أن نبقى مع الله – المطران جورج خضر

mjoa Saturday March 21, 2015 69

أن نبقى مع الله – المطران جورج خضر

أن نبقى مع الله إن أعطى وإن خذل أو حسبنا أنه خذل هذه طاعتنا للإيمان. أنت فقير اليه ولا تشترط عليه شيئاً إن أمدك بنعمة ولا تتذمر إذا حرمك إياها. في ما تأخذ وفي ما لا تأخذ أنت فقير. أنت لست في تجارة مع الله. إن اعطى فهذا من محبته وإن خذل فهذا أيضاً من محبته لأنه مربيك. وإذا لم يجربك أحياناً كيف تعرف انه أب لك في الحقيقة؟

ان-نبقى-مع-اللههو لم يشترط عليك شيئاً فتكون معه. في غناك الروحي وفي فقرك هو معك. تجرد من علاقة التجارة معه. أفهم دفعة واحدة أنه إذا اغناك بنعمة أو أفقرك هو معك. لست معه في عقد ثنائي. العلاقة بحبه لك. أنت تقبل حبه وتشكر. أنت إن أحببته لا تزيده شيئا.
لازمه لتحيا. وحدك أنت تافه. كن معه لتجد أن لك معنى. الإنسان وحده بلا إله صحراء. كيف يغتذي؟ مصلحتك ان تبقى معه. هو لا يستفيد منك بشيء. معه لك كيان لأنك وحيداً
عنه فيك فراغ أو كلك فراغ. ولكن ان تبقى معه هو ان تبقى له أي مخصصا نفسك له، مندفعا إليه بكل قواك، ناسيا ملذاتك الضارة ومنافعك الخسيسة. ان تكون له هو أن تنسى أنك مركز الوجود وان تنبسط أمام الناس بالخدمة. الله في الناس. إن لم تجده فيهم لن تجده في السماء. تبدأ السماء بالحب هنا، أحب الناس جميعا بالإخلاص الكامل.
السماء أولاً فيك وفي الناس لأنها في الله والله فيك وفي الناس. كيف تعرف انك مع الله؟ في جواب أول اذا رفضت الرذيلة وآمنت بالبر وفي جواب ثان إن حققت البر بالمحبة. وهذه لا يزاد عليها لأنك بها تصل إلى الله.
أنت مع الله أولاً أن آمنت. وأن تؤمن تعني أن تعتبر الله مأمناً لك وملجأ أي أنك لم تبق في احساسك خارجا عنه. هذه المعية هي كل الإيمان إن لم تكتف بالإيمان كلاماً.
ان تؤمن عملية في غاية الصعوبة ان فهمتها لأنك تعني انك اقتنعت بعقلك وسلوكك معاً ان الرب هو كل الحياة وكل حياتك. معنى ذلك انك خرجت من ذاتك، من الأنا لتصبح عنده وله. في الأخير معناها انك أمتّ كل ما فيك من شهوات ليصبح الله شهوتك الوحيدة. الإيمان ترهب وانقطاع لتحقيق الحب بينك لترتفع قليلاً أو كثيراً فوق المخلوقية.
إذا مكثت عند الله ماذا يبقى لك من نفسك؟ ماذا تشاهد منها؟ إن صرت حقاً له لا تشاهد إلا وجهه فتعود اليك الوجوه التي تحب مستنيرة بنوره وبينه. اذا تربيت عليه تلحظ يوماً بعد يوم انك صرت تتكلم بكلامه وتطلب إرادته وتدرك ان شهواتك أخذت تتساقط.
أن تبقى وجودياً مع الله يعني أنك تحب وان تحب كل إنسان حولك بلا نظر إلى حسناته. الحب مجاني كليا أي لا يطلب ردا. تعطيه بأمر من الله ولا تنتظر تعزية بان تبقى مع الله في فرحك وفي وجعك طالباً وجهه فقط لأنك إذا أدركت أن وجهه يكفيك تكون فهمت كل شيء.
أن تشعر بأن الرب يكفيك لا تعني انك شعرت بالاستغناء عن خلائقه. تعني انك تراها من خلاله، ان ترى ملامحه على وجوههم. ان ترى وجوههم وحدها بلا ملمح منه هو ان تعبدها وهذا شرك. ان تراه على وجوههم تعني ان هذه تجلت وانك أنت تجليت بها. لا إله فيك ما لم يكن ناسه فيك.
جريدة النهار
21 آذار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share