أهميّة القدّاس الإلهيّ (سرّ الشّكر) والصلوات الليتورجيّة

mjoa Monday February 10, 2014 441

يلتصق سرّ الشكر الإلهيّ، في كنيستنا الأرثوذكسيّة، بحقيقة الكنيسة نفسها. إذ في القدّاس الإلهيّ يتجلّى تنازل الإله الّذي اتّخذ جسدًا مائتًا، ويتجلّى أيضًا الحضور السرّيّ للملكوت بين البشر. وكلّ هذه الحقائق الإيمانيّة الأساسيّة تتجلّى لنا وبنا، ليس بواسطة مفاهيم عقليّة وأفكار، ولكن بواسطة إشارات وأشكال في متناول جماعة المؤمنين برمّتها، مهما اختلفت المستويات والقدرات العقليّة.

إنّ المنزلة الأساسيّة الّتي تحتلّها الإفخارستيا (القدّاس) هي في الحقيقة مفتاح المنظور الأرثوذكسيّ للكنيسة. إنّها بالوقت نفسه مجمعيّة جامعة وهيرارخيّة، وهي لا تتحقّق فعلاً إلاّ في الجماعة الشكريّة المحلّيّة، حيث يصبح جمع من الخاطئين والخاطئات شعبَ الله بالحقيقة.
 
إنّ هذا المفهوم للكنيسة، المرتكز على الإفخارستيّا، قادنا نحن المشارقة إلى تجميل السرّ وتزيينه، ليس فقط بترتيب الاحتفال الّذي يبدو، أحيانًا، معقّدًا ومربكًا، ولكن بواسطة الأناشيد والتراتيل الفائقة الغنى، والّتي تغطّي الأدوار الصلاتيّة الثلاثة: اليوميّ والأسبوعيّ والسّنويّ الفصحيّ. إنّ هذه الصلوات المنثورة، على إيقاع الزّمن، تؤلّف، مع الكتاب المقدّس والكتابات المقدّسة وليدة الرّوح الإلهي، منهلاً حقيقيًّا لِلّاهوت.
 
وعبر أجيال طويلة لم يسمع الأرثوذكسيّون دروسًا في اللاهوت، ولم يكتبوا أو يقرأوا مباحث في العقائد والتفسيرات، ولكنّهم أنشدوا وتأمّلوا في السرّ المسيحيّ عبر صلواتهم الطقوسيّة. إنّ تلك الصلوات تؤلّف ليتورجيا لا تضاهيها في الغنى ليتورجيا أخرى في العالم المسيحيّ. بواسطة هذه الصلوات عرفوا الإيمان المستقيم وحافظوا عليه نقيًّا ناصعًا، لا تشوبه بدعةٌ أو هرطقةٌ، ولا يداخله دجلٌ أو زيغان.
وبعد سقوط القسطنطينيّة، لـمّا حُرمنا نحن المسيحيين في الشرق من المدارس والكتب ومن كلّ قيادة فكريّة، بقيت الليتورجيا معلّمَنا الأوّل وقائدَنا الرئيس إلى استقامة الرأي.
 
عندنا في الأرثوذكسيّة، مسؤوليّة الحقيقة تقع على عاتق الكلّ، على عاتق الجماعة، لأنّنا نفتقد المقاييس الثابتة والقانونيّة والواضحة التي بواسطتها نقيس الآراء. والجماعة المصلّية تعجنها التراتيل والصلوات والتّلاوات وتجعل منها أمّة تعرفُ وتميّزُ. إنّ اللاهوت في الشرق المسيحيّ لم  يكن يومًا وقفًا على محترفين، ولم نعرف بالتّالي “كنيسة معلِّمة” “وكنيسة متعلّمة”.
 
ونحن أمام هذا الكنز المنثور عبر صلوات اليوم والأسبوع والسّنة لا بدّ من أن نعي مسؤوليّتنا الكبرى: تبدّلت حياتنا وتغيّر وجهها الحضاريّ فغلبت عليها الحضارة الصّناعيّة والتّجاريّة والخدمات… بدل تلك الزراعيّة الّتي ناسبَتْها خِدَمُنا الليتورجيّةُ يومَها. أمّا اليوم، فمسؤوليّتُنا الرّسوليّة أن نعمل على نفض الغبار عن هذا الإرث المجهول عند العامّة، ونجهد على نَثرِهِ عبر صلواتٍ تُناسب، من حيث مِيقاتُها ومُدّتُها، الإنسانَ المعاصر وهواجسَهُ الصّادقةَ والمشروعة. هذا هو الإصلاح الطّقوسيّ الّذي نبتغي.
 
    مثل هذا العمل اعتراف فصيح بأن الرّوح القدس إلهٌ تام، فاعلٌ أبدًا، حيّ.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share