تجليات دمشقية: رأس السَّنة الكنسيَّة وعيد القديس سمعان العمودي

mjoa Monday September 2, 2013 96

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

عظة هذا الأسبوع لقدس الأب نقولا وهبة

أيها الأحباء،
في هذا اليوم، تعيّد الكنيسة الأرثوذكسيّة ابتداء “الإندكتيون”، أي رأس السنة الكنسية الجديدة. فللكنيسة روزنامتها العباديّة التي تختلف عن التَّقويم المعتاد الذي وُضِع أيَّام يوليوس قيصر، وتبدأ سنته في الأول مِن كانون الثاني. تتضمّن السنة الكنسية كافة الأعياد والمواسم والاحتفالات، والطقوس والصلوات والأصوام المتّصلة بها. ونحن نحيا هذه المحطّات والأوقات بفرح عارم، وننتظرها بشوقٍ ولهفة فائقين.


إن لفظ “إندكتيون” – كما يشرح المطران جورج خضر – أصله رومانيّ، ومعناه “الحدّ”، وهو ضريبة كان يفرضها الإمبراطور الرومانيّ على رعاياه في سبيل دعم الميزانيّة العسكريّة لدولته، وكانت ثابتة لمدّة خمسة عشر عامًا. ولكون شهر أيلول في المشرق هو شهر الحصاد وجمع المواسم والغلال و”المونة”، تعيّن فيه تسديد هذه الضريبة حيث يتوافر المال المتوجّب لها.

وفي هذا اليوم تقرأ الكنيسة في القدّاس الإلهيّ النصّ الإنجيليّ المأخوذ من القدّيس الرسول لوقا (16:4-22) الذي يرد فيه أنّ السيّد المسيح أتى لتبشير المساكين، وتعزية المستضعَفين والمعذَبين في الأرض، وشفاء العميان والمخلّعين والصمّ والبكم والبرص… وبأنّ رسالته الأساسيّة ستكون الكرازة بـ”سَنة الربّ المقبولة”.

    ما هي سنة الربِّ المقبولة؟ ما معنى أن يكون وقتنا نهارنا وليلنا مقبوليَن عند الله؟ وكيف يكون لزماننا الذي يتسارع نكهةٌ مختلفة اليوم؟ إين الجدَّة في الزمان؟  ألم يَرِد في سفر الجامعة قوله: ” ما كان فهو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع، فليس تحت الشَّمس جديد”(جا1: 9). ما الجديدُ واثنا عشر شهراً يعبرون بنا إلى سنةٍ كسابقاتها مملوءةٌ فقراً وقلقاً واضطراب؟ فربما تنتهي أزمةٌ هناك، وتتوقّف حربٌ هنا، ولكنَّ مسبيِّي الشيطان الذين يصنعون الشر سيبقون يصنعونها من سنةٍ إلى أخرى! ونحن إن شئنا أم أبينا بأفعالهم متأثرون!

    يأتي المسيحُ… ليكرِز لكم اليوم بسنة الربِّ المقبولة. ليعلمنا أنَّ جدَّة الحياة تكون من داخل. وبأنَّ التجديد يكون بروح أذهاننا رغم الفناء التدريجي لإنساننا الخارجي (2كو16:4). فالأيام تدور ولا جديد تحت الشمس لمن هم تحت الشمس، أما للذين حلَّ شمسُ البرِّ في نفوسهم فقد صارت قلوبهم سماءً وعقولهم سُرُجاً وأجسادهم هياكل للروح القدوس الذي يسكن فيهم ويجدِّدهم.

    المسيحي لا يعيش الزمان والمكان إلا ليقدِّسهما، ليجعل من كلِّ هنيهةٍ فرصةً جديدةً للتوبة ومن كلِّ بقعةٍ مكاناً خصباً لنثرِ بذورِ المحبة. فالمسيحي راسمٌ أبداً إشارة الصَّليب في كل أعماله عامودياً نحو الله وأفقياً نحو القريب، لذلك تراه يسارع ليفتدي الزمان لأنه عالمٌ أنَّ الأيام شريرة.   

    أيامنا تكون جديدة بجدَّة الروح الذي يسكبها الله على الخاشعين. ومَن كان لزمانه أميناً  تراه ينمو يوماً فيوم مبتعداً عن ضجيج العالم ومقترباً من حاجات الناس، واضعاً الرب أمامه في كل حين لكي لا يتزعزع، وكما كان القديس سمعان العمودي يرفع عموده سنة بعد سنة حتى بلغ الأربعين ذراعاً، كذلك يكون الإنسان الذي يحيا بالروح، فتزداد أعماله الصالحة يوماً بعد يوم رافعةً نفسه الخاشعة إلى المعالي ومن مجدٍ إلى مجد، فيعيش من الآن زمانه كالأبدية ومكانه كالملكوت.

    بداية السنة الكنسية ونهايتها الحصاد. فدقِّق بما حصدت وتفَطَّن بما ستزرع لألا يأتي اليوم فتظهر أمام الله فارغاً.

الخاطئ
الأب نقولا وهبة

 

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share