كلمة المطران باسيليوس (منصور) في نشرة البشارة

mjoa Friday October 31, 2014 68

كلمة المطران  باسيليوس (منصور) في نشرة البشارة
الإخوة والأبناء الأحباء،
بناءً على دعوة وزارة السياحة المصريّة، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كان لي الشرف مع الأخ الأسقف موسى الخوري أن أشارك في إحتفالية العائلة المقدَّسة، أي إحياء ذكرى دخول السيد وأمه مريم والخطيب يوسف الصديق الى مصر وذلك تحقيقاً للنبؤة “من مصر دعوت إبني”. وكان التأثير الروحي لهذه الذكرى جميل جداً يأخذ بأعماق النفس ويملأوها سعادة وحبوراً. وأذكر الشعور ذاته في تسالونيك بمؤتمر “تسالونيك المسيحية”. وفيه عرضت الكأس المقدّسة التي إستخدمها السيد المسيح له المجد في العشاء السري. وقد صارت الكأس قطعاً أدخلت في (طاسات) ذات ثقوب لتمرير المياه من خلالها لتتبارك بالأثر المقدَّس.

basilios-mansourأثناء وجودنا في مصر قمنا بزيارة الأديار التي نقرأ عنها في كتب التاريخ الكنسي، وكذلك عن قديسيها أي مؤسسيها ورهبانها الذين تقدسوا بالنسك والمحبة والتضحية والإخلاص في الدعوة، نقرأ عنهم في بستان الرهبان، وكتب سير القديسين، وتأخذ سيرهم وحوادث حياتهم بألباب قلوبنا وعقولنا، كيف انهم إستطاعوا أن يتركوا كل شيء محبة بيسوع المسيح. وبهذه المحبة تخلصوا من همومهم، وبعد أن تخلَّصوا من همومهم حملوا هموم الناس بكل محبة محاولين أن يغيِّروا نهج حياة الناس وتدفق الزمن المادي الذي كان سائداً في أيامهم واستطاعوا في ذلك، ودخلت حياتهم وكلماتهم المجتمعات المحيطة بهم.
إنهُ لشيء روحي عظيم أن يجد الإنسان ذاته أمام رفاة القديسين مكاريوس الكبير ومكاريوس المصري. بخوميوس وموسى الحبشي، وثاوذورس الفرمي والشهيد القديس مينا، وسيسوي الكبير وأغاثون العجائبي، وأنطونيوس أبي الآباء، وكثيرين جداً غيرهم.
لقد خرج هؤلاء من الحياة الماديّة وشكلوا تياراً معاكساً متكلين في ذلك على الله ومحبته، ومؤمنين حقيقة بقول النبي “إلق على الرب همك وهو يعولك”، “الرب يرعاني فلا يعوزني شيء في مراعٍ خضرٍ هناك أسكنني هليلويا”، وقد تحقق لهم ذلك.
من لا يتذكر قول القديس أنطونيوس: “أنا لا أخاف الله لأني أحبه” نعم إذا لم نصل الى هذه المرحلة من العلاقة الخاصة مع الله سبحانه وتعالى لن نتمكن من تغيير، لا محيطنا ولا ذواتنا “لأنَّ المحبة نار آكلة لا تبقي على شيء من السوء بل يصبح المحب إيجابياً تجاه كل شيء فيما هو للخير”.
السؤال المطروح اليوم على كلِّ واحدٍ منا كيف يمكننا أن نغيّرَ العالم لننقذه من براثن الماديّة، ومما يتخبط به من الأمور الغير اللائقة؟ هل بمجاراته؟ هل بفتور الإيمان؟ وبعدم التمسك بأهدابه بكل حمية وثبات. هل ننجح بتغيير العالم إذا جاريناه في طروحاته؟ إن التغيير أيها الإخوة الأحباء الذي يجري في العالم ليس بالعملية البريئة نتيجة لتطوّرات طبيعيّة، بل هي تغيرات في الكثير منها تطاول مسيحيَّتنا وتبغي رسم مسيحيّة غير التي عرفناها من خلال الكتب المقدّسة، وسرّ التجسد، وحياة القديسين.
إن المؤسسات العالميّة التي تعمل في السر والخفاء تبغي السيطرة على العالم وتوجيهه كما يشاؤون فهل نقف خائفين مكتوفي الأيدي؟
بالرغم من الإحتفال العظيم الذي جرى في القاهرة والضيافة بحضور عالمي من كل الكنائس المسيحيّة، وخاصة المرتبطة بالقديسين وتكريمهم، والضيافة الإبراهمية التي قدمتها الدولة، إلا أن التساؤول يبقى لماذا الحوادث المقدَّسة، وأماكن تواجد القديسين يروّج لها ضمن برنامج السياحة الدينيّة، ولا يقال برامج الحج الديني الى الأماكن المقدّسة بالفعل لأنَّ السياحة لا ترتبط فقط بزيارة الأماكن المقدَّسة بل تحتوي الكثير من عناصر السياحة الدنيويّة كالتعاطي المادي والتهوّر الأخلاقي، وما شابه ذلك من أمور. وهذه السياحة الدينية صارت مطروحة عالمياً في بلدان كثيرة في الشرق والغرب، وتتنافس الدول على إستغلال العواطف والمشاعر الروحية للناس بغية التسويق السياحي.
أمام كل هذه المعطيات التي ذكرت منها غيضاً من فيض، وكذلك التساؤلات التي طرحتها، وهناك ما هو أكثر وأعمق وأشد أثراً منها تتعامل وتتصارع في أذهان الناس وضمائرهم وخاصة أن عالمنا اليوم هو عالم مادي له شريعة الغاب لا رحمة ولا شفقة فيه.
فطالما أن الأمثلة الفاضلة عاشت في ديارنا وأسلافنا عرفوهم شخصياً وقد حققوا ونجحوا بأن عاكسوا التيار فلا حجة لنا أن نبقي شريعة السيد بعيدة عن بيوتنا وأعمالنا، ولا تبرير لما يطرحه البعض على أن الدنيا تغيرت والظروف أقوى من البشر، نعم هذا صحيح بالنسبة للبشر المتكلين على ذواتهم، على أموالهم ، على علومهم – جمالهم. قوتهم وبطشهم، ولكن هذا ليس بعصيّ على الله “فكل شيء مستطاع عند الله” فلنتركه يعمل في حياتنا لنمجّده في أعمالنا فلا تصغر نفوسنا بل تتقوى بشفاعة والدة الإله العذراء مريم وجميع القديسين الأبرار والشهداء والنساك، الذين أثبتوا أن الإنسان أعظم من كلِّ الدنيا ولا شيء يتفوّق عليه إن لم يستسلم هو للضعف والتخاذل.
فيا أيها الإخوة والأبناء الأحباء، عيشوا أنتم مع يسوع المسيح وكأنه هو الذي يحيا فيكم، ومجدوه في قديسيه، وليقدس حياتكم بكل نعمة وبركة له المجد آمين.

نشرة البشارة

2 تشرين الثاني 2014
            

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share