إيماننا

mjoa Thursday March 27, 2014 74

يذكُر لنا انجيل اليوم أن ابن الإنسان يُسْلَم إلى أيدي الناس ليقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. واستعدادًا للعيد المبارك قُرئتْ علينا حادثة الولد المصروع، والصرع داء يُعرف بالعامّية بأن يقع المريض أرضًـا. داء الصرع، باعتقاد اليهود، كان ناتجا من تأثير الشيطان في جسد الولد، وهكذا وصفه لنا مرقس الإنجيلي. بعد أن يئس والد الشاب من قدرة التلاميذ على شفائه، جاء إلى المعلم. ونحن دائما نجيء إلى يسوع بعد يأسنا من البشر ومن أنفسنا، وعندئذ يبدأ الرجاء. يسأل السيد له المجد هذا الإنسان: “أتستطيع أن تؤمن؟ إن كنتَ تستطيع أن تؤمن، فكل شيء مستطاع للمؤمن”.

 هذه عِبْرة لنا، الإيمان يشبه ما يجري عندما تزحل الطبقة العليا من الأرض، وهكذا هو الإنسان: إما ان لا يكون مؤسسا على صخر فينهار، أو يكون مؤسسا على صخر فيثبت. المؤمن هو ذلك الإنسان الذي يثبت في الحياة لأنه مبنيّ على الرب يسوع وعلى الإنجيل “إن كنتَ تستطيع أن تُؤمن، فكل شيء مستطاع للمؤمن”. المؤمن ينقل الجبال كما جاء في الإنجيل أيضا، وهذا معناه أنه يتخطّى الأمور الصعبة جدا أو التي تظهر له صعبة في البداية. ماذا أجاب الرجل؟ قال: نعم يا سيد أنا أؤمن ولكن أعِنّي في ضعف إيماني. إنه يعلن إيمانه ويقينه، ومع ذلك يشعر بضعفه.

اليوم نعيّد للقديس يوحنا، رئيس دير طور سيناء كاتب “سلّم الفضائل” الذي يبيّن فيه أن الإنسان يرتقي من فضيلة إلى فضيلة حتى يصل إلى القمة، والقمة هي التواضع. في كنيستنا أيقونة لسلّم الفضائل رُسمت عليها سلّم يصعد عليها الرهبان. منهم من يقع منذ الدرجة الأولى، ومنهم من يقع من الدرجة العاشرة، ومنهم من يقع من الدرجة العشرين. كلهم يقعون. قلائل يصلون إلى النهاية. ولكن الجميل في الصورة أن الذين يصلون إلى الدرجة الأخيرة أو قبل الأخيرة، عندما يوشكون على السقوط، يتمسكون بمن قبلهم. هذه الصورة ناطقة بما يحدث لكل مؤمن. يحاول، يقع، ولكنه يتابع. وإذا زلّ قليلا يتمسك بالدرجة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة من السلّم لأنه ينتظر يسوع فيصعد.

هذا هو جواب والد المريض: “أنا أؤمن يا رب، لكن أعِنّي في ضعف إيماني”. ثم ينتهر المعلّمُ التلاميذ ويقول للجمع: “هذا الشيطان لا يُطْرَد إلا بالصلاة والصوم”، أي أنك إذا ضبطت نفسك بالصوم وبكل معاني الصوم فإنك إنسان تصلّي. وما معنى هذا أنك إنسان تصلي؟ ببساطة هذا يعني أنك تفاوض الله، أي أنك تدخل في حديث مع الصديق الكبير. الصوم ترويض للقلب حتى يُمسك عن الشر أو شبه الشر حتى يرتقي السلّم. لهذا لا يمكن ان نكون مسيحيين كما يريدنا يسوع ما لم نضبط النفس. فالإنسان المعتاد على الغضب ينبغي أن يحاول الهدوء، والمعتاد على السرقة يجب أن يتربى على الاستقامة، والذي يكذب لا بد له من أن يتروّض على الصدق الدائم.

ولهذا إن آمنّا أولاً وضمنّا أساسنا لا أن نحفر الجبال حتى تقع، ولكن إن ضمنا أساسنا على جبل غير محفور، على الجبل هو المسيح، إن آمنا هكذا واستغثنا بالمسيح، فهو يمدّ يده لينشلنا من ضعف الإيمان ومن الخطايا التي نقترفها، ويُجلسنا على صدره الكريم فنصلّي إليه وهو يكلّمنا بحنان ويرفعنا هكذا معه في الجمعة العظيم.

 

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share