ما بين التَّأَلُّهِ وعبادَةِ الذَّات

mjoa Monday February 3, 2014 169

“فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ” (تك 3: 4 و5).
 
الإنسانويَّة (Humanism) تُمَجِّد الإنسان إلى حدِّ العبادة، وتحصر اهتمامه بذاته فقط. هذا هو هوى “الكبرياء”. والكبرياء هو حبّ الذّات المنحرِف، كون هذا الحبّ يتَّجه إلى الفرد نفسه، لدرجة اعتباره أنّ حقيقة وجوده تنبع منه وتنتهي فيه. هكذا، يصير الإنسان مصدر وغاية وجوده في ذاته. المتكبِّر يكتفي بنفسه ويستهلك كلّ الوجود وَمَن حَولَهُ لِذاتِه، وهو لا يحتاج لآخَر ليوجد، بل الآخَرُ هو وقودُ متعةِ إثباتِه لكيانِه الزائل. كون معنى الوجود بالنسبة إليه يتحقَّق باللّذّة: “فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ…” (تك 3: 6).
 

“وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا …. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ …” (تك 1: 26 و27).
 
لمَّا كان الإنسان مخلوقًا في صورة الله وعليها، كان يسلك في مسيرة التّألّه بالنعمة الّتي نَفَخَهَا الله في أنف آدم يوم جَبَلَه. كون الإنسان مخلوقًا “على صورة الله”  kat oikona théou، يعني أنّه مكوَّنٌ حتَّى يتصوَّر الله فيه، إلى أن يصيره بالـ”مِثال” من خلال التمرُّس على إخلاء الذّات بالطاعة للوصيّة حبًّا بالخالق، لتصير النّعمة الإلهيّة مُتَّحِدَة ببشريّته دون اختلاط أو امتزاج، ودون انقسام أو انفصال. مسيرة التّأله هي خبرةُ عيشِ مسيرةِ الحُبِّ الإلهيِّ للإنسان، في جواب الحبّ الإنسانيّ للإله. هذا هو المِثال، إنّه مسيرةُ صيرورةٍ وتجسيدٍ وتحقيقٍ للصورة الإلهيّة الّتي في الإنسان، حتّى يصير الإنسانُ مسكنَ الله واللهُ مسكنَه، فيتماهى المخلوقُ مع الخالقِ في التمايز بالوحدة: “أنا قلت إنَّكم آلهة…” (مز 82 (81): 6).
 

** *

سقط الشيطان أوَّلًا في الكبرياء، وجرَّ إليه (إلى الكبرياء) الإنسان باللّذّة. الإنسان، بعامّة، صار في المعطوبيّة الكيانيّة بسبب غرقه في نفسه بالشّهوة. صار قلب الإنسان جبّ رمال متحرِّكة تبتلع كلّ حركة الروح فيه للخروج من أسر الكبرياء، لأنّ طاقة الحبّ الّتي زرعها الله فيه بالصورة الإلهيّة استحالت طاقة أنانيّة تستقطب كلّ آخَر وكلّ الوجود إلى الذّات، إذ لم يعد من مبرِّر لوجود الخليقة، بالنسبة للإنسان السّاقط، إلَّا إشباع جوع خوائه الداخليّ الَّذي يستهلك كلّ شيء كالنّار بالنسبة للحطب. هذه هي عبادة الذّات: “ليس حبّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان الآخَرين والوجود عن ذاته”. هذا هو التّألّه الكاذِب الّذي يخدعنا به الشّيطان.
 
أمّا الرّبّ فقد علّمنا أنّ سبيل التّالّه هو: “ليس حبّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه…” (يو 15: 13).

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share