بأغلى ما يملك، ذاق الآلام المبرّحة، تحمّل الإهانات والشتائم، جاد بنفسه، لم يبخل بروحه. ذهب إلى أقصى ما يعنيه الاسم الذي يحمله، أدرك أنه لا يستحقّ هذا الاسم إن لم يحيَه في كلّ أبعاده ومقتضياته. “ما من حبّ أعظم من هذا: أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه” (يوحنّا 15، 13). ملء الحب بلغه الفادي الشهيد بدمائه الزكية. ما يهبنا بعض العزاء هو أن الكنيسة وسوريا وعائلته قد وُلد فيها اليوم قدّيس جديد.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share