اللقاء الخامس من سلسلة لقاءات العائلة كنيسة في صيدنايا

mjoa Sunday December 1, 2013 193

“حول تساؤلاتنا وتساؤلات اولادنا المحيرة عن الموت في ظل الازمة الراهنة”

بنعمة الرب التقت عائلات مدارس الأحد الأورثوذوكسية بمركز دمشق باللقاء الخامس من سلسلة لقاءات العائلة كنيسة مع قدس الارشمندريت يوحنا التلي رئيس ديري القديس جاورجيوس والشيروبيم بصيدنايا بحديث رائع تحت عنوان”حول تساؤلاتنا وتساؤلات اولادنا المحيرة عن الموت في ظل الازمة الراهنة” وذلك بقاعة كنيسة الصليب. وقد كان تفاعل العائلات الذي وصل عددهم الى مئة مع الموضوع الذي لامس حياتهم ومعاناتهم الى حد كبير، كما اجاب الاب يوحنا التلي بطريقة رائعة  وبعرض مميزعن كافة الطروحات المحيرة عن رؤية اولادنا بكافة فئاتهم العمرية للموت والاجابات المناسبة بل والسلوك المناسب للتعامل معهم واستعرض نتائج اخر الدراسات حول الموضوع ..

تزامن حضور الاهل مع حضور وبرنامج ابنائهم في القاعة المجاورة اللذين امضوا بدورهم وقتا ممتعا ومفيدا مع المرشدين…
وقد سجل الحاضرين جميعا على اللقاء السادس القادم وهو يوم نشاط احتفالي للعائلة ككل بعيدي القديسة بربارة ويوحنا الدمشقي.

                                                                                                                         والسبح لله دائما..

 

lika2 khames 3a2ilaatt











نص المحاضرة

الموتُ بحسبِ رؤيةِ الأطفال

أولاً: مقدمة

الموت هو أحد أصعب المواضيع التي يمكنك الخوض فيها مع الأطفال، وخاصة عندما تكون في حالة صراع لتتعامل مع حزنك. لكن الموت أيضاً هو جانب من الحياة لا مفر منه، وعلى الأطفال أن يفهموه ويجدوا طرقاً للحزن بحيث يبدو طبيعياً.

نادراً ما يسألُ الطفلُ أسئلةً تتعلَّقُ بالموت. وإذا حدثَ وسألَ فلا يكونُ سؤالُهُ جزءاً من عمليةِ نموِّهِ الفكري والعقلي بقدرِ ما يكونُ محضَ تساؤلٍ عفوي لا يتكررُ لأنَّهُ ليسَ جزءاً من طبيعةِ العمر. والسؤالُ الهامُّ الَّذي يرافقُ السؤالَ عن الموتِ مرتبطٌ بالشعورِ الديني عندَ الطفلِ الَّذي لهُ الأهمّيَةُ الأكبرُ داخلَ بيوتِ الأُسرِ المؤمنةِ والمرتبطةِ بالكنيسة. وبالرغمِ من أنَّ طبيعةَ اللهِ هيَ الأبديةُ والخلودُ إلا أنَّ علاقتَهُ بالموتِ أساسية. هذا يعني أنَّ الأمرَ الطبيعي عندَ الطفلِ هوَ (عدمُ الموت). فالموتُ بكونهِ دخيلاً على الحياةِ يكونُ عندَ أطفالِ السادسة هوَ السؤالُ المهم، لأنَّهُ مرفوضٌ بحسبِ منطقِ عقولهِم. وغالباً تأتي أسئلتهم من ملاحظتِهم للحيواناتِ كمثلِ قولِهم: (لماذا لم يعد الطيرُ يستطيعُ الطيرانَ؟) أو (لماذا نامَ الكلبُ ولم يعد قادراً على الاستيقاظ؟). هناكَ صعوبةٌ للإجابةِ على مثلِ تلكَ الأسئلةِ وخاصةً إذا انتقلنا إلى ما هوَ الأهم (موتُ الإنسان). وأكثرُ الأسئلةِ المطروحةِ تتعلَّقُ بالولادةِ والموت، كأن يسألُ الطفلُ أينَ تذهبُ روحُ (فلانٍ) بعدَ موتِها؟ وهل سيعودُ الميتُ في وقتٍ لاحق؟
فلا نستغربنَّ كثرةِ أسئلةِ الأطفالِ الَّتي في حقيقتِها متشابهةٌ بالرغمِ منَ الخلفياتِ المختلفةِ من ثقافاتٍ ومجتمعاتٍ وبيئاتٍ متنوعة.

ثانياً: معاني الموتِ عندَ الطفل

معَ بداياتِ مراحلِ التفكيرِ للطفلِ وقبلَ بلوغِ السابعةِ بصورةٍ عامة، فإنَّ تصوّرَ الموتِ عندَهُ لا ينطوي على أي معنى من معاني الفناءِ أو الرحيلِ الأبدي، بل يكونُ على العكسِ من ذلكَ تصوّراً يتألّفُ من عناصرَ لا تخرجُ عن مظاهرِ الحياة. هذا يعني أنَّ استجابةَ الرعبِ الَّتي قد تلاقيها عندَ الأطفالِ لا تعني أنَّهم يدركونَ حقيقةَ الموتِ، كما يدركُها الكبارُ لكونِها:

– نهايةٌ طبيعيةٌ لهذهِ الحياة.
– مصيرٌ محتومٌ للكائناتِ الحية كلّها.
– مصيرٌ للذاتِ أيضاً وليسَ فقط للغير.

مثلُ هذهِ العناصرِ أو أحدُها لا نجدُها في مرحلةِ الطفولةِ الأولى الَّتي نتحدّثُ عنها. إنَّما – كما وجدَ الباحثونَ أن عندَ الطفلِ عناصرَ للموتِ مختلفةٌ وهيَ:

+ الموتُ عقوبةٌ: يستعملُ الكبارُ كلمةَ الموتِ بصورةٍ تهديديةٍ موجّهةٍ للصغارِ، أو يتبادلُها الكبارُ فيما بينَهم فتأتي على مسمعِ الصغارِ أيضاً. فيقترن الموتُ في ذهنِ الطفلِ بمعنى العقوبةِ ويفهمُها أنَّها مجردُ آلامٍ وأوجاعٍ جسيمةٍ يحسُّها الميت. أي أنَّ الطفلَ يستنتجُ بمنطقهِ اللاشعوري أنَّ الميتَ لا بدَّ أن يكونَ قد اقترفَ ذنوباً استحقَ عليها هذهِ الآلامُ الَّتي يسمّونَها الموت.
ومعَ تقدّمِ الطفلِ في السنِّ وهوَ لا يزالُ بمرحلةِ الطفولةِ المبكّرةِ، قد تزدادُ معلوماتُه فيعلمَ أنَّ الميتَ يُدفنُ في حفرةٍ ترابيةٍ، فتأتي الديدانُ والحشراتُ لتنهشَه. ولكنَّ الطفلَ يبقى دائماً متوهّماً أنَّ الميتَ يحسُّ كلَّ هذهِ الأمورِ ويعانيها بآلامٍ حياتيةٍ شديدة.
الموتُ عندَهُ فقط عقوبةٌ لذا ليسَ الموتُ مصيراً عاماً، إنَّما هوَ نصيبُ المذنبينَ لأنَّ الطفلَ يظنُّ أنَّهم بعدَ عقوباتِهم يعودونَ للحياةِ كحالةٍ طبيعية.
+ الموتُ مرضٌ:كما يقترنُ الموتُ في ذهنِ أكثرِ الأطفالِ بفكرةِ المرض. لذا يقترنُ الموتُ في ذهنِهم بصورِ الأطباءِ والمستشفياتِ والأدوية. ولأنه مرضٌ فالشفاءٌ منهُ ليسَ مستحيلاً، والإصابةُ بهِ ليست أمراً محتوماً على الجميع. حتَّى أنَّ المرضَ قد يكونُ عقاباً. وبذلكَ تتداخلُ معاني الموتِ بأحوالِ الشفاءِ وتمتزجُ في ذهنِ الطفل.
+ الموتُ حادثٌ طارئ: كأن يحصلَ الموتُ نتيجةَ حادثٍ غيرِ طبيعيٍّ (كحادثِ اصطدامٍ أو غرقٍ أو حريق) أو نتيجةَ عدوانٍ بالضرب. فلا يخرجُ الموتُ عن معنى القتلِ، فيقترنُ في تخيلاتِ الطفلِ (بالإسعاف). فيكونُ الموتُ ليسَ مصيراً عاماً، كما أنَّهُ ليسَ نهايةٌ ضرورية.
+ الموتُ نومٌ: هنا يفهمهُ الصغارُ أنَّهُ نومٌ لسببٍ في وظيفةِ عملِ الجسم. فلا يعود الميتُ قادراً على الأكلِ والشربِ والتنفسِ وأيضاً الرؤيةِ والسمع. فيعجزُ الميتُ عن اللعبِ والجري. وبما أنَّ النومَ أمرٌ مؤقتٌ فالموتُ أيضاً لا يكونُ مطابقاً لمعناه عندَ الكبار.

ثالثاً: مفهومُ مشاعرِ الموت عندَ الأطفال

يستقي الطفلُ مفهومَ الموتِ في مفهومهِ للحياة بقدرِ ما للحياةِ من أهميةٍ، وهيَ كذلك عندَ الأطفالِ. هكذا أيضاً يصيرُ الموتُ الَّذي يسلبُ وجودَ الحياةِ، فينالَ ذاتَ الأهميةِ بمشاعرَ عكسية، ويشكلُ لدى الطفلِ مشكلاتٍ وأموراً غامضةً تنشأُ عنها أسئلةٌ تأتي في إطارِ نموِّهِم وبحسبِ مدركاتِ عقولِهم ومشاعرِ نفوسِهم.

الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة أي في المرحلةِ الواقعة بينَ 3ِ-6ِ سنوات من نموِّهِم وخاصةً النموِّينِ العقلي والنفسي فإنَّهم يميلونَ إلى رؤيةِ العالمِ في حدودٍ إنسانيةٍ بصورةٍ عامة، أي أنَّهم يعتقدونَ بأنَّ كثيراً من الأشياءِ حيةٌ ولها مشاعرٌ ونياتٌ ومقاصد. ويعتقدونَ أيضاً أنَّ النباتاتَ والحيواناتَ وكذلكَ البيوتَ والسياراتَ صُنعَت منَ قِبلِ الإنسانِ ومن أجله. ويدركونَ أحداثاً كثيرةً تحصلُ في الكون، كلَّها ذاتُ مقصدٍ كمثلِ وجودِ الغيومِ وتحرّكِها وهطولِ الأمطارِ وما شابه. فالأطفالُ يؤمنونَ في هذهِ المرحلةِ أنَّ لا شيءَ البتةَ هوَ صنيعُ الصدفةِ وله وجودَ عَرَضي.
كما أنهم مدركون للموت في مرحلة مبكرة. يسمعون عنه في حكايات الجن، ويشاهدونه على التلفاز، ويصادفون حشرات صغيرة ميتة، أو طيوراً، أو غيرها على رصيف الشارع أو بجانب الطريق. وربما اختبر بعض الأطفال موت حيوان أليف أو فرداً من العائلة.

بالرغم من هذا توجد مفاهيم عن الموت لا يزال أطفال هذه المرحلة غير قادرين على فهمها. مثال على ذلك: لا يمكنهم أن يستوعبوا أن الموت دائم، وحتمي، ويصيب الجميع، ولا يمكنهم أن يفهموا أيضاً بأن كونك ميتاً يعني أن الجسد لم يعد يقوم بوظائفه. فهم يظنون أنه لا يزال بمقدور المتوفى أن يأكل، وينام، ويفعل الأشياء الاعتيادية – باستثناء أنهم يقومون بتلك الأشياء في السماء أو تحت الأرض.
لا يهم كم مرَّة تفسر ذلك، فالأطفال في هذه المرحلة لا يستطيعون أن يفهموا حقاً ما الذي سبَّب الموت، ويفكرون فيه كشيء مؤقت ومعكوس. حتى عندما يموت أحد الوالدين أو أحد الإخوة، فإنَّ أطفال هذه المرحلة لا يفهمون الموت كشيء يمكن أن يحدث لهم.

نادراً ما يفهمُ أطفالُ هذهِ المرحلةِ الماضي والمستقبل. إنَّما الحاضرُ هوَ المدركُ عندَهم لذا نجدهُ كبيراً جدّاً في تفكيرِهم. لهذا ليسَ منَ المدهشِ ألا يفهمَ الأطفالُ الصغارُ الموتَ على أنَّهُ انتهاءٌ للحياة. وأجوبةُ الأطفالِ الصغارِ عن أسئلةٍ حولَ معنى الموتِ تعكسُ تفكيرَهُم. ومنَ الأمثلةِ على ذلك: (أن يكونَ المرءُ ميتاً هوَ ألاّ يكونَ لكَ أيُّ عشاء) أو (أنَّكَ تنام). وفي أفضلِ الأحوالِ يفهمُ أطفالُ ما قبلَ المدرسةِ الموتَ على أنَّهُ نوعٌ منَ الحالِ المتغيّرةِ كأن يكونَ المرءُ جائعاً أو نائماً، ولكنَّهُ ما يزالُ مستمرّاً معَ الحياة.
في عمر الدراسة يبدأ الأولاد بفهم أن الموت دائم وحتمي. هم يعلمون – فكرياً إن لم يكن عاطفياً – أن هذا يمكن أن يصيب الناس اليانعين بالإضافة إلى الكبار بالسن. ربما يخافون من أن الموت مُعْدٍ بطريقةٍ ما، ويمكنهم أن يشخصوه، مفكرين في الموت من حيث أنه شبح أو حاصد مخيف مُقَلْنَس.
ما لم يكن لديهم أصدقاء صغار أو إخوة قد ماتوا، فإنَّ أطفال المرحلة الدراسية لا يزال في اعتقادهم أن الموت لا يمكن أن يصيبهم. يشعرون أن بإمكانهم بطريقةٍ ما أن يتغلبوا عليه بالمكر أو أن يهربوا منه. لكن إن مات أحد إخوتهم أو صديق لهم صغير بالسن، فسيصدمون بعمق ويفزعون.

رابعاً: دردشاتٌ مع أطفالٍ حولَ الموت

يتقبّلُ الأطفالُ الصغارُ حقيقةَ الموتِ أكثرَ من الكبارِ، أغلبُهم مستعدونَ ويرغبونَ الكلامَ عنهُ بعكسِ الكبار. فهؤلاءِ الكبارِ ينظرونَ إلى الموتِ على أنَّهُ منَ المحرّماتِ الَّتي لا يجبُ التحدّثُ فيها. أما الأطفالُ فيتساءلونَ عنهُ ويعبِّرونَ عن خوفِهم منهُ عندَما تحدثُ مناسبةٌ تثيرُ مخاوفَهم. أما بالنسبةِ للَّذينَ يخافونَ أن يسألوا، فإنَّهم بحاجةٍ لهذا الحديثِ فعلى الأهلِ والمرّبينَ تشجيعُهم للسؤالِ أو الحديثِ حتَّى لا تبقى مخاوفُهم مكبوتةٌ بداخلِهم. فليسَ من المفيدِ أن يحتفظوا بأسئلتِهم لأنفسِهم.
منَ المفيدِ جدّاً أن يكونَ الأهلُ والمربّونَ ذوي إصغاءٍ حسنٍ لتساؤلاتِ أولادهِم. وهذهِ أهمُّ النصائحِ المرافقةِ لهذا الاستماع:

– اكتشافُ ما الَّذي يسألَهُ الولدُ فعلاً. فقد يكونُ السؤالُ ليسَ تماماً كما نفكِّرُ بالنيابةِ عن أولادِنا. لذا يُستحسنُ أن ندعَهُم يشرحونَ صيغةَ السؤالِ بلغتِهم.

– اكتشافُ الأفكارِ والمعلوماتِ الَّتي يعرفُها حولَ موضوعِ الموت، خاصةً النقطةُ الَّتي بدأَ منها الطفلُ بسؤالِه، أي علينا معرفةُ النظريةِ الحاليةِ لموضوعِ سؤالهِ هذا.
– عندَ الإجابةِ عن أسئلةِ أطفالِنا علينا الإجابةُ ببساطةٍ ليستوعبوا الفكرةَ الَّتي يبحثونَ عنها.
– يهتمُّ الولدُ بالإحساسِ أنَّ أهلَهُ محبّونَ للمعرفةِ عن طريقِ إجابتِنا الَّتي يشعرُ منها مدى اهتمامِنا بأسئلتهِ هذهِ بعدَ سماعِها عن طريقِ التعجبِ لأهميةِ سؤالِهم.

– علينا معَ إجابتِنا لمثلِ تلكَ الأسئلةِ أن نمدَّهُم معَ الجوابِ بالإحساسِ بالراحةِ لنيلِهم أجوبتِهم. وربما يفتحُ هذا عندَ الأولادِ رغبةً بمزيدِ منَ الاستفسارِ فعلى الأهلِ ألا يتضايقوا منهم إنَّما بالعكسِ عليهم تعميقُ الاهتمامِ بهم وبأسئلتِهم.

– علينا أن نعرفَ أنَّ نموَّ الطفلِ بصورةٍ سليمةٍ يُبنى على مثلِ هذهِ المعرفةِ الَّتي تلبّي عندَ الولدِ الرغبةَ في حبِّ معرفةِ أسرارِ الحياةِ وغوامضِها. لذا عندَما يستعصي على ولدِنا فهمَ ما نقول، لا يجبُ أن ننهرَهُم قائلينَ: (بكرا بتكبر وبتعرف أفضل)! لا، إنَّ مثلَ هذا الجوابِ يُبعدُ الولدَ عن الثقةِ بأهله، وربما يتبالدُ التفكيرُ عندَه.
لذا يجب أن نتصرفَ بصورةٍ صحيحةٍ ومفيدةٍ كمثلِ قولِنا: (دعنا نُفكّرُ بالَّذي يحتاجُ إلى إيضاحٍ أكبر). فتمتدُّ الجلسةُ لبضعِ دقائقَ مفيدة. وهذا ينطبقُ ليسَ فقط على موضوعِنا، إنَّما أيضاً على كلِّ التساؤلاتِ الأخرى. وهكذا تنمو لديهِ الرغبةُ في المعرفةِ والتعلّمِ مدى حياتِه.

– هم بحاجةٍ لحديثٍ واضحٍ يتناسبُ وأعمارَهم ووعيَهم. فلا يفيدُهم القوُل: (اللهُ أخذَ جدّكَ)، لأنَّهم سيظنونَ أنَّ اللهَ يخطفُ الناس. ولنستمع إلى حوارٍ أظنُّ أنَّهُ سيضحكُنا. أمٌّ لثلاثةِ أولادٍ أعمارُهم: ثمان وسبع وخمس سنواتٍ. توفيَت صديقةُ الأمِّ الَّتي كانوا يحبّونَها كثيراً فأخبرَتهم بالنبأِ فسكتَ الطفلانِ الكبيرانِ وشعرَا بالضيق. ولكن الأختُ الصغرى انفجرَت بالضحكِ إلى أن قالَ أخوها الكبير: ماما قولي لها إنَّ ما تفعلُه شيءٌ لا يدلُّ على الأدب. انتظرَت الأمُّ حتَّى استطاعَت أن تنفردَ بالطفلةِ الصغيرةِ لتسألَها لماذا كانت تضحكُ هكذا؟ قالت الطفلةُ: (لأنَّ معلّمةَ مدارسِ الأحدِ قالت: (إنَّنا عندَما نموتُ فإنَّ جسدَنا يبقى هنا ونحنُ نذهبُ إلى السماء). قالت الأمُّ: (نعم هذا صحيح). قالت الطفلةُ: (لا بدَّ أنَّ مظهرَنا سيكونُ مضحكاً ونحنُ بلا جسدٍ، فإنَّ أذرعَنا وأرجلَنا ستلتصقُ برؤوسِنا، وكنتُ أفكِّرُ بمنظرِ (تانت روز) المضحك). تصوّرَت الطفلةُ بخيالهِا الخصبِ أنَّ الجسدَ هوَ فقط الجذعُ دونَ أن يشملَ اليدينِ والرجلينِ والرأس!!

+ لنستمع إلى هذا الحوار: سألَ طفلٌ بعدَ أن رأى كلبَ جدّهِ بلا حِراكٍ: (ما الَّذي حدثَ لكلبِ جدّي؟) فكانَ جوابُ ذويهِ: (ماتَ، لقد كبرَ في السنِّ ولم يعد قادراً على الجري، وأثناءَ موتهِ كانت جدتُكَ قريبةٌ منهُ وهوَ يشعرُ بمدى محبتِها لهُ). فأبدى تساؤلاً: (وجدّي أيضاً لم يعد قادراً على الجري، هل سيموتُ أيضاً؟ لماذا يموتُ الناس؟) فكانَ جوابُ ذويهِ: (عادةً يموتُ الناسُ عندَما يكبرونَ فيمرضونَ وأجسادُهم تتعب، لذا فإنَّ جدُّكَ سيموتُ في يومٍ من الأيام، وعندَما يموتُ فإنَّ الوقتَ يكونُ قد حانَ ليتركَ جسدَهُ الَّذي تعب، ويذهبُ لكي يعيشَ معَ يسوعَ في السماء).
تبعَ الطفلُ كلامَهُ بالسؤالِ التالي: (هل كلُّ مَن يموتُ يذهبُ إلى السماء؟) فكانَ الجوابُ: (كلُّ مَن يحبُ يسوعَ ويتبعهُ يمكنُ أن يتأكّدَ أنَّهُ ذاهبٌ إلى السماء، عندَما يأتي وقتُ موتِه، لكنَّ اللهَ لا يجبرُ الناسَ لكي يعيشوا معهُ إذا لم يرغبوا هم في ذلك، فنحنُ نستطيعُ أن نختار).

– لنسمع لهذا الحديثِ الثنائي بينَ طفلٍ وراشدٍ حكيم: قالَ الطفُل: (ما الَّذي يحدثُ لكَ عندَما تموت؟) فأجابَه: (فكِّر فيما يحدثُ عندَما تنتقلُ من بيتٍ لآخر، إنَّكَ تتركُ المبنى وتأخذُ كلَّ أشياءِكَ منهُ، وجسمُكَ مثلُ البيتِ يحتوي على كلِّ الأشياءِ المهمةِ بداخلِه، فعندَما نموتُ نتركُ أجسادَنا القديمةَ لأنَّها لم تعد لها فائدةٌ بالنسبةِ لنا، ونأخذُ الأشياءَ المهمةَ، والأشياءَ الحقيقيةَ الَّتي هيَ أشخاصُنا أي أنتَ وأنا. ولنا من أمثلةٍ بعضُ الحيواناتِ مثلٌ على ذلك: فالثعابينُ تنسلخُ من جلدِها القديم، ونحنُ ننسلخُ من أجسادِنا عندَما نموت. أما أنفسُنا الحقيقيةُ فهيَ تذهبُ إلى السماء. ولنا مثلٌ آخرٌ هوَ اليرقةُ فإنَّها تتحولُ إلى فراشةٍ جميلة. هذا أيضاً يشبهُ كثيراً ما يحدثُ لحياتِنا، فإنَّنا نشبهُ اليرقةَ أثناءَ حياتِنا على الأرض، نهتمُّ بالأكلِ والنومِ وحفظِ أجسادنِا حية، لكن أفضلُ شيءٍ لم يأتِ بعد، عندَما نموتُ نتركُ أجسادَنا القديمةَ كمثلِ اليرقةِ عندَما تصيرُشرنقةً، ثمَّ يلبسُ الجزءُ الحقيقيُّ الَّذي يعيشُ بداخلِ أجسادِنا، جسماً جديداً جميلاً لكي يحيا معَ اللهِ مثلَ اليرقةِ الَّتي تصيرُ فراشة).
+ عندَنا طفلٌ يخاطبُ اللهَ كمثلِ صلاةٍ فيسألَهُ: (لماذا ماتَ ببغائي؟ لا بدَّ أنَّكَ تعرف، حَّتى إذا كنتُ أنا لا أعرف. لقد كنتُ أنا كلَّ شيءٍ بالنسبةِ له، لذلكَ أرجوك أن تعتني به، وكذلك بقطَّتي وكلبي، ومن فضلكَ يا رب… أرجوك أن تعتني بجدي الَّذي ماتَ أيضاً).

نحنُ الآنَ معَ طفلٍ في نهايةِ مرحلةِ طفولتهِ أي أنَّهُ يبلغُ العشرَ سنواتٍ فنسمعهُ يسألُ: (إذا كانَ اللهُ قد أعطانا الحياة، فلماذا يموتُ الناس؟) فكانَ الجوابُ: (لم تكن خطةُ اللهِ يومَ خلقَ العالمَ بأن يموتَ الناس. فالموتُ شيءٌ غيرُ طبيعيٍّ وسيء. لقد قالَ اللهُ للإنسانِ الأول أنَّهُ سيموتُ إذا لم يطع الوصية، لكنَّ آدمَ وحواءَ اختارَا أن يخالفا وصيتَهُ وهكذا دخلَ الموتُ إلى العالم. ولمّا كانَ اللهُ قد خطّطَ من البدايةِ أن يعيشَ البشرُ، لذلك أرسلَ يسوعَ لكي يمنحَ الناسَ الحياةَ الأبديةَ كعطيّةٍ منهُ، وكلُّ مَن يقبلُ تلكَ العطيةَ فإنَّ الموتَ لا يكونُ النهاية. إنَّهُ فقط البوابةُ الَّتي يعبرُ بها للحياةِ الجديدةِ معه.

خامساً: ما هو الموت عند الطفل؟

ماذا تتوقع في هذا العمر؟ يتصرف أطفال هذا العمر مع الموت بطرق متنوعة. لا تتفاجأ إذا أصبح طفلك متعلقاً عاطفياً أو هادئاً كثيراً، أو يتراجع عن تعوده استعمال المرحاض، أو يعود لمناغاة الأطفال، أو يتهرب فجأة من الذهاب إلى روضته المعتادة، أو من الذهاب إلى المدرسة. لا تنس أن روتينه اليومي يمكن أن يُعطَّل، فهو يصارع ليفهم لماذا الأشخاص البالغون حوله حزينون جداً، و يمكن للعالم فجأة أن يبدو نذير شؤم بالنسبة له بطريقة لم تحدث من قبل.
من ناحيةٍ أخرى يمكن ألاَّ يُظهر أي ردة فعل فيما يتعلق بالموت على الإطلاق، أو يمكن أن تكون أجوبته متقطعة، أو ممزوجة مع ابتهاجه المعتاد و لعبه.
هذا طبيعي أيضاً. يعالج الأطفال الحزن في قضم قطع ذات حجم وليس كلها مرة واحدة. والعديد يؤخِّر الحزن حتى يشعر بأمان ويفرِّغ تلك المشاعر – وهي عملية يمكن أن تستغرق أشهراً أو حتى سنوات، وبالتحديد إذا فقدوا أحد الوالدين أو أحد الإخوة. ربما ينهمك طفلك في هذه المرحلة في تصرفات تبدو غريبة بالنسبة لك، مثل لعب دور الميت. هذا طبيعي جداً، حتى لو صدمك الميل للأشياء الكئيبة مثل الموت والمرض، لذلك لا تثبِّط طريقته الهامة هذه في العمل مع مشاعره حول الموت. من هنا عليك أن تفسرَ الموت لطفلك كما يلي:
أ- لا تتملَّص من أسئلته:

من الطبيعي بالنسبة لطفلك في هذه المرحلة أن يكون فضولياً فيما يخص الموت، حتى ولو لم يفقد أحد أحبائه بعد. في الحقيقة إنَّ الأوقات الأقل امتلاء عاطفياً هي فرص جيدة لتأسيس عمل مبدئي يساعد طفلك على تدبُّر الأمر عندما يفقد أحداً ما. أجب عن أسئلته حول الموت، ولا تخف من قراءة قصص عن الأطفال الذين مات لهم أحد الأجداد أو الحيوانات الأليفة.
ب- أعطِ أجوبة بسيطة و مختصرة:

لا يمكن للأطفال الصغار أن يتعاملوا مع معلوماتٍ كثيرةٍ في الوقت نفسه. من المفيد في هذا العمر أن تشرح الموت من ناحية الوظائف الجسدية التي توقفت عن عملها، بدلاً من الدخول في نقاش معقَّد لمرض معين: “الآن بما أنَّ العم جون مات، فقد توقف جسمه عن العمل. لا يستطيع المشي أو الركض، أو الأكل أو النوم أو الرؤية بعد الآن، ولا يمكنه أن يشعر بالألم”. من المهم أيضاً أن تساعد الطفل في هذه المرحلة على فهم الأساسيات مثل: مَنْ الذي سيعتني به. (هو يظن) أنّه إذا ماتت أمه، مّنْ الذي سيغسِّلني؟
جـ- عبِّر عن أحاسيسك:

الحزن هو جزء هام من الشفاء لكلٍّ من الأطفال والراشدين: لا تُرعب طفلك بحزن زائد، ولكن لا تجعل الموضوع أيضاً يتخطى الحدود. اشرح بأن الراشدين أيضاً بحاجة للبكاء أحياناً، وأنك تشعر بالحزن لأنك تفتقد جدتك. طفلك في هذه المدرسة مدرك بشدة للتغييرات في مزاجك وسيكون أكثر قلقاً إذا أحسَّ بأنَّ هناك خطْبٌ ما وأنك تحاول أن تخفيه. وأن الحزن هو موضوع محرَّم أو غامض.
د- تجنَّب العبارات الملطَّفة:

عبارات الراشدين الشائعة عن الموت – “يرقد بسلام” ، “في نوم أبدي” – يمكن أن تكون مربكة بالنسبة للأطفال الصغار، إذاً لا تقل بأن جدَّك “نائم” أو “سافر”. إنَّ الطفل في هذه المرحلة يمكن أن يقلق من أنَّ الذهاب إلى السرير في الليل يعني بالنسبة له أنه سيموت أيضاً، أو أنك إذا غادرت المكتب أو المتجر، أنك لن تعود، أو إذا سافرْت في رحلة أنك لن ترجع. اذكر الأسباب الحقيقية للموت ببساطة قدر الإمكان: “جدُّك كان كبيراً جداً جداً في السن بحيث أن جسمه لم يعد يعمل بعد الآن”. إذا كان جدُّه مريضاً قبل أن يموت قل:” كان لدى جدي نوع خطير من مرض السرطان وجسمه لم يستطع التعافي منه”. لا تنس بأن تؤكد لطفلك بأن مرضه بالرشح أو الأنفلونزا لا يعني بأنه سيموت. اشرح بأن هناك طرقاً مختلفة يمرض بها الناس، وأننا نتعافى من الأمراض الخفيفة مثل التي تصيب طفلك عادةً.
هـ- تصرّف بحذر عندما تناقش أموراً عن الله والسماء:

ستعتمد تفسيراتك عن الموت والحياة بعد الموت على إيمانك. إذا كانت مفاهيم الله والسماء ستدخل في حديثك، فكِّر بحذر فيما ستقول، لأن الكلمات التي هدفت لتريح طفل، من الممكن أيضاً أن تزعجه فعلاً.
إذا أخبرت طفلك في هذه المرحلة: “جميلة سعيدة الآن، لأنها في السماء” ، على سبيل المثال، فمن الممكن أن يقلق: كيف يمكن أن تكون جيني سعيدة حقاً إذا كان الجميع حولي حزينون جداً؟ إذا قلت:”جميلة كانت جيدة جداً ولذلك أرادها الله أن تكون معه”، فمن المحتمل أن يظن أنه: إذا كان الله قد أراد أن يأخذ جميلة، فهل سيأخذني أنا أيضاً؟ هل عليَّ أن أكون جيداً لكي يمكنني أن أكون معها في السماء، أو سيئاً لكي يمكنني البقاء هنا مع أمي و أبي؟
وهكذا دواليك يمكن القول: “نحن حزينون جداً لأن جيني ليست معنا هنا وسنفتقدها كثيراً، لكن من المريح أن نعرف أنها مع الله الآن”، فهذه ستطمئن طفلك دون أن تزيد القلق لديه.
وأخيراً، توقَّع من طفلك أن يشعر ببعض الغضب من الله لأنه سيدع شخصاً محبوباً يموت.
و- كن مستعداً لمجموعة متنوعة من ردات الفعل:

لا يشعر الأطفال بالحزن فقط إثر موت شخص عزيز، فربما يشعرون أيضاً بالذنب أو الغضب. وخاصةً إذا كان المتوفى فرداً عزيزاً من العائلة. حتى ولو لم تتكلَّم بصوت عالٍ، فربما ستظن الطفلة بأن أخاها الصغير مات لأنها كانت تغار منه على سبيل المثال. أو أنها غاضبة لأنها – أو أنت – لم تستطع منعه من الموت. أكِّد لطفلتك بأن لا شيء مما قالته أو فعلته قد سبّب الموت، ولا تتفاجأ إذا عبَّرت عن الغضب تجاهك، أو تجاه الأطباء والممرضات، أو حتى المتوفى. توقع أيضاً بأن تصيبها نوبات غضب في أغلب الأحيان، إمَّا كطريقة لتفرِّغ عن حزنها (بالرغم من أن نوبة الغضب يمكن أن تظهر بسبب شيء آخر) أو كردة فعل على التوتر والحزن في منزلك.
ز- توقَّع أن يُعرض الموضوع للمناقشة بشكلٍ متكرر:

كن مستعداً للإجابة عن الأسئلة نفسها من طفلتك مراراً وتكراراً، لإظهار مؤشرات على الأسى أو الحزن على مرور فترةٍ طويلةٍ من الزمن – وحتى لسنوات. بما أنَّ فهم ديمومة الموت يشكل صراعاً بالنسبة لها. ومن المحتمل أن تأتي بأسئلة جديدة كلَّما نما إدراكها للموت ومهاراتها المعرفية، حسبما يقول مستشارو الحزن / الكآبة. لا تقلق إن لم تفسِّر الموت بشكل مناسب للمرة الأولى – فأسئلة طفلك المستمرة طبيعية. فقط استمر في الإجابة عنها بصبر قدر الإمكان.
حـ- أحيي ذكرى المتوفى:

أطفال هذه المرحلة بحاجة لطرق ملموسة / محسوسة ليعبروا عن حزنهم لموت الشخص العزيز. لذا يمكن للطفل أن يشترك في خدم تذكارية بأي طرق يمكن أن تشعره بالراحة. ويمكن للطفلة أن تضيء شمعة في البيت، أو تغني أغنية، أو ترسم لوحة، أو تشترك في بعض الاحتفالات الدينية الأخرى.
من المفيد أيضاً أن تتكلم حول العلاقات الجيدة التي امتلكَتْها مع الشخص الذي مات: “أتذكرين عندما ذهبت أنت وجدَّتك لقطف التفاح؟ لقد استَمْتَعَتْ كثيراً معك”.
ط- ناقش الإجهاض:

إذا حصل لكِ ولشريكك إجهاض، فستحزنون بلا شك. ويمكن أن تتفاجؤا في اكتشاف أن طفلتكم في هذه المرحلة حزينة أيضاً، حتى ولو أنَّ فهمها عن الحمل كان لا يزال ناقصاً نوعاً ما. وحتى ولو لم تتصرف بابتهاج فيما يتعلق في الحمل في البداية. من الممكن أن تشعر بالذنب حول الموت، وخاصة إذا كانت تشعر بالغيرة من الطفل الذي يحصل على انتباه الجميع. أو الحزن على خسارة دور “الأخت الكبرى” الذي كنت تحضرينها من أجله. وستحتاج إلى الكثير من الشجاعة لتؤمن بأن هذا النوع من الموت هو غير مألوف / نادر، وخاصة إذا حاولت إنجاب طفل آخر.
اشرحي بأن الأطفال الذين يجهضون هم عادةً غير سليمين كفاية ليعيشوا خارج الرحم. دعي طفلتك تقول وداعاً عن طريق رسم لوحة أو صنع هدية خاصة للطفل الراحل.
ي- لا تقلِّل من شأن موت حيوان أليف:

هذه هي المواجهة الأولى للعديد من الأطفال مع الموت، حتى وإن لم تكن هذه المواجهة الأولى لطفلتك مع الموت، يمكنها أن تكون حدثاً مأساويّاً بشكلٍ عميقٍ بالنسبة لهم. إنَّ كلب أو قطة العائلة هو غالباً زميل الطفل الأول والأفضل في اللعب، مانحاً حباً وصحبة غير مشروطين. إطعام الدُرَّة (نوع من الببغاء الصغير) أو السمكة الذهبية بشكل منتظم يمكن أن يجعلها تشعر بالفخر وبأنها بالغة.
حاول ألا تقول: “لا تشعري بالحزن ،فإن روفر في السماء الآن” ،- هذا يعلِّمها أن حزنها الحقيقي لا داعٍ له. بدلاً من ذلك قدِّم لها الكثير من المواساة / التعاطف من أجل خسارتها، وتوقع نفس أنواع الحزن المستمرة والأسئلة المكررة التي ستحصل عليها إذا مات الشخص الذي كانت تهتم لأجله.
ك- ساعدها في الاستجابة لتغطية وسائل الإعلام للموت:

ربما لا تزال طفلتك غافلة نوعاً ما عن أعداد الوفيات المُعْلَن عنه بشكل واسع في وسائل الإعلام أو أنه ربما لايرى تغطية الأخبار للكوارث المحلية أو الحروب. لكنها ستتحسس حقيقة أنك حزين أو قلق، ومن المحتمل أيضاً أن تسمع أطفالاً أكبر منها يناقشون هذه الأحداث.
أكِّد لها بأن: “الناس غاضبون ويتقاتلون بعيداً”، وهذا ما يجعلك حزيناً، ولكنك موجود لتعتني بها وستفعل ما باستطاعتك لتبقيها آمنة.
ل- افعل ما بوسعك لتعيد حياة طفلتك في هذه المرحلة “إلى حياتها الطبيعية”:

لا تزد خسارة طفلتك سوءاً من خلال ترك البرنامج والنشاطات التي تُرسي حياتها وتمنحها إحساساً بالأمان. يجب توقع بعض الانزعاج بالطبع، لكن كلَّما عاد روتين الطفل في هذه المرحلة بشكل أسرع نحو الطبيعي، كان أسهل بالنسبة لها. فهي بحاجة للذهاب إلى السرير في الوقت المحدد، وتناول وجباتها في الوقت المحدد، وإذا كانت في روضة أطفال، أن ترجع إلى الأصدقاء والمرح الذي كان لديها في المدرسة أو الروضة.
م- لا تحاول أن تكون كاملاً:

إذا كنت مفجوعاً بشكل عميق بموت حديث، افعل ما بوسعك لترشد طفلك عبر الأوقات الصعبة، لكن لا تحسب نفسك كاملاً. فلا بأس في البكاء أمام طفلك ولا تحسب نفسك قادراً على الإجابة عن كل سؤال بشكل متقن في المرة الأولى. اطلب المساعدة من الأصدقاء والأقارب، وتذكَّر أنه كلَّما ساعدت نفسك في تدبُّر الأمر، كنت قادراً بشكل أفضل على مساعدة طفلك في تدبُّر الأمر الآن ولاحقاً.
ن- احصل على المساعدة:

إذا بدا أنَّ طفلك يمرّ بوقت عصيب بشكل خاص في تدبُّر الأمر – إذا كان خائفاً من الذهاب للنوم على سبيل المثال، أو يبدو مكتئباً – تكلَّم مع طبيب الأسرة حول النصيحة الاحترافية.

سادساً: الخاتمة

في الحديثِ عن الموتِ تكونُ خاتمةُ حديثِنا أنَّنا نذهبُ لإيداعِ مَن رحلَ في المقبرةِ المُعَدّةِ للدفن. ثمَّ نتابعُ في العزاءِ الَّذي يشاركُنا بهِ الأقاربُ والأصدقاء. فالسؤالُ هنا: هل يشاركُ الأولادُ في مظاهرِ العزاء؟

ربما يرغب طفلك أو لا يرغب في حضور الجنازة (وتحديداً إذا كان البقاء قرب جثة الميت قبل الدفن).
يُستحسنُ أن يشاركَ الطفلُ في وداعِ الميت، ومراسمِ الجنازة، وتَقبّلِ التعازي، ورؤيةِ الحزنِ الَّذي يسودُ جوَ البيت. كلُّ هذا يساعدُ الطفلَ على التكيّفِ معَ فكرةِ فقدانِ شخصٍ ما، فهيَ مؤلمةٌ، لكنَّها تساعدهُ في فهمِ حقيقةِ الموتِ وتجاوزِ الأزمةِ بوجهٍ عام، والتأقّلمِ معَها. كما يمكن للجنازات أن تساعد بعض الأطفال بأن يتقبَّلوا الموت بشكلٍ أفضل ، وخاصة إذا قمت بعمل حذر قبلاً في تفسير ما سيبدو عليه الجسد، وما هو الكفن، وكيف سيتصرف الناس الآخرون، والعديد من التفاصيل الأخرى حول الحدث قدر الإمكان. فالدفنُ يحققُ أهدافاً نفسيةً وإيمانيةً وكنسيةً مختلفةً للكبارِ وللصغار، والدفنُ يساعدُ في التغلّبِ على الحزنِ بسببِ مشاركةِ المعارفِ والأصدقاءِ الَّذين يجتمعونَ لإظهارِ عواطفِهم وتعزيتِهم. لذا فإنَّ مشاركةَ الطفلِ مظاهرَ العزاءِ أمرٌ ضروريٌّ إلا في الحالاتِ الَّتي هوَ يرفضُ فيها ذلكَ بنفسه. أو أن يكونَ أصغرَ من أربع سنوات.

وهوَ أمرٌ مقبولٌ أيضاً أن يعبّرَ الأهلُ بالبكاءِ أمامَ طفلِهم، حتَّى بكاءُ الطفلِ في هذهِ الحالةِ أمرٌ مُستحسن. فللولدِ الحقُ في التعبيرِ عن حزنه. ومن المُستحسنِ أن يُفسَّرَ لهُ أنَّ الحسرةَ والحزنَ أمرانِ طبيعيانِ وهما من دلائلِ المحبة. ونذكّرهُ بيسوعَ الَّذي بكى على صديقهِ لعازر حيثُ يقولُ الإنجيلُ “وبكى يسوعُ” (يو35:11).

كما أنّ إظهارُ الانفتاحِ العاطفي بطريقِ المصارحةِ يساعدُ الطفلَ على مشاركتهِ الحزنَ بصورةٍ صحيحة، كما يساعدُ على التكيّفِ معَ عمليةِ الفقدانِ والحزن. ولا مانعٌ البتةَ أن يسألَ الطفلُ دائماً عن الميت، أو يذكِّرُنا بالحديثِ عنهُ بأمورٍ بدأنا في نسيانِها. لذا على الأهلِ والمربينَ أن يكونوا صبورينَ على أولادِهم بدلاً من نهرِهم وتأنيبهم.

ولنستعمل الصدقَ معَ الحكمةَ في إخبارِ الطفلِ عن موتِ أحدِ الوالدينِ أو أحدِ المقرّبينَ إليه. فالبعضُ يظنُّ أنَّ عدمَ الإخبارِ يُبعدُ الألمَ والحزنَ ويكونُ ذلكَ باستبدالِ الجوابِ الصادقِ بجملةِ (إنَّهُ مسافر) أو غيرها. هذا خطأٌ فادحٌ، فعدمُ الإخبارِ يجلبُ للطفلِ مزيداً من الألمِ والحزنِ فيحصلُ لأنفسِهم ألمٌ كبير، أكبرُ بكثيرٍ مما لو كشفنا لهُ حقيقةَ ما حدث.

مثلُ هذهِ الصراحةِ وهذا الانفتاحِ في التحدثِ عمَن فقدَهم يجعلُ الطفلَ مشاركاً في الحزنِ وهذا يساعدهُ في التكيّفِ لقبولِ الفقدانِ الحاصلِ وإن كانَ بحزنٍ غيرِ مؤذٍ.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share