الخطيئة والخاطئ!

mjoa Monday June 2, 2014 82

الخطيئة والخاطئ!
… وكان السّقوط فكانت الخطيئة! حاد قلب الإنسان عن الله.
تغرَّب عنه. العلاقة بينهما انثلمت! والحبّ لا يحتمل الثّلمة لأنّه كلّيّ أو
لا يكون! ما عاد وجدان الإنسان يدور في فلك الله. ما عاد مشدودًا إليه
تلقائيًّا. بات الإنسان يدور في فلك ذاته. تحكّمت فيه نوازع نفسه. هذا
لأنّ تحديد طبيعة علاقته بالله وبذاته كان، في المبدأ، رهنًا بإرادة
الإنسان. بلغة المحبّة، القولُ هو أنّ المحبّة خفرة كلّها، لا تفرض نفسها!
لا يقتحم اللهُ الإنسانَ اقتحامًا. يأتيه نسيمًا! لذا تقبلُ الوداد أو لا تقبله.
تستجيب لمحبّة الله أو لا تستجيب لها. تدخل فيها شريك الكيان للكيان،
أو تخرج منها منعزلاً! وكان أن خرج الإنسان عن محبّة الله، من فردوسه!
فكان الخروج سقوطًا من عِشرة الله وكان السّقوط الخطيئة! كلّ ما سوى
ذلك تفصيل!

سقط الإنسان، أوّلاً، عن غير وعي، ومن ثمّ عن غير قصد. سقط
بخدعة مَن سبقه إلى الخطيئة، أعني الشّيطان. لذا اختبأ خجلاً! لمّا يكن
وقحًا أوّلاً كما كان سابقه وقحًا! كلُّ خطيئة، للبريء، تبدأ خجلة ثمّ
تنتهي وقحة! ماذا عن الخجل؟ له مضمونان: شعور بالذّنب وميل إلى
الهرب! لِمَ لَمْ يَتُب الإنسان؟ نظريًّا، كان بإمكانه أن يتوب. المشكلة أنّه
بعدما ذاق الخطيئة، لم يعد بإمكانه أن يسلك كأنّه لم يذقها. ولا عاد
بإمكانه أن يتصرّف كأنّها لم تكن. انبعثت من الخارج، لكنّها انبثّت فيه،
اعتورته، لا كفعل، مع أنّها بدأت كفعل، بل كحسّ، كحركة، كهوى في
الحشا والكيان والوجدان، كان القلب قابلاً، في المبدأ، لأن يقتبلها، لأن
يحتضنها. صارت، كشهاب، كأنّها من تكوين القلب، امتصّها امتصاصًا.
وكالزّيت الفاسد اختلط، لشِبهه، بالزّيت البِكر. هذا حدا بالشّعور بالذّنب،
قليلاً قليلاً، لأن يتبدّد! صارت الخطيئة، الغريبة أصلاً عن وعي الإنسان،
كمن أهل البيت!
ثمّ كان الهرب. والهرب، بطبيعته، هربٌ مِن المواجهة وإلى حيث لا
يُرى، إلى الخفية، إلى الظّلمة الدّاخليّة! هرب الإنسان من وجه الله، من
لقاء العين للعين. كيانيًّا، إلى بلاد بعيدة! آدم اختبأ. قايين قَتل، فصار
هاربًا! سقط من البَرَكة. التعَنَ! قبل أن يَنحر ألغى! الخطيئةُ تُلغي! لكنّ
الآخر لا يُلتَغى ولو حاولت إفناءه! ينتابك حزن عميق، فراغ عميق، قلق
عميق، ثمنَ إعراضك عنه! تقتل نفسك إن حاولت قتلَه! أجرة الخطيئة
موت! صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض! متى عملتَ الأرض لا
تعود تعطيك قوّتها! ضميرك مبكِّتك! لا سلام في اللّعنة! الآخر حياتك أو
تتعاطاه، رغمًا عنك، جحيمًا! مرنِّم المزمور وعى! تساءل: أين أَهرب من
وجهك؟ إن أنا هبطت إلى الجحيم فأنت حاضر! وإن أنا سكنتُ في
أقاصي البحر فما من مفرّ (المزمور !( 138 خطيئة آدم، بدءًا، رامت أرض
اللاّإله! لذا هرب إلى لا مكان! غار في نفسه! هرب إلى ذاته! تنرجس!
عشق وجهه! أحال عدميّته ملكوتَه! وما أباده ربُّه لأنّه أحبّه ونظر إلى
الآتي، في المدى، متى عاد آدم تائبًا! وفي إبقائه عليه، غرق آدم في خبرة
الوجود العدميّ، في وَهْم الألوهة، في كذب الخطيئة!
لذا الخطيئة غوايةُ ألوهةٍ كذوب، حرّيّةُ مستعبَدٍ لنفسه، متعةٌ اجتراريّة
تِبنيّة لا لحم فيها، كَمَن يأكل لحم نفسه ويستقي ماء دمه! تَعِدُ ولا تفي!
بطبيعتها، تهربُ منها إليها! تملأك فراغًا، تُفعمك خواء! لا تُخليك حتّى
تفنيك، وما تفنى، لتدبير ربِّك! لذا تأتي بك إلى التّوبة مُضنًى، مُخلى من
كلّ كرامة، بعدما انحدرتَ إلى مستوى الخنازير، أو تحدرك، في عناد
روحك، إلى الجحيم! الجحيم إصرارٌ على اللاّمحبّة!
الهارب من وجه ربّه يأتي إلى الخطيئة، والخطيئة تأتي به إلى فراغ
عدميّ، ومن الفراغ يهرب إلى الخطيئة، والخطيئة توهنه، فتقعده في
مواتيّة الغربة عن نفسه والله. هكذا يبقى متقلِّبًا بين الخطيئة والغربة
والمتعة الكذوب والتّفلّت ونزعة الموت، إلى أن يفد إلى ربّه صاغرًا
صغيرًا، تائبًا مستتيبًا؛ أخطأتُ إلى السّماء وأمامك، وما أنا بمستحقّ، بعدُ،
أن أُدعى لك ابنًا؛ أو يرتع في يأسه وعناده مستكبرًا، مستألهًا العدمَ إلى
هلاك أبديّ! من هناك، ماذا يحدث؟ لا نعلم! فقط نعلم ما قاله علاّم
القلوب أن أُريدُ رحمة لا ذبيحة! والله محبّة حتّى في عمق جحيم مَن
يمجّونه، ما يزيد الجحيم إيلامًا، وأنّ مَن ترك الضّالَ يتيه في متّاهات
جحيمه، نزل إلى عمق مثوى الأموات وفلقه!
إذا ما كانت الخطيئة داء الخاطئ، فدواء الخطيئة، للمحبّة، الرّحمة!
ليس أحد صالحًا! لذا الخاطئ تحبّه محبّتك للمريض حتّى يُشفى،
وللأعوج حتّى يستقيم. إنّما الإنجيل متجلٍّ في تعهّد الخاطئ، وإلاّ لا
مفاعيل لمسيحٍ تجسَّدَ ومات وقام وصعد إلى السّماوات! فقط برحمة
أحدنا الآخر نقاوم الخطيئة ونقوى عليها! المُغرق في خطيئته يبحث عن
مهرب وعن تعزية وعن مَنسى، فلا يجد إلاّ الخطيئة جوابًا! لذا، إذا لم
يصل الخاطئ، أنا وأنت، إلى حدّ البكاء على نفسه وعلى كلّ خاطئ، فلن
يُشفى ولن يعرف لا توبة ولا محبّة! مَن بقي منصرفًا عن الرّحمة، غريبًا
عن المحبّة، فلا إمكان له أن يعرف الله وفظاعة الخطيئة! هذا يُعطى بروح
الله، لمَن يتّضع ويعرف خطيئته ويعترف بها!
الخليقة تنشأ على الخطيئة، تستنشقها، … تجد لذاتها فيها إلفة!
القِيَم نتعاطاها بروح الخطيئة، فتمسي كأنّها خادمة الخطيئة! الله، عينُه،
نقاربه داعمًا لخطايانا! لا أدلّ على ذلك من سبي بابل! أردناه لأهوائنا
فسبانا! ولا مِن صَلْب مسيح الرّبّ! تراءى غريبًا عن مشتهانا فسمّرناه على
خطايانا! لذا صليبُه بات خطايانا إلى أن يصير حبُّه، بالتّوبة، قيامتَنا!
الخطيئة، في غربتنا، ملهاةً أضحت، حتّى لا نموت سأَمًا! لا بديل
للبشريّة عنها! كأنّه بات لا غنى لنا عنها للخلاص! لا ما يبرِّرها، طبعًا! في
ثناياها الموت! لكنّها تبدو خارطة طريق للمحبّة الحقّ! كأن لا بدّ للإنسان
من أن يمتلئ حشاه من الخطيئة، أوّلاً، ليلفظها، خارجًا، بعد ذلك، مرّة
وإلى الأبد! كأن لا بدّ له من أن يعشق ذاته، أوّلاً، حتّى القرف، ليخرج من
ذاته، بعد ذلك، بالكامل، إلى الأبد! ليس قصد الله حتّمها، بل المبادرة
الّتي أتاحتها المحبّة! لأجل المفارقة، ليس أحد يأتي إلى محبّة الله إلاّ إذا
أحبَّ نفسه أوّلاً! لذا كانت الخطيئةُ مرحلة إلى البرّ، وعشقُ الذّات خطوةً
إلى عشق الله! هذا ما كان للإنسان أن يصنعه! آدم رتع خارج الفردوس
يبكي وانتظر، إلى أن جاءه مسيح الرّبّ مكفكفًا دمعَه وأدخله إلى
الدّاخل! ليكون فضل القوّة لله لا منّا!
لذا الخاطئ حبيب المسيح، ومَن يحبّون المسيح، لا يتخلّى عنه
حتّى يُخليه من خطيئته! فقط أن تعرف أنّك أخطأت! بعد ذلك إن كانت
خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثّلج، وإن كانت حمراء كالدّوديّ تصير
كالصّوف!
نمجّ الخطيئة أبدًا ونحتضن الخاطئ! المهمّ أن يبقى المسيحُ صلةَ
الوصل بين الخاطئ والخاطئ! كانت البراءة، بدءًا، لتكون التّوبة، مِن بَعدُ،
وكانت التّوبة لتكون البرارة!

عائلة الثّالوث القدّوس – دوما – لبنان
نقاط على الحروف

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share