الجماعات الدينيّة في لبنان ما بين الطائفيّة والمواطنة

الأب جورج مسّوح Wednesday July 31, 2013 230

يتّفق معظم اللبنانيّين على القول إنّ الطائفيّة هي العلّة الأساسيّة التي تجعل البلد ينتقل، وباستمرار، من أزمة إلى أخرى. ويتّفقون على القول إنّ الطائفيّة، وإن لم تكن دائمًا السبب الرئيس في اندلاع النزاعات الداخليّة، كانت هي الوقود الذي استعمله أصحاب الشأن في إذكاء نار هذه النزاعات وتحوّلها إلى حروب لم يسلم من أذاها اللبنانيّون، فدفعوا الأثمان غاليًا من حيواتهم وأرزاقهم.

وثبت بالبرهان القاطع أنّ على اللبنانيّين، كيلا ينزلقوا بين حقبة وأخرى إلى شباك الفتنة الداخليّة، أن يتجاوزوا الحالة الطائفيّة إلى حالة المواطنة حيث تتقدّم، في المجتمع السياسيّ وفي الدولة الجامعة، الهويّة الوطنيّة والعصبيّة الوطنيّة على سواها من الهويّات والعصبيّات الدينيّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة. وأولويّة العصبيّة الوطنيّة لا تلغي في أيّ حال من الأحوال العصبيّات الأخرى التي لكلّ منها مجالها وحيّزها. ففي الشؤون الوطنيّة ثمّة عصبيّة جامعة، وفي الشؤون الدينيّة ثمّة عصبيّات أخرى، ولا يجوز الخلط بينها.

لا يسعنا، في واقعنا الاجتماعيّ والسياسيّ الحالي، إنكار ما للعصبيّات الطائفيّة من تأثير متعاظم في تشكّل العلاقات بين اللبنانيّين. لكنّنا، في الآن عينه، لا يمكننا أن نحيا في تناقض فاضح بين ما نقوله وما نصنعه بالفعل. ثمّة انفصام مرضيّ يهيمن على الخطاب السائد في الأوساط السياسيّة من حيث التأكيد على أهمّيّة إلغاء الطائفيّة السياسيّة من جهة، والعمل الحثيث على ترسيخها من جهة أخرى.

لن يستقيم الحديث عن »الوحدة الوطنيّة« ما لم يكن ثمّة »مواطن« بكلّ ما للكلمة من معنى. فـ»المواطن«، في لبنان، غائب لصالح الكتلة الطائفيّة التي يتمّ تنسيبه إليها رغم إرادته وخياراته الوطنيّة. وما يحكى عن »وحدة وطنيّة« تجمع اللبنانيّين ليس سوى سراب وأضغاث أحلام. أمّا واقع الحال، فيشير إلى أنّ ما نشهده هو تنامي الوحدات الطائفيّة التي تقضي على ما تبقّى من »الوحدة الوطنيّة«.

وبناءً على قراءة متأنّية للخطاب السياسيّ والدينيّ، يسعنا القول إنّ الهويّة الطائفيّة تتقدّم عند معظم اللبنانيّين على الهويّة الوطنيّة والانتماء إلى لبنان »الوطن النهائيّ« كما ورد في الدستور. وهذا الكلام لا ينسحب على فئة دون الأخرى، أو على طائفة دون الأخرى. وليس الحديث عن الانتماء الوطنيّ سوى غطاء يستبطن خطابًا طائفيًّا أو مذهبيًّا لحشد ما يمكن حشده واستثماره، إن في صناديق الانتخابات، أو في النزاعات المسلّحة، أو في تعيين »المستزلمين« في الدولة.

ثمّ إنّ التوافق بين السياسيّين على أساس طائفيّ لا يبني مجتمعًا وطنيًّا موحّدًا، بل بناء »المواطن« الفرد، الذي يعرف حقوقه ويقوم بواجباته تجاه المواطنين الآخرين هو، وحده، الذي يصنع الوحدة الوطنيّة. أمّا ما نحياه في وطننا، اليوم، فهو نوع من توازن رعب قوامه الطوائف ومصالحها وشهوات الماسكين أمورها والساعين إلى حصصهم من الجبنة التي اسمها السلطة والمال.

لا ريب في أنّ الاستقطاب الطائفيّ يزداد حدّة في لبنان، ويتنامى تفشّي الطائفيّة على حساب ضمور المواطنة. وباتت كلّ مسألة سياسيّة أو كلّ مشروع لقانون جديد يستدعي جدالاً طائفيًّا، وحشدًا لمقدّرات كلّ طائفة من الطوائف في سبيل كسب أيّ موقع يعزّز من متانتها وسطوتها على المنتمين إليها. وهذا هو حال المشاريع المطروحة للوصول إلى قانون انتخابيّ »عادل« كما يزعم كلّ صاحب مشروع.

ما يثير السخرية هو أنّ مؤيّدي أيّ مشروع قانون انتخابيّ ومناهضيه، على السواء، ينطلقون من ذهنيّة طائفيّة بعد أن يسربلوها بكلام وطنيّ. فإذا أخذنا، على سبيل المثال، ما يسمّى بـ»المشروع الأرثوذكسيّ«، الذي يقوم على أساس أن تنتخب كلّ طائفة نوابها، لوجدنا داعميه ومعارضيه يتذرّعون بالوطنيّة والعيش المشترك، فيما لا يبحث الطرفان عن سوى مصالحهم الطائفيّة وما سيكسبونه من مقاعد في حال تبنّي هذا المشروع أو ذاك. وما يثير السخرية، أيضًا وأيضًا، هم أولئك الذين يقولون إنّهم لاطائفيّون و»علمانيّون«، لكنّهم، وبسبب واقع الحال الطائفيّ، يتبنّون خيارات طائفيّة، وينخرطون في اللعبة الطائفيّة إلى حين انقضائها، وفق ما يزعمون.

اللبنانيّون بارعون في إطلاق الشعارات المفرّغة من مضامينها. »لبنان وطن العيش المشترك«، ولم يخلُ عقد من السنوات منذ قرنين على الأقلّ من الفتن الداخليّة القائمة على الطائفيّة! »لبنان الوطن«، وليس ثمّة مواطن يساوي آخر في الحقوق والواجبات في بلاد الأرز. »لبنان الرسالة«، عن أيّة رسالة يتحدّثون؟! »لبنان الرائد في حقوق الإنسان«، والإنسان في لبنان مهدورة حقوقه وكرامته. »الديمقراطيّة«، التي لم يؤخذ منها سوى آليّة الاقتراع واحتساب الأصوات. »الحرّيّة«، نعم، حرّيّة الفساد وحمل السلاح والارتهان للخارج…

يرفض أحد النوّاب اللبنانيّين النظام العلمانيّ برمّته، لكنّه في الآن عينه يقول إنّه مع قيام الدولة المدنيّة. غير أنّه يرفض تشريع الزواج المدنيّ الاختياريّ في لبنان، ويطالب اللبنانيّين ممّن يريدون عقد زواج مدنيّ بالسفر إلى الخارج لإتمام هذا العقد. هو، إذًا، يخلع عن المواطنين اللبنانيّين الراغبين في الزواج المدنيّ صفة المواطنة، علمًا أنّ بينهم العديد من المواطنين الأكثر صلاحًا من غالبيّة النوّاب. أمّا المغالطة الكبرى في حديث النائب نفسه، فتأتي حين يعتبر الزواج الإسلاميّ زواجًا مدنيًّا لا دينيًّا لأنّه لا يشترط وجود رجل دين لعقده!

لا يمكن اعتبار الزواج الإسلاميّ زواجًا مدنيًّا بأيّ حال من الأحوال، ذلك بأنّ تشريعات هذا الزواج دينيّة كلّها، ومصدرها »إلهيّ« لا بشريّ. الزواج الإسلاميّ زواج دينيّ محض وإن لم يشترط وجود »الإكليروس« الإسلاميّ، غير أنّ أحكامه دينيّة وما ينتج منه، كالطلاق والإرث، أحكامه دينيّة أيضًا. ثمّ إنّ لفظ »مدنيّ« يستوجب ثقافة متكاملة تقوم على أسس الحداثة والعصر الحديث، وأهمّها المساواة التامّة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافّة، وبخاصّة بين الرجل والمرأة. وهذا التفاوت في الحقوق لا يقتصر على تشريعات ديانة دون أخرى.

أمّا فتوى الشيخ محمّد رشيد قبّاني، مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة، بتحريم الزواج المدنيّ وتشريعه في لبنان، فتؤكّد أنّ كلّ كلام فقهيّ عن انسجام الإسلام و»الدولة المدنيّة« تنقصه الدقّة وتعوزه الصراحة. وهذه الفتوى تؤكّد هواجسنا بأنّ الوصول إلى »الدولة المدنيّة« الحقيقيّة ما زالت دونه أهوال جمّة.

البحّاثة في الشؤون الإسلاميّة لا يستغربون ما جاء في الفتوى بـ»أنّ كلّ مَن يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة على تشريع الزواج المدنيّ وقوننته، ولو اختياريًّا، هو مرتدّ وخارج عن دين الإسلام، ولا يُغسل ولا يكفّن ولا يُصلّى عليه ولا يُدفن في مدافن المسلمين«. ذلك بأنّ علماء الإسلام، قديمًا وراهنًا، يجمعون على رفض الزواج المدنيّ واعتباره مخالفًا للشريعة الإسلاميّة.

فالمفتي الشيخ حسن خالد (ت 1987)، على سبيل المثال، يذهب المذهب عينه، فيرفض الزواج المدنيّ رفضًا قاطعًا: »نحن نرفض، كقيادة روحيّة، الزواج المدنيّ، لأنّه يتعارض في بنوده التشريعيّة ونصوصه مع أحكام الشريعة الإسلاميّة. فيبيح زواج المسلمة من المسيحيّ أو من اليهوديّ« (مقابلة مع مجلّة »الحوادث« اللبنانيّة، 28 تشرين الثاني 1975).

موقف المفتي قبّاني من الزواج المدنيّ، إذًا، ليس جديدًا وليس مخالفًا لما أجمع عليه المفتون والفقهاء. لكنّه، في الظروف الراهنة التي تمرّ بها الدول العربيّة، وفي ظلّ الكلام المتنامي على السعي إلى قيام »الدولة المدنيّة«، لا يدع مكانًا للشكّ في أنّ لا صدقيّة لكلّ ما يتمّ الترويج له عن توافق الدولة المدنيّة والشريعة الإسلاميّة كما تقدّمها الأدبيّات الإسلاميّة المعاصرة، وبأنّ إمكانيّة تساكنهما هي ما دون العدم. ويصل المفتي قبّاني إلى حدّ المطالبة برفض الزواج المدنيّ وإسقاطه، ويساويه بالجهاد إذ يعتبره »فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة وواجب على جميع العلماء المسلمين في لبنان من كلّ الطوائف الإسلاميّة«.

لا دولة مدنيّة حقيقيّة من دون قانون مدنيّ للأحوال الشخصيّة. فمن أسس الدولة أن تكون لها السيادة على جميع مؤسّّساتها، وعلى رأسها القضاء. أن تتخلّى الدولة عن جزء من القضاء وأن تسلّمه تسليمًا مطلقًا للهيئات الدينيّة يجعلها منتقصة السيادة ومنتهكة. أن يضطرّ اللبنانيّ واللبنانيّة إلى اللجوء إلى الدول الأجنبيّة من أجل عقد زواج مدنيّ تعترف به الدولة، لهو نفاق ما بعده نفاق، ويجعل الدولة، عدا عن مخالفتها أصول المواطنة الحقّ، معدومة السيادة وقامعة للحرّيّات العامّة وحقوق الإنسان.

الدولة المدنيّة بعيدة المنال، وذلك ليس بسبب فتوى المفتي قبّاني وحسب، بل لأنّ تأزّم المجتمعات العربيّة، والمجتمع اللبنانيّ ليس استثناءً، يزداد تفاقمًا. وليس لـمَن يؤيّد مشاريع القوانين الانتخابيّة القائمة على الطائفيّة أن يستهجن الفتوى القبّانيّة، بل هو، بتبنّيه الانحطاط، يضيف ماءً إلى طواحينها. وليس لـمَن يطالب بحقوق المسيحيّين أو بحقوق المسلمين ويتغافل، في الآن عينه، عن حقوق المواطن الفرد أن يستنكر أيّ فتوى دينيّة تبيح أمرًا أو تحرّم أمرًا آخر. هي ذهنيّة واحدة نابعة من أرومة واحدة ولا تثمر سوى قطعان معدّة للذبح.

ليس ثمّة نظام يسيء إلى الديانات أكثر من النظام الدينيّ نفسه، وليس ثمّة نظام يسيء إلى الطوائف أكثر من النظام الطائفيّ ذاته، وليس ثمّة نظام يخالف القيم الدينيّة والطائفيّة أكثر من النظام الدينيّ أو الطائفيّ. فالنظام الدينيّ نظام تمييزيّ يمنح أصحابه امتيازات وحقوقًا يحرّمها على غير أصحابه من أبناء البلد الواحد. والنظام الدينيّ لا يراعي الحرّيّة، إذ يفرض قوانينه وشرائعه على عموم الناس، ولا سيّما في قوانين الأحوال الشخصيّة، ولا يسمح للمنتمين إليه بحرّيّة الانتقال إلى ديانات أخرى.

إذا كانت الديانات تنادي، بناءً على نصوصها الدينيّة التأسيسيّة والتراثيّة معًا، بكرامة الإنسان وبحرّيّته، وبالمساواة التامّة بين خلق اللَّه كافّة، فالنظام الدينيّ أو الطائفيّ يذهب دائمًا في الاتّجاه المعاكس لهذا الكلام. والتجربة التاريخيّة القديمة والحديثة للدولة الدينيّة، مسيحيّة أو إسلاميّة، هي أكبر حجّة لـمَن يريد البحث عن نماذج لانتهاك كرامة الإنسان، والحجز على حرّيّته، والتمييز الذي يرزح تحت وطأته مَن ليس منتميًا إلى الديانة الحاكمة.

الأكثر سوءًا من الأنظمة الدينيّة هو، بلا ريب، النظام الطائفيّ. ثمّة مَن يقول إنّ النظام الطائفيّ ليس نظامًا دينيًّا. هذا كلام صحيح. لكنّ النظام الطائفيّ يتقاسم والنظام الدينيّ ميزة أساسيّة هي كونه نظامًا يستغلّ الدين في سبيل السلطة والحجر على الحرّيّات والتمييز بين أبناء الوطن الواحد. النظام الطائفيّ نظام استغلاليّ تحتكر فيه الطوائف الكبرى مفاصل السلطة فيما يُحرم منها أبناء الأقلّيّات الطائفيّة. وإنْ لم يكن النظام الطائفيّ في لبنان نظامًا دينيًّا بحتًا، غير أنّه لا يقلّ عن النظام الدينيّ سوءًا من حيث استغلاله للدين في خدمة السياسة ودهاليزها القاتمة.

كلّ كلام على المواطَنة في النظام الدينيّ أو الطائفيّ هو كلام محض هراء. فإذا كانت المواطنة تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، نجد في الأنظمة الدينيّة والطائفيّة تفاوتًا في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد، وغيابًا للمواطنة. وللمفارقة تبدو الأنظمة التي تتبنّى المواطنة معيارًا للتعامل بين ناسها كافّة أقرب إلى الفكر الدينيّ الأصيل الذي لا ينفكّ عن التذكير بالمساواة أمام اللَّه بين الناس جميعًا. وبين هذه المواطنة الحقّ والنظام الطائفيّ يدفعنا الإيمان باللَّه إلى المناداة بالمواطنة ونبذ الطائفيّة إرضاءً لوجهه تعالى.

لا يسعنا أن نرى في احتكار الطوائف للأحوال الشخصيّة سوى رفض حرّيّة الإنسان وإكراهًا له لقبول ما لا يرغب فيه. فالطوائف، حين تفرض أحوالها الشخصيّة على المنتمين إليها بالولادة من دون اقتناع منهم، إنّما تنتهك الحرّيّة الإنسانيّة بالإيمان أو برفض الإيمان، وهذا يذهب ضدّ نصوصها التأسيسيّة وضدّ ما تقوله في تعاليمها عن الحرّيّة. اللَّه أخرج آدم من جنّته حين اختار أن يعصيه. لم يلزم اللَّه آدم بأن يبقى في جنّته. أمّا الطوائف، فتريد أن تبقي قبضتها ماسكة برقاب مَن لا يريد الانتماء إليها عبر التمسّك بحصريّة الأحوال الشخصيّة. الطائفيّة، هنا، تخالف إرادة اللَّه الذي خلق الإنسان حرًّا ولم يندم إلى الآن على صنعه على هذه الصورة.

منذ سنتين انطلقت حملة قادها شبّان وشابّات من المجتمع المدنيّ عنوانها »إسقاط النظام الطائفيّ«، وهي دعوة تشكّل خدمة عظمى للفكر الدينيّ الأصيل تأتي كالعادة من خارج المؤسّّسات الدينيّة التي غالبًا ما تتأخّر عن المطالبة في تطبيق الفكر الدينيّ. غير أنّ هذه الدعوة في حاجة إلى توعية حقيقيّة ربّما بدأت مع بعض الشباب والشابّات الراغبين في رؤية بلدهم يتقدّم ليتبوّأ فعليًّا أحد مراكز الصدارة في مسألة احترام حقوق الإنسان.

لكن، قبل إلغاء الطائفيّة السياسيّة، لا بدّ من القيام بخطوات عدّة ضروريّة من دونها لا يمكن الوصول إلى إلغاء حقيقيّ للطائفيّة، بل نكون قد انتقلنا إلى حالة طائفيّة جديدة أشدّ سوءًا من الأولى، حيث تسيطر فيها الأكثريّات العدديّة الطائفيّة والمذهبيّة على الأقلّيّات. أمّا الخطوات الواجب القيام بها، فتبدأ بالتوعية والتربية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافّة.

وفي الإطار ذاته يمكن المعنيّين الشروع في إنشاء مجلس للشيوخ تتمثّل فيه الطوائف؛ وانتخاب المجلس النيابيّ بعيدًا عن الانتماء الطائفيّ، وبناءً على قانون انتخابيّ عادل يتساوى فيه اللبنانيّون ترشّحًا واقتراعًا؛ وسنّ قانون للأحزاب يمنع تشكّل أحزاب غير متنوّعة دينيًّا وطائفيًّا؛ وقانون للإعلام يمنع استعمال المنابر الإعلاميّة لشحن المواطنين بالطائفيّة؛ ولا بدّ من سنّ قانون مدنيّ اختياريّ، في مرحلة أولى، للأحوال الشخصيّة؛ والعمل على كتاب تربية دينيّة مشترك بين المسيحيّين والمسلمين، يتعرّف فيه الطالب إلى دينه ودين شريكه في الوطن بلغة علميّة ومنطقيّة بعيدة عن التبشير أو الدعوة؛ ودعم قيام هيئات المجتمع المدنيّ، تلك التي تدافع عن قيم المواطنة والحرّيّة وحقوق الإنسان والديمقراطيّة…

لقد أثبتت مقولتا »يجب إزالة الطائفيّة من النفوس قبل النصوص« أو »من النصوص قبل النفوس« عقمهما. فالتراصف الناشئ عن الانقسام بين القائلين بصحّة إحدى المقولتين دون الأخرى، يجعل إزالة الطائفيّة أمرًا بعيد المنال، ويشلّ أيّ عمل جدّيّ للوصول إلى إزالتها. فينبغي العمل على إزالة الطائفيّة من النصوص والنفوس معًا، عبر مشاريع القوانين التي تأخذ في الاعتبار المواطنة أساسًًا لها من جهة، وعبر التنشئة والتربية والتعليم من جهة أخرى.

الحاجة في لبنان باتت ماسّّة إلى دولة مدنيّة تحترم الإنسان، لا إلى دولة مدنيّة تتحكّم فيها الطوائف. غير أنّ أحدًا لا يستطيع أن يوقف عجلة التاريخ.l

مجلة النور، العدد الخامس 2013

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share