جرجي زيدان وإشكاليّات النهضة

الأب جورج مسّوح Wednesday May 14, 2014 181

تنظّم دائرة اللغة العربيّة في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – جامعة البلمند مؤتمرًا عنوانه “برفقة جرجي زيدان: النهضة في عهدة الحاضر”، ويشارك فيه أساتذة مختصّون من لبنان وبعض الدول العربيّة والأجنبيّة.

يهدف المؤتمر، وفق ما جاء في نصّ الدعوة إليه، إلى الإضاءة على أحد كبار رجالات “النهضة”، جرجي زيدان (1861-1914)، الذي أسهم فيها مساهمة كبيرة وبالغة الأثر، بين بيروت والقاهرة، والذي لم يحظَ بعد بدرس أكاديميّ مناسب. غير أنّ المؤتمر لا يكتفي بدرس زيدان بين سيرته وأعماله، وإنّما ينطلق منها ليعالج المسائل والقضايا التي أثارها، والأنواع الكتابيّة التي تميّز بها، بلوغًا إلى فحص ما فعله واقترحه روّاد النهضة على ضوء امتحان الحاضر وأحوال المجتمعات العربيّة.

تتناول أوراق المؤتمر، فضلاً عن جرجي زيدان، العلاقات التفاعليّة بين الأدباء “الشوام” والأدباء المصريّين في مصر. كما يعالج المؤتمر مسائل تتعلّق بنشأة مساعٍ في التاريخ تقوم على المعاينة والفحص والتحليل، وفق مدارس التاريخ الأوروبيّة، بدل نسق الإخباريّين القدامى، بما ينير إسهام زيدان المميّز في “التاريخ الحضاريّ”، أو في “تاريخ التمدّن”، أو في “تاريخ المشاهير”…

ويتوقّف المؤتمر عند مشروعات الصحافة التي أطلقها أفراد (خليل الخوري، رزق الله حسّون، أحمد فارس الشدياق، جرجي زيدان…). ويتناول المؤتمر تشكّلات اللغة العربيّة وآدابها ابتداء من “عصر النهضة”، وفي كتابات جرجي زيدان المختلفة (رواية، نقد أدبيّ، دراسة اللغة…)، فيتبيّن تجلّيات الأدب “العصريّ” المختلفة (شعر، رواية، مسرحيّة…)، ويتطرّق إلى بروز خطاب “النقد”، بما فيه الخطاب التاريخيّ عن العربيّة نفسها.

ويعنى المؤتمر بدرس مسائل وقضايا شغلت “عصر النهضة”، ولا تزال مطروحة في أيّامنا هذه، ومنها: “قدسيّة النصّ والاجتهاد وحراك التاريخ”، “الجماعة، الدولة والشرعيّة”، “لماذا يتقدّم الغرب ويتأخّر المسلمون؟: السؤال نفسه من جديد”، “أين البحث العلميّ من صناعة العقل العربيّ؟”، “الجسد بين الرغبات والمحرّمات”، “الهويّة الفرديّة بين الكيان الخاصّ والكيان العامّ”، “تعابير الأدب والفنّ بين المحلّيّة والعولمة”.

أهمّيّة هذا المؤتمر، فضلاً عن تناوله أعمال المفكّرين إبّان “عصر النهضة” (1798-1939)، تكمن في استجلاء أسباب انتكاس الرؤى والآمال التي كان يعقدها آباء النهضة الذين يمكن إدراجهم في مساقين اثنين: المفكّرون الذين تبّنوا مسألة الإصلاح الإسلاميّ والتمدّن الإسلاميّ، من الطهطاوي إلى محمّد عبده وتلامذته ؛ والمفكّرون الذين سعوا إلى “فصل الدين عن الدولة” تحت شعارات العلمانيّة والمواطنة والقوميّة والاشتراكيّة. ولا يمكننا إغفال كون أهل المساقين قد اطّلعوا على الفكر الأوروبيّ إبّان عصر الأنوار، وتأثّروا به مع تفاوت ملحوظ بين مفكّر وآخر.

كلا المساقين أخفقا في تحقيق “النهضة” المنشودة. أمّا عقد مؤتمر عن جرجي زيدان، الذي يحلو للدكتور شربل داغر أن يسمّيه “هلال النهضة”، فلأنّه يمثّل نموذجًا ساطعًا لمفكّري عصر النهضة كافّة. وهو قد خلّف نتاجًا ضخمًا يقع في أربعة وثلاثين كتابًا في خمسة وأربعين مجلّدًا، منها مجلّدات مجلّته “الهلال”. ويبقى السؤال: متى سيهلّ هلال النهضة الحقيقيّة على بلادنا ومجتمعاتنا؟

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 14 أيار 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share