الفعلة قليلون والحصاد كثير – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday May 18, 2015 55

الفعلة قليلون والحصاد كثير – المطران باسيليوس (منصور)
كلمات قالها ربنا يسوع في حادثة لقائه مع المرأة السامرية. ذهبت هذه الكلمات مثلاً عبر العصور، وصارت مستخدمة ليس من الجهات الروحية بل ومن الجهات كافة العاملة في مجالات، جذب الناس واستقطابهم، السياسية وغير السياسية حتى. بالفعل أهم عامل في تعليم الناس الإيمان وعيشه إنما هم الذين يحملون هذه المهمة على عاتقهم. في ذلك يقول ربنا يسوع المسيح: “أضرب الراعي فتتبدد الخراف”، ويضع مسؤولية كبيرة على من تأتي على يده العثرات.

Motran-mansourإذاً المشكلة ليست في وجود عدد وافر من الأشخاص بل بنوعية الأشخاص الذين يحملون المهمة. فكيف بالمهمة التي تسمو على مهمات الملائكة، وهي رعاية أحوال البشر ليس في هذه الدنيا فقط، بل ومهمة إيصالهم الى مرافئ الخلاص. فما الفرق بين من يحمل مهمة روحية وهو مقصر فيها أو معثر، وبين الذين يعدون الناس بإيصالهم الى أوروبا وبلاد آمنة، ولكنهم يغرقونهم في البحر. إنهم على ذات المستوى. وكم ينظر الناس الى هؤلاء باحتقار وإِرذال بذات النظرة ينظرون الى المقصرين والمعثرين في مجال العمل الروحي وكل عمل.

وأكبر فساد وجدته البشرية عندما انقلبت الفضائل في ذهن الناس الى ضعفات، وصارت الرذائل فضائل النجاح وقوة الشخصية. فاليوم الى جانب العدد يجب أن يكون الفعلة من نوعية لا يعملون سفراء لذواتهم وقناعاتهم الشخصية ولا يعملون مروجين للأفكار البشريّة والإجتماعية التي تظهر هنا وهناك. بل يبشرون بكلمة الله كما علمها الله. يبشرون بها غير مغلقين عيونهم عن مساحات النور التي عند الشعوب، ولا مانعين الروح من الهبوب حيث يشاء، وكيفما يشاء. على الفعلة أن يكونوا مراكز إستقطاب واستشعار لكل جمالات الله في خلقه، ولكل شرارات النور في خليقته.

هذا أيها الإخوة الأحباء لا ينطبق فقط على حاملي المهمات التبشرية والروحية، ومن هم في مراكز الخدمة الكنسية، بل ينسحب على كل من له علاقة بالتربية والخدمة والعمل في شتى المجالات.

مثلاً إذا وضعت إنسان غير مناسب في مكان ما سيخفض من قيمته، ولهذا عندما نطلب خداماً للكنيسة نطلبهم من سويّة علمية وأخلاقية، كمجالس الرعايا مثلاً: أن يكونوا قدوة في العمل والحضور المجتمعيين والكنسيين. فلو اعتبرت الكنيسة أن عضوية مجلس الرعية حق لكل مؤمن معمد بدون أن تضع ضوابط وشروط لما وجدنا أناساً يقبلون بالخدمة العامة المجانية.

ليس من بيت إلا ويوجد فيه أب وأم إلا إذا وجدت خلافات وهناك المصيبة، وهذا قليل، ولكن السؤال هنا الفعلة موجودون كما هو مطلوب، وقد يكون الفعلة من أعقل وأطيب وأهذب الناس، ولكن تنقصهم قوة الشخصية، والجرأة في النقد، والثبات في قول ما يجب قوله، وخاصة لأولادهم لأنهم وزنات أعطيت لهم.

ومن ضعف العاملين في هذه الأيام في هذه المجالات. أن الوالدين غير ثابتين على نوع من التربية، ولهذا العمل في العائلة لا ينجح، وتربية الأولاد غير سهلة، أمام هذا الواقع يعزف الشباب عن الزواج عندما يجدون الآباء متضجرين من وضعهم لأنهم لا يعرفون ماذا يريدون، وخاصة بعد أن تعدَّدت النظريات التربويّة، وظهر أن الوالدين لم يكونوا ثابتين في التزامهم التربوي الإنجيلي. فتغيرت إمكانيات العاملين ولم يعودوا على جاهزية كما يجب ليسلموا المهمة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “من الأفضل أن نترك الرعية عشرة سنوات بدون راعي من أن نسلمها لراعٍ يدمرها لمدة مائة عام”.

إذاً أيها الإخوة الأحباء، لا يتوقف كلام الرب على المسؤولية الرعويّة الروحيّة بل يتعدى ذلك على مهماتكم الوالديّة في بيوتكم كيف تعيشون، ما تعلمونه لأبنائكم، مدى صدقكم في أوامركم ونواهيكم، أولاً في مجال حياتكم لأنه كما قال أحدهم:  “بدلاً من أن تأمر إبنك بالذهاب الى الكنيسة، تقدَّمْهُ أنت أولاً وسر أمامه الى الكنيسة وهكذا سيصدِّق بأهمية ما تعلمه إياه”. وينسحب هذا على جميع أقوالكم، وسيرى أولادكم عند ذلك إنكم ستصيرون أنتم وأولادكم كهنوت ملوكي أمة مقدسة، ويصلح المجتمع بكم. والعامل في كل المجالات يجب أن لا يحمل في قلبه الخوف، لا من عدم المعرفة وهذا يربكه، ولا الخوف من المواجهة وهذا يدمره شيئاً فشيئاً. بل يجب أن يكون كما قال داود النبي “مستعد قلبي دائماً مستعد يا الله”. ومن لم يعط للمهمة التي حملها حقها والوزنة التي أخذها ما يتوجب لها يصبح على مثال حنانيا وسفيرة. ولكن الله لا يرذل القلوب الخاشعة المتواضعة.

نشرة البشارة

17 أيار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share