“ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر”

mjoa Monday November 11, 2013 147

آيةٌ صغيرةٌ شَغَلَت كثيرين عَبر الأجيال، لأنّ البعضَ ظَنُّوا أنّ مريمَ والدةَ الإلهِ عَرَفَتِ الزّواجَ البَشَرِيَّ بعدَ وِلادةِ الرّبِّ العجائبيّةِ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. يأتي هذا التأمُّلُ البسيطُ في مناسبتَين: أوّلاً، اقتراب عيد الميلاد، وثانياً، عودة من يُسمَّونَ شُهود يهوه الى العمل بِقُوّة، متنقِّلِينَ بين القُرى والمُدُن.
 
عبارة “لَم يَعرِفْها” تُشيرُ بِحسبِ لُغَةِ الكتابِ المقدَّس إلى معرفةٍ جسديّة. يوسفُ لم يَعرِفْ مريمَ حتّى وَلَدَتْ يَسوع، فهل يَعني هذا الكلامُ أنّه عَرَفَها بعد ولادةِ يسوع؟


 
جاء في سِفرِ صموئيلَ الثّاني عن “مِيكال” زوجةِ النّبيِّ داود أنّها لَم تُنجِبْ حتّى ماتَت (2صم 23:6). هل يعني هذا أنّها أنجبَتْ بعد أن ماتت؟ بالطّبعِ لا. يُرادُ مِن التّعبير أنّها لَم تُنجِبْ مُطلَقاً. وهكذا فالآيةُ الواردةُ في متى “لَم يَعرِفْها حتّى وَلَدَتْ” تَعني أنّ يُوسُفَ لا علاقةَ لَهُ بِمَريمَ مِن جهةِ ولادةِ يَسُوع.
 
في كتابِ العهدِ الجديد، نَقرأُ عن هَرَبِ يُوسُفَ بِمَريَمَ والطِّفلِ يَسُوعَ إلى مصر، إثرَ صُدُورِ أمرِ هيرودُسَ بِقَتلِ أطفالِ بيتَ لَحم. وواضحٌ أنَّ طِفلًا واحِدًا كانَ مع يوسف ومريم في الذّهابِ إلى مصر، وعندَ العودةِ إلى النّاصرة، دون أن يكون كلامٌ عن طفلٍ آخَر. وفي الثانية عشرة مِن عُمرِ يَسوعَ أضاعَهُ يوسفُ ومريمُ في الهيكل، ولَم يَكُنْ هناك على مسرح الحَدَثِ وَلَدٌ آخَر. وكي نختصر التفاصيل التي لا مجال لها في هذه العجالة الصغيرة، نأتي الى الصليب حيث يقول الرّبُّ لِيُوحنّا عن مريم: “هذه أمُّك”. في مرحلة الصَّلْبِ كان عُمرُ الرّبِّ 33 سنة. أَيُعقَلُ أن يَطلُبَ الرّبُّ هذا مِن يُوحنا لَو كان لَهُ إخوةٌ آخَرُون؟
 
أمامَ هذا، يتكلّمُ شهود يهوه عن “إخوة يسوع”. هل صحيحٌ أنّ الإنجيل يَدعُونا إلى قبولِ فكرةِ أنّ لِيَسوعَ إخوة؟ أوّلاً، في الكتاب المقدّس تتعدّدُ الأسباب الّتي تَدعو إلى إطلاق عبارةِ أخ على الآخَرين: يمكن أن يكون الأخ مَن يُولَدُ لَكَ مِن أمِّكَ وأبيك. كما وَيُمكن أن يكون الأخ ابن بلدِك، أو نسيبَك، أو مَثيلَك في الإنسانيّة. وغير ذلك يستطيع المرء أن يُورِدَ أكثرَ مِن خَمسَ عَشْرَةَ حالةً يُطلَقُ فيها تعبيرُ أخ. كذلك فإنّ الرّبَّ نفسَهُ يقول عن الرّسل إنّهم إخوَتُه. ويقول في إحدى المعجزات:”يا ابنةُ عظيمٌ هو إيمانُكِ، لِيَكُنْ لَكِ كَما تريدين”. وهذا سيجعل هذه المرأة تِباعاً، أُختاً لنا. عندما نقرأ الكتابَ المقدّسَ علينا أنْ نتعمّقَ في التأمُّلِ والفَهم، وأنْ نَنظُرَ إلى كُلِّ مسألةٍ بِعَينٍ مِنَ الشُّمول. لا نستطيع أن نقولَ إنَّ يسوعَ تزوّجَ بِمُجرّدِ تسمِيتِهِ المرأةَ ابنةً، أو أن نَسمعَ كلامَ الرّسولِ بولس “خَطَبْتُكُم  عَروساً طاهرةً للمسيح”.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى، مريم والدة الاله ما كانت تنوي الزواج على الإطلاق، وعندما قبلت كلام الملاك، لم يكن الأمر لِيعنيَ أنّها تنجب الرّبّ عجائبيّاً ثُمّ تعودُ وتُنجبُ على نحوٍ طبيعيّ. لا يمكن لأحد أن يقولَ إنّ مريمَ تزوّجَتْ، وهي التي كانت تعيش لله بتولاً صغيرةً إلى حِينِ مَجيءِ ملاكِ الرّبِّ إلَيها في الناصرة. في الحقيقة لا يمكن أن يقبل أنّ مَن قالت ها أنا أَمَةٌ لِلرّبّ، أن تعود إلى الإنجاب والعناية بالأولاد. وهذا يؤكّدُه بِجَلاءٍ كَلامُ الرّبّ على الصّليب عندما أسند العنايةَ بِمَريمَ إلى الحبيب يوحنّا.
 
علينا أن نتعلّم كيف نقرأُ الكتاب المقدّس، لأنّ القراءة الصحيحة تقود إلى الاستنتاج والتعليم الصحيح. مريم العذراء هي في تعليم الكنيسة وإيمانها وضميرها: بتولٌ قبلَ الولادة، في الولادة، وبعد الولادة. آمين.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share